هل نَجَحَت الهَجَمات على إيران؟ إسرائيل وأميركا كسبتا الوقت، لكنهما ستدفعان الثمن بطُرُقٍ أُخرى

وجّهت الهجمات الإسرائيلية-الأميركية ضربةً موجعة لطموحات إيران النووية، على الأقل في المدى القريب. لكن من الواضح أنها ليست نهاية المطاف.

موقع فوردو: تضرّر كثيرًا ولكن…

ريتشارد نيفيو*

في 24 حزيران (يونيو)، اتفقت إيران وإسرائيل والولايات المتحدة على وَقفِ إطلاق النار، مُنهِيةً بذلك حربًا استمرّت 12 يومًا. خلال الصراع، ضربت إسرائيل عشرات الأهداف النووية الإيرانية المُؤَكَّدة أو المُشتَبَه بها. وعندما انضمّت الولايات المتحدة، ألقت قنابل خارقة للتحصينات على فوردو، وهو موقعٌ نووي كان من الصعب على الإسرائيليين الوصول إليه، وهاجمت منشأتين أخريين. الآن، ومع انقشاع الغبار، يجب على المُحلّلين البدء في تحديد ما حققته الضربات – وما إذا كانت تستحقُّ العواقب.

لا يزالُ من السابق لأوانه تحديد مدى تأثير عمليتَي “الأسد الصاعد” و”مطرقة منتصف الليل”، كما أطلق الإسرائيليون والأميركيون على حملتَيهما، على البرنامج النووي الإيراني. ويُقدّرُ تقريرٌ استخباراتي أميركي أوَّلي مُسَرَّب أنَّ الضربات أضافت بضعة أشهر فقط إلى الوقت الذي تحتاج فيه إيران إلى تجاوز العتبة النووية. في غضونِ ذلك، يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب إنَّ الضررَ كان أوسع نطاقًا. التقييمات الرسمية الصادرة حتى الآن من إسرائيل والولايات المتحدة تدعمُ عمومًا فكرةَ أنَّ الضربات أعاقت إيران بشكلٍ كبير، لكنها تُركّزُ على الضررِ العام، ولا تُقدّم تفاصيلَ كافيةً حولَ تأثيرها على مدة تجاوز إيران للحاجز النووي. في الحقيقة، حتى إيران ربما لا تُدرِكُ تمامًا حجمَ الضرر الذي لحق بمشروعها، ولا يزال قادتها في مرحلة اتخاذ القرار بشأن خطوتهم التالية.

لكن يُمكِنُ للخبراء البدء في حصر النتائج الملموسة. فهم يعلمون أنَّ الهجمات ألحقت أضرارًا جسيمة بمنشآت التخصيب الإيرانية، وأودت بحياة العديد من كبار العلماء. كما يعلمون أنَّ معدّاتٍ مهمّة فُجِّرَت ودُفنت. لكن قد لا يزال لدى إيران الكثير مما تحتاجه لصنع سلاح نووي، بما في ذلك اليورانيوم عالي التخصيب، إما لأنه مُخزَّنٌ بأمان أو لأنه يُمكن انتشاله من بين الأنقاض. كما ستجعل الحكومة الإيرانية جهودها الآن أكثر غموضًا من أيِّ وقتٍ مضى، حتى لو انخرطت في الديبلوماسية. لذلك، قد يختلفُ الجدولُ الزمني الجديد لإيران اختلافًا كبيرًا. قد لا تُنتِجُ البلادُ سلاحًا نوويًا أبدًا، أو قد تُنتجه بسرعة كبيرة.

