محمّد قوّاص*
تضعُ الولايات المتحدة الشرق الأوسط أمامَ أمرٍ واقعٍ جديد. بدا في لهجة الرئيس دونالد ترامب، حين أعلن خطته بشأن إنهاء حرب غزّة، ما يشي بأنَّ إنهاءَ الحرب بات قرارًا وليس مُجرّد اقتراح. ومن تابعَ مسارَ صناعة تلك الخطة كما ردود الفعل الدولية بعد إعلانها، استنتجَ أنَّ نهايةَ حرب غزّة والعبور نحو مسارٍ سياسي هي رغبةٌ دولية وإقليمية وحاجة عاجلة بامتياز.
لم يَكُن أمام بنيامين نتنياهو إلّا القبول بخطة ترامب. لا يُمكِنُ التصديق أنه كان غريبًا عنها. في 27 آب (أغسطس) الماضي كان مستشاره، وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، حاضرًا في الاجتماع الشهير الذي ترأسه ترامب في البيت الأبيض وضمّ أيضًا مبعوثه ستيف ويتكون، وصهره جاريد كوشنر، ورئيس الحكومة البريطاني الأسبق توني بلير. ناقشَ الاجتماعُ بإسهابٍ ما ثبت لاحقًا أنه خطّةٌ أعدّها بلير وكان على إسرائيل أن تكونَ حاضرةً لمناقشتها. لكن نتنياهو أدرك هذه المرة ضيق هامش المناورة لتعطيل محاولة لوقف الحرب. الكونغرس ولوبيات الضغط الموالية لإسرائيل تدعمُ خطّة الرئيس. كما إنَّ دولَ الإقليم العربية والإسلامية وُضِعَت في صورة الخطّة وأجمعت على الدعم والاستعداد للتعاون.
قد تكون الخطّة إسرائيلية، كما سرّبَ بعضُ المصادر، وقد لا تكون. غير أنَّ مصالح الولايات المتحدة بدت تتطلّب بشكلٍ حاسمٍ وحازمٍ هذه المرة أن تكونَ مقرّرة لمسار مستقبل حرب غزّة. ولئن أعلن رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر عزمه على الاعتراف بالدولة الفلسطينية بعد ساعاتٍ على لقاء جمعه مع ترامب في اسكتلندا أواخر تموز (يوليو) الماضي، ثم أعلن هذا الاعتراف رسميًا بعد أيام من زيارة ترامب “الملكية” إلى بريطانيا في أيلول (سبتمبر)، فذلك أنَّ ترامب ربما شجّعَ هذا التحوّل وإن أعلن عدم رضاه.
العالم تغيّر. راقب نتنياهو بارتياب تلك القمّة العربية الإسلامية المفاجئة التي دعا إليها ترامب زعماء ومسؤولي دول عربية وإسلامية على هامش أعمال الجمعية العام للأمم المتحدة. ضمَّ الاجتماع قادةً ومسؤولين من السعودية وتركيا وقطر ومصر والإمارات والأردن، لكن أيضًا وهذا لافت، إندونيسيا وباكستان. حضر الاجتماع أيضًا عن الجانب الأميركي كلٌّ من وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الخزانة سكوت بيسنت، والمبعوث الخاص ستيف ويتكوف. قالت معلومات ذلك الاجتماع حينها إنه هدفَ إلى إجراء حوارٍ مُتعدّد الأطراف حول سُبُلِ إنهاء الحرب في غزة والتوصُّل إلى اتفاق وقف إطلاق نار دائم ومستدام، وإطلاق سراح جميع المختطفين، واتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الأزمة الإنسانية التي يعاني منها سكان غزة.
تساءل مراقبون عن وجاهة وجود باكستان وإندونيسيا في هذا الاجتماع ودعوة ترامب للدولتين. ورأى بعضُ وجهات النظر أنَّ ترامب أرادَ الحصول على تغطيةٍ إسلامية أيضًا لمقترحاته لإنهاء الحرب في غزّة، بالنظر إلى أن البلدين من أكبر الدول الإسلامية وأكثرها كثافة سكانية ونفوذًا. ذهبَ بعضُ الآراء إلى اعتبار دعوة ترامب باكستان لحضور الاجتماع، يمثل اعترافًا أميركيًا بأنَّ إسلام أباد أصبحت لاعبًا أساسيًا في الشرق الأوسط بعد إبرامها اتفاق الدفاع الاستراتيجي المشترك مع المملكة العربية السعودية في 17 أيلول (سبتمبر).
العالم قد تغيّر على نحوٍ قد لا يكون من مفرٍّ لإسرائيل إلّا القبول بخطّة ترامب. والعالم قد تغير على نحوٍ سيدفع حركة “حماس” إلى التجاوب معها. ستجد الحركة نفسها مُحاصَرة بـ”النكبة” التي يجب أن تتوقف في غزّة. لكنها مُحاصرة أيضًا بما صدر عن عواصم عربية وإسلامية من دعمٍ لخطّة واشنطن. ومحاصرة بالموقف المفاجئ المُرحّب الذي صدر عن كلٍّ من روسيا والصين.
تخلّى ترامب عن فكرة التهجير الجماعي وإقامة “ريفييرا الشرق الأوسط” في غزّة. راقبَ مليًّا حملة الاعترافات التي اجتاحت دولًا حليفة بالدولة الفلسطينية. أصغى بانتباه إلى مزاج الحلفاء في العالمَين العربي والإسلامي. استنتجَ الكثير من مؤتمر “حلِّ الدولتين” الذي ترأسته السعودية وفرنسا. هو نفسه عرف أنَّ العالم تغيّر. ولئن يعلن نتنياهو رفضه إقامة دولة فلسطينية، غير أنَّ خطة ترامب تحدثت “بالنصّ” عن مسار إقامة تلك الدولة ولو بعد حين.
- محمّد قوّاص هو كاتب، صحافي ومُحلّل سياسي لبناني مُقيم في لندن. يُمكن متابعته عبر منصة (X) على: @mohamadkawas
- يَصدُرُ هذا المقال في “أسواق العرب” (لندن) تَوازِيًا مع صُدورِه في “النهار العربي” (بيروت).