تُمثّلُ ضريبةُ الدخل البالغة 5 في المئة التي فرضتها سلطنة عُمان على 1 في المئة من أصحاب الدخل الأعلى قطيعةً مع التقاليد الراسخة، وتُشيرُ إلى تحوُّلٍ بعيدًا عن نظام الرفاهية المُمَوّل من عائدات الهيدروكربونات.
ياسمينة أبو الزهور*
أقدمت سلطنة عُمان، في حزيران (يونيو) الفائت، على خطوةٍ لم تجرؤ عليها أيُّ دولةٍ خليجيةٍ من قبل: الإعلان عن خططٍ لفرض ضرائبَ مباشرة بدءًا من العام 2028. وبنسبة 5% على الدخل الذي يتجاوز 42,000 ريال عُماني (حوالي 109,000 دولار أميركي) -أي ما يُقارب 1% من أصحاب الدخل الأعلى- ستكون العوائد المالية متواضعةً، ولكنها تحمل في طيّاتها الكثير من الدلالات السياسية. فمن خلال فرضِ ضريبةِ دخلٍ شخصية محدودة النطاق على ذوي الدخول المُرتفعة، تطرحُ عُمان سؤالًا سياسيًا باستخدامِ أداةٍ مالية.
اعتمدت الملكيات الخليجية على الدوام على نموذجٍ يجمعُ بين الرفاهيةِ المُمَوَّلة من عائداتِ النفط وفرض الحدّ الأدنى من الضرائب المباشرة، وهو نموذجٌ خفّفَ من ضغوطِ المُطالبة بالتمثيل السياسي فيما ضمن تقديم خدمات سَخيّة. تؤثّر خطوةُ عُمان في صافي الدخل ولو تأثيرًا طفيفًا. لكن يَكمُنُ الرهانُ بأن يُساهِمَ فرضُ ضريبةٍ ضيّقةِ النطاق ومُرتَفعة العتبة في تطوير عقد الدولة مع المواطن باتجاهِ علاقةٍ تبادُلية جديدة، تقومُ على مزيدٍ من الشفافية والمُساءلة في مقابل مساهمة محدودة، من دونِ إثارةِ ردِّ فعلٍ شعبي سلبي.
بدايةً، ثمّة تمييزان مهمّان. أوّلًا، تختلفُ ضريبةُ الدخل الشخصي عن ضريبة القيمة المضافة الشائعة في الخليج منذ العام 2018. تُحَصَّلُ ضريبةُ القيمة المُضافة عند نقاطِ البيع ما يضفي غموضًا على مسألةِ مَن يتحمَّلُ عبئها فعليًا. أمّا ضريبة الدخل الشخصي، فهي تُخصَمُ مباشرةً من الراتب، ما يجعلها واضحةً وشخصيةً وبالتالي ذات حساسية سياسية بالغة. ثانيًا، هذه الخطوة الرمزية الأولى ليست مجرّدَ وسيلةٍ لجباية الأموال. فمع تحديدِ عتبةِ فرضِ الضريبة بما يتجاوز بكثير متوسّط الأجور، وتوقّعات بإعفاءاتٍ تشملُ الخصومات الأساسية، من المرجّح أن يكونَ الأثر المالي المباشر على الإيرادات محدودًا. في حين قد يكون الأثر في الاقتصاد السياسي كبيرًا.
لماذا الآن؟
يأتي رهانُ مسقط الضريبي في سياقٍ أوسع. فقد كشفت وفرةُ النفط بين العامين 2014 و2016 والانهيار اللاحق في الأسعار عن هشاشةِ الاقتصادات الإقليمية. ولم تُستَثنَ من ذلك عُمان التي تعتمدُ على النفط والغاز في توفير ما بين 68 إلى 85 في المئة من إيرادات الدولة. وعندما ضربَ فيروس كورونا المستجد في العام 2020، وتراجعت أسعار الطاقة مرّة أخرى، بلغ عجز السلطنة نحو 19 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي، بينما قُدِّرَت الديون العامة بحوالي 68 في المئة من الناتج المحلّي. وقد دفعت هذه الصدمات المتراكمة الحكومة إلى خفضِ الدعمِ وفَرضِ تدابير تقشُّفية وضريبة قيمة مضافة بنسبة 5 في المئة في نيسان (أبريل) 2021.