ما خسرته إيران

بغَضِّ النظرِ عن تأثير ذلك على الوقت الذي تحتاج إليه طهران لتحقيق هدفها النووي، فإنَّ الأمرَ الواضح هو أنَّ البرنامجَ النووي الإيراني تعرّضَ لضربةٍ قاصمة. فقد لحقت أضرارٌ جسيمة بمركز أصفهان للأبحاث النووية، ومحطة نطنز لتخصيب الوقود والمباني الملحقة بها، ومحطة فوردو لتخصيب الوقود – المواقع النووية الرئيسة الثلاثة في إيران. دُمِّرت أجزاءٌ كاملة من أصفهان ونطنز تدميرًا كاملًا. كما دُمِّر مفاعل آراك الإيراني، ومعه أي فرصة قريبة لإنتاج إيران بلوتونيوم صالح للاستخدام في الأسلحة. كما هاجمَ الإسرائيليون مواقعَ بحثٍ وتطويرٍ أخرى في أنحاء إيران، بما في ذلك أجزاء من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية ومنظمة الابتكار الدفاعي التابعة للجيش الإيراني، والتي يشتبه المحلّلون والخبراء في أنها مسؤولة عن البحث والتطوير المتعلّق بالأسلحة النووية. وقد كلّفَ مقتلُ ما لا يقل عن اثني عشر عالمًا إيرانيًا في الغارات الإسرائيلية إيران عقودًا من المعرفة العملية المفيدة لبناء الأسلحة النووية. وقد تُعيقُ الهجمات الإسرائيلية التي استهدفت برنامج الصواريخ الإيراني قدرة البلاد على تطوير سلاح نووي يمكن تثبيته على رأسٍ حربي.

مع ذلك، فإنَّ مثلَ هذا الضرر مُتَوَقَّع. فعندما فَكّرت إسرائيل والولايات المتحدة في العمل العسكري في الماضي، لم تُشَكِّكا قط في قدرتهما على ضرب كل موقع تحاولان الوصول إليه. ومن خلال ضمان وجود ذخائر وقنابل قادرة على ضرب أهم المواقع النووية الإيرانية، وإجراء قدر هائل من التدريب والتخطيط، دخلت الدولتان الصراع بثقةٍ عالية. كانت الهجمات النهائية مُبهرة من الناحية العملياتية ومعقّدة من الناحية التقنية، وهو ما يُعزى إلى احترافية القوات المسلحة. لكن هذا النجاح التكتيكي لا يُجيب عن الأسئلة المفتوحة حول ما حققته الغارات الجوية والصاروخية، وبالتالي كم من الوقت قد تستغرقه إيران لتصبح دولة نووية.

المسألة الأكبر هي ما إذا كان مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 60% لا يزال موجودًا ويمكن الوصول إليه. يبدو أنَّ التقاريرَ الحالية تُشيرُ إلى أنَّ المادة مدفونة في فوردو وأصفهان، تحت الأنقاض التي خلفتها الضربات الأميركية والإسرائيلية. لكنَّ الإيرانيين وضعوا الكثير من اليورانيوم في أعماق الأرض على وجه التحديد لحمايته من هجومٍ أميركي، وهناك تقارير تفيد بأنَّ إيران نفسها أغلقت بعض مداخل الأنفاق في أصفهان لحمايتها من القصف. إذا بقي جُزءٌ من هذا المخزون سليمًا، فلن تحتاجَ إيران إلا إلى حفره ليكون متاحًا كمواد خام. تمتلك البلاد ما يكفي من المجارف والجرّافات لفعل ذلك.

كما لا يعرفُ المحلّلون ما إذا كانت إيران لا تزال تمتلكُ أجهزةَ طردٍ مركزي يمكنها تخصيب اليورانيوم إلى درجة صنع الأسلحة. وبالمثل، فإنَّ الخبراء ليسوا مُتأكّدين من أنَّ إيران ما زالت تحتفظ بالمعدات اللازمة لتحويل اليورانيوم المخصب إلى سلاح أم لا. فطهران، بعد كل شيء، عملت على إخفاءِ كمية هذه المعدّات التي تمتلكها. وبعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015، أو خطة العمل الشاملة المشتركة، بدأت إيران إنتاجَ مكوّنات أجهزة الطرد المركزي المتقدّمة. وفي العام 2021، نقلت طهران إنتاجَ هذه المكوّنات إلى تحت الأرض، في نطنز، وتوقفت عن تقديم معلومات عامة حول عدد تلك المكوّنات التي كانت تصنعها. وفي 13 حزيران (يونيو)، وهو اليوم الذي بدأت فيه الهجمات الإسرائيلية، كانت إيران على وشك الإعلان عن افتتاح موقع تخصيبٍ جديد قال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، إنه سيكون في أصفهان. ومع ذلك، لم يُقدِّم غروسي معلومات أكثر دقة بعد، وقد لا يعرف المزيد.

ربما يكون هذا الموقع ضمن الأنفاق التي كانت تُخزَّنُ فيها كمياتٌ كبيرة من اليورانيوم المخصَّب الإيراني. ولكن حتى في هذه الحالة، لا يعلم الخبراء ما إذا كانت هذه الأنفاق قد دُمِّرَت أم أنَّ ما في داخلها أصبح عديم الفائدة. من شبه المؤكد أنَّ الهجمات على أجزاء أخرى من أصفهان قد دَمَّرت معدّاتٍ يُمكن أن تُحوِّلَ اليورانيوم الصالح للاستخدام في صنع الأسلحة إلى مكوّناتٍ عسكرية. ولكن قد تكونُ لدى إيران معدّاتٌ إضافيةٌ مُخزَّنةٌ في أماكن أخرى. كان فشل إيران في الإجابة عن أسئلةٍ حول عملها السابق في مجال اليورانيوم المُرتبط بالأسلحة أحد أسباب اعتبار الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران مُخالفةً لمعاهدة حظر الانتشار النووي في 12 حزيران (يونيو).

إذن، لا يزال أمام إيران خياراتٌ قصيرة المدى لتحقيق اختراق. قد لا يزال لديها ما يكفي من اليورانيوم ومعدات صنع الأسلحة. وينطبق الأمر نفسه على الخبرات: لا يزال هناك علماء نوويون إيرانيون -على حدِّ علم الجميع- على قيد الحياة وبصحةٍ جيدة ويعملون. إذا كان مشروعُ القنبلة الإيراني عبارةً عن ماراثونٍ يُنفّذه إلى حدٍّ كبير كبار الخبراء، فقد يَتعثّر البرنامج بشكلٍ خطيرٍ بسبب وفيات الأسبوعين الماضيين. لكن إذا كان الأمرُ عبارةً عن عملية تتابع، حيث يعمل العلماء معًا عن كثب ويتبادلون المعلومات والمعرفة والمهارات العملية، فقد تكون الخبرة المفقودة أقل أهمية بكثير. ويمكن لمَن تبقّى منهم أن يمتلكوا أو يكتسبوا بسرعة كل المعرفة التي يحتاجونها.

الأضرارُ الجانبية

حتى في أفضل السيناريوهات، حيث أعادت واشنطن وإسرائيل برنامج طهران النووي إلى الوراء لسنواتٍ عديدة، فإنَّ الحملةَ العسكرية قد تكون مُكلِفة لجهود الولايات المتحدة مع إيران بطُرُقٍ أخرى. على سبيل المثال، أقرَّ البرلمان الإيراني للتو تشريعًا من شأنه أن يُقلّلَ بشكلٍ كبير من تعاون البلاد مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. قد لا يكون مُفتّشو تلك الهيئة مثاليين، وكان وصولهم إلى برنامج إيران غير مكتمل: فمنشأة فوردو، على سبيل المثال، تم بناؤها في إيران لسنواتٍ عديدة قبل الكَشفِ عنها للوكالة وإخضاعها لعمليات التفتيش. ولكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت ذات قيمة كبيرة على الرُغم من ذلك. فقد نبّهت المنظمة العالم عندما أعيدَ تشغيل منشأة تحويل اليورانيوم الإيرانية في آب (أغسطس) 2005 وعندما بدأت إيران تشغيلَ أجهزة الطرد المركزي الأولى تحت الأرض في نطنز. والآن، قد تفقد الوكالة الدولية للطاقة الذرية حقَّ الوصول إلى البلاد.

ستكونُ التداعيات وخيمة. فبالإضافة إلى اكتشافِ اختراقاتٍ مهمّة، وَفّرَ مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية فحصًا شفافًا وموثوقًا به لنتائج الاستخبارات الأجنبية حول البرنامج النووي الإيراني. على سبيل المثال، عندما قدّمت الوكالة معلومات عن مخزون إيران من اليورانيوم المُخصَّب، تمكّن خبراءٌ مستقلون من حسابِ كمية المواد النووية التي تمتلكها طهران، مُثبتين للعالم أنَّ مزاعمَ واشنطن ليست نظريات مؤامرة. كما استخدمت أجهزة الاستخبارات التقارير العامة للوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقُّق من تقييماتها الخاصة، مما زاد من ثقتها بفهمها للبرنامج النووي الإيراني. ولعلّ الأهم من ذلك هو أن مفتّشي الوكالة تمكّنوا من طمأنة الدول الأخرى بأنَّ إيران لم تُنتِج أسلحة نووية. بعبارةٍ أخرى، أدّت الوكالة وظيفتها الأساسية: توفير الشفافية اللازمة للسماح باستمرار برامج الطاقة النووية المدنية.