وقد دعت مؤسّساتٌ مالية دولية رائدة، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، إلى ضرورةِ تنويعِ مصادر الإيرادات، إذ كشفت الضغوط المتنامية هشاشة النظام الرَيعي. وفي الخطة المالية متوسّطة الأجل التي وضعتها عُمان لعام 2020، شكّلت الإيرادات غير النفطية 28 في المئة من إجمالي الإيرادات، وكان الهدف رفعها إلى 35 في المئة بحلول العام 2021. وتأتي ضريبة الدخل الشخصي كجُزءٍ من هذه الجهود لتنويع المالية العامّة وخلق وسادة مالية لمواجهة الصدمات المستقبلية. وعلى الرُغمِ من تواضُعِ هذه الضريبة، فإنّها تؤسّس لآليّاتِ ضرائب مباشرة وتمنحُ الحكومة مرونةً مالية مستقبلية من دون الحاجة إلى تشريعاتٍ جديدة.
الواقع أن عُمان صمَّمَت هذه الضريبة بعناية. فالعتبةُ الضريبية العالية، التي تتجاوَزُ بكثيرٍ مُتوسّط أجور القطاع الخاص، تستهدفُ أصحاب الدخل المُرتفع فحسب، إذ يُعَوَّلُ عليها في تقليل احتمالات رفضها شعبيًا. كما تُخفّفُ الخصومات المُتَوَقَّعة للإنفاق على التعليم والرعاية الصحّية والسكن والإرث والأعمال الخيرية والزكاة من أثرها. ومع ذلك، لا يخلو هذا التحوُّلُ من مخاطر.
تحدّيات التنفيذ والمخاطر
إنّ الإعلانَ عن ضريبةٍ شيء، وتطبيقها شيءٌ آخر، لا سيّما في منطقةٍ غير مُعتادة على الضرائب المباشرة. أمامَ جهاز الضرائب في عُمان أقل من ثلاث سنوات لبناءِ أنظمةٍ قادرة على إدارة ملفّات ضريبة الدخل الشخصي وتحصيلها، وهي مهمّة إدارية غير مسبوقة. وإذا بدا الإطارُ التنظيمي غامضًا أو غير عادل، فقد تضعف الثقة بسرعة.
فضلًا عن ذلك، يُعدّ تحديدُ الدخلِ الخاضعِ للضريبة بوضوح وإنصاف مهمّة معقّدة، نظرًا لأنَّ الكثير من حُزَمِ الرواتب العابرة للحدود تشملُ بدلاتٍ ومزايا متعدّدة. ويهدفُ المسؤولون إلى الانتهاء من إعداد اللوائح التفصيلية بحلول حزيران (يونيو) 2026، في وقتٍ يعمل خلاله الجهاز على دَمجِ أنظمةِ بياناته الأساسية. ويُعَدُّ هذا الدمج العقبة التقنية الأكثر تعقيدًا. ومن هذا المنطلق، توصي الإرشادات المهنية بأن يقومَ أصحابُ العمل بمراجعة أنظمة الرواتب لديهم، لا سيّما ما يتعلّق بالاستقطاعات الضريبية والتقارير، قبل العام 2028 بوقتٍ كافٍ.
وقبلَ كلِّ شيء، لطالما عُرفت منطقة الخليج لعقود بأنّها تُوَفِّرُ دخولًا خالية من الضرائب للمواطنين والمقيمين على حدٍّ سواء. وعليه، يحمل إدخال ضريبة الدخل الشخصي تداعيات على جهود السلطنة في جذبِ الكفاءات والاحتفاظ بها. ووفقًا لمجلّة “غلوبال فاينانس” (Global Finance)، قد تجد عُمان صعوبةً في منافسة جيرانها المعفيين من الضرائب في استقطابِ الكفاءات الأجنبية والشركات الدولية. كما تُغيِّرُ الضريبة المباشرة طبيعة العلاقة بين الدولة والمواطن، وقد تُعيدُ تشكيل التصوّرات بشأنِ شرعية الحكومة، إذ تُشيرُ التجربة التاريخية إلى أنّ دافعي الضرائب يميلون إلى المطالبة بمزيدٍ من الشفافية ودورٍ أكبر في الرقابة على الإيرادات والنفقات العامّة. وقد يكون هذا التحوّل الثقافي هو التحدّي الأكبر في المدى الطويل. وإذا لم تُظهر الحكومة بوضوح المنافع العامة من وراء فرض الضريبة، ولم تُبَرهِن على حُسنِ إدارتها للأموال المُحصّلة، فإنّها تخاطر بتقويض شرعيتها وزيادة الاستياء الشعبي.