قد تتوقّف إيران أيضًا عن الالتزام بمعاهدة حظر الانتشار النووي، التي تُلزِمُ، من بين أمورٍ أخرى، الدولَ المُوَقِّعة عليها بعدم السعي إلى امتلاكِ أسلحةٍ نووية وتُخضِعُها للتحقّق من الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقابل الحصول على التكنولوجيا النووية. على الرُغم من أنَّ بعضَ المحلّلين يُجادلون بأنَّ معاهدة حظر الانتشار النووي كانت أصلًا غير ذات صلة بإيران، نظرًا لمشاريعها النووية الواسعة على مرِّ السنين، إلّا أنَّ انتهاكات طهران للمعاهدة وفّرت المُبرّرَ القانوني اللازم لعقوبات مجلس الأمن الدولي عليها. تُوفّرُ معاهدة حظر الانتشار النووي أيضًا أساسًا لمُطالبة إيران بالشفافية بشأن برنامجها النووي، وإلزامها بالتخلّي عن الأسلحة النووية. لكن بإمكان طهران الانسحاب من المعاهدة، وقد تفعل ذلك الآن. إذا انسحبت، فبإمكانها تقديم حججٍ مُقنعة تُبرّرُ قرارها. بدون معاهدة حظر الانتشار النووي، سيكون العائق القانوني الوحيد أمام إيران لتطوير قنبلة نووية هو فتوى المرشد الأعلى علي خامنئي ضدها.

إنَّ المخاطرَ الناجمة عن ضربات إسرائيل وواشنطن ليست سياسية فحسب. فإذا أعادت إيران بناء برنامجها النووي، فمن المرجح أن تفعلَ ذلك في أماكن أكثر تحصينًا. ففي كل مرة اكتُشِفَت فيها جوانب من برنامجها النووي أو هوجمت في الماضي، اتخذت طهران خطوات لحمايتها. فقد نقلت ورش عمل مكوّنات أجهزة الطرد المركزي الخاصة بها إلى تحت الأرض في العام 2021 بعد أن تعرضت لهجوم بطائرات مُسَيّرة. (ذكرت صحيفة نيويورك تايمز ووسائل إعلام أخرى أن إسرائيل كانت وراء هذه الضربة؛ ولم تؤكد الحكومة الإسرائيلية أو تنفي مسؤوليتها). وبما أنَّ مخزونَ اليورانيوم المُخَصَّب في البلاد أصبح مُهَدَّدًا، فقد وضعته داخل أنفاق. تستطيعُ قنبلةُ الاختراق الهائلة التابعة لسلاح الجو الأميركي تدمير المخابئ المدفونة على عمقٍ كبير، لكنَّ إيران لا تزال تستفيد من إبقاء برنامجها تحت الأرض، خصوصًا وأنَّ واشنطن قد لا تملك سوى عددٍ قليل من هذه القنابل بعد الهجوم على فوردو. وتشيرُ التقارير مفتوحة المصدر إلى أنَّ طهران ربما تكون قد نقلت كمياتٍ من اليورانيوم عالي التخصيب خارج فوردو قبل أن تبدأ الولايات المتحدة قصفها. علاوةً على ذلك، إذا لم تُدمّر الضربات الأميركية والإسرائيلية جميع المواد والمعدات النووية الإيرانية تدميرًا كاملًا، فستُتاح لإيران الآن فرصة خلال عمليات الاستعادة لتحويل مسار بعض المعدات والمواد التي كانت تخضع سابقًا لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مُدَّعيةً أنها دُمِّرَت في الهجمات. وهذا من شأنه أن يُقلقَ أيَّ شخصٍ قلق بشأن احتمال إعادة بناء البرنامج النووي الإيراني.

وأخيرًا، ربما تكون الولايات المتحدة أضاعت فرصةً التعامل ديبلوماسيًا مع البرنامج النووي. قد تُقرّرُ طهران إجراءَ محادثات، بل وحتى الدخول في اتفاقٍ جديد مع واشنطن، لكنها على الأرجح لن تثقَ بها: فقد كانت الولايات المتحدة في خضمّ التفاوض على اتفاقٍ نووي جديد عندما بدأت إسرائيل، حليفتها، ضرباتها. في الواقع، لا يفهم المحللون حتى الشروط الكاملة لوقف إطلاق النار الذي توصّلت إليه إيران وإسرائيل، بما في ذلك نوع الأنشطة التي تُشكّل خرقًا. من الممكن، على سبيل المثال، أن تُشكّل عمليات الاستعادة الإيرانية -مثل إرسال جرافة لإعادة فتح فوردو- انتهاكًا. إذا كان الأمر كذلك، فقد تُهاجم الولايات المتحدة وإسرائيل فوردو مرة أخرى وتُعيدان إشعال الصراع. لقد أشار ترامب إلى أنه لن تكون هناك حاجة إلى مثل هذه الخطوة لأنَّ البرنامج الإيراني، على حد تعبيره، “تم تدميره بالكامل”. ولكن من المرجح أنه ليس كذلك.

استعدّوا للتأثير

وجّهت الهجمات الإسرائيلية-الأميركية ضربةً موجعة لطموحات إيران النووية، على الأقل في المدى القريب. لكن من الواضح أنها ليست نهاية المطاف. نتيجةً لذلك، يجب على صانعي السياسات الأميركيين الاستعداد لموقفٍ حيث تتمكّنُ إيران وتُبادر فيه إلى الاندفاع نحو امتلاك سلاح نووي.

أحد السيناريوهات المحتملة في المدى القريب هو أن تجمعَ إيران بقايا اليورانيوم لديها وتُخصّبه إلى مستوياتٍ صالحة للاستخدام في الأسلحة النووية في موقعٍ جديدٍ مُحصّن داخل أنفاقٍ في أصفهان أو نطنز. إذا امتلكت إيران المعدات التشغيلية اللازمة للقيام بذلك -وهي لا تحتاج إلى الكثير منها- يُمكنها إنتاج معدن اليورانيوم الصالح للاستخدام في الأسلحة النووية في وقتٍ قصيرٍ جدًا. يُمكنها تشكيل هذه المادة إلى المكوّنات اللازمة لجهازٍ نووي. يُمكن لإيران بعد ذلك تغليف هذه المادة بمتفجراتٍ شديدة الانفجار، مما يُعطيها قنبلةً بدائيةً لأغراض الاختبار على أقل تقدير.

مع وقف إطلاق النار، يُمكن لإيران القيام بكل هذا بهدوءٍ وبطء، خصوصًا إذا لم تدفع ثمنًا لإعادة الإعمار أو التعافي. قد تستغرقُ طهران وقتًا في بناء قنبلة نووية حتى تتقن العملية تمامًا. إذا بدا وقف إطلاق النار هشًا، فقد تختار التحرّك بسرعة أكبر. حتى لو قررت إيران عدم المضي قدمًا في امتلاك أسلحة نووية حاليًا، فمن شبه المؤكد أنها ستُعيدُ بناءَ برنامجها في أماكن أكثر حماية، بعيدًا من أعين الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

لمواجهة هذه المخاطر، ستعتمد إسرائيل والولايات المتحدة بشكلٍ أكبر على أجهزتهما الاستخباراتية لكشف أنشطة إيران وتتبعها. قد تكون وكالات التجسّس التابعة لهما على قدر المسؤولية؛ فقد أثبتت إسرائيل، على وجه الخصوص، أنها تغلغلت بعمقٍ في المشروع النووي الإيراني. ولكن بعد هذا الصراع، ومع تزايد الشعور بانعدام الأمن، ستكون أجهزة مكافحة التجسس الإيرانية في حالة تأهُّبٍ قصوى.

ربما كان العمل العسكري ضروريًا في نهاية المطاف للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني. لكنه دائمًا ما كان ينطوي على مخاطر وتعقيدات. وبعد استخدام القوة، يجب على الولايات المتحدة الآن الالتزام بضمان مواءمة المخاطر التي قبلتها مع الالتزام بحرمان إيران من السلاح النووي.

مع ذلك، قد يختار ترامب تجاهل أي تحذيرات بشأن سلاح إيراني. فقد أمضت إدارته الأيام القليلة