التداعيات الإقليمية والدلالة الأوسع
مثل عُمان، تُطبّقُ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتّحدة والبحرين ضرائب غير مباشرة كضريبةِ القيمة المضافة والضريبة الانتقائية، إلّا أنّ ضريبة الدخل الشخصي تُمثّلُ مقاربةً سياسية مختلفة، إذ تُقلّصُ صافي الدخل وتزيد من توقّعات المساءلة. وستتابع كلٌّ من الكويت والبحرين، اللتين تواجهان ضغوطًا مالية، تجربة عُمان عن كثب.
ظلّ البرلمان الكويتي لسنوات يرفُضُ حتى الإصلاحات الضريبية المتواضعة، في حين قد ترى البحرين، التي تعاني ضغوطًا ماليةً، في النهج العُماني نموذجًا يُحتذى به. أمّا قطر والإمارات العربية المتّحدة، المُحَصَّنتان بفوائض مالية كبيرة، فبإمكانهما التريث. وقد رفعت المملكة العربية السعودية نسبة ضريبة القيمة المضافة إلى 15 في المئة في العام 2020، وأكّد مسؤولوها أنّه لا توجدُ خططٌ حاليًا لفرضِ ضريبة الدخل الشخصي. ومع ذلك، سيؤثّر نجاح عُمان أو فشلها في تطبيق الضريبة بسلاسة، بلا شكّ، في السياسات الإقليمية المستقبلية. وفي مختلف أنحاء الخليج، ستُركّزُ الوزارات على جودة الأداء الإداري، من حيث التعامل مع النزاعات وآليّات استرداد الضرائب وقوانين الضرائب على غير المقيمين، بدلًا من تركيزها على معدّلات الضرائب المُعلَنة.
وتتجاوز التداعيات مجرّد تحصيل الإيرادات. لقد كان النموذج الريعي التقليدي في الخليج يعزل الملكيات عن الضغوط السياسية من خلال فصل الرفاه عن مساهمات الأفراد المباشرة. أمّا بفرضِ ضرائب على الدخل، فإنَّ الدولة تُعيدُ ضمنيًا صياغة هذا العقد. ومع ترسّخ هذا الإدراك، قد يرى دافعو الضرائب أنفسهم كمساهمين يملكون الحق في المطالبة بحساباتٍ شفّافة وأداءٍ مسؤول من الجهات العامة.
من هنا، وعلى الرُغم من أنّ نطاقَ الخطوة لا يزالُ محدودًا في البداية، يُمثّل المرسوم العُماني لحظةً مفصلية محتملة. إذ يمكن لتطبيقٍ ناجحٍ وواضحٍ أن يُعيدَ تشكيلَ المعايير، ويُعيد ضريبة الدخل الشخصي إلى أجندات السياسات الخليجية. أمّا الفشل، فسيُعزز حدة المقاومة ويُبطئ وتيرة الإصلاح ويُطيلُ الاعتماد على إيرادات النفط المُتقلّبة.
إنّها تجربة: تتمثّلُ في فرضِ ضريبةٍ بنسبةٍ مُتدنّية، وعتبة تطبيق مرتفعة، وإطار زمني ممتدّ، أو بمعنى آخر محاولة لتطوير العقد الاجتماعي لا لإلغائه. والاختبارُ هو: هل يمكنُ للضرائب المباشرة أن تنسجمَ مع الثقة العامة والمساءلة؟ أوّلًا في عُمان، ثم في باقي الدول الخليجية. وإذا نجحت مسقط في تحصيلِ الضريبة بشفافية والتواصُل بفعاليّة، فقد تتحوّلُ هذه الضريبة الرمزية الصغيرة إلى نموذجٍ إقليمي يُحتذى به.
- ياسمينة أبو الزهور هي زميلة غير مقيمة في مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية، وزميلة وخبيرة بحوث ومحاضِرة في علوم السياسات بجامعة برينستون، حيث تُدرّس مقررات في التنمية السياسية والاقتصادية. كما إنّها زميلة أولى غير مقيمة في المعهد المغربي لتحليل السياسات، وسابقاً زميلة بحوث ما بعد الدكتوراه في مبادرة الشرق الأوسط بجامعة هارفارد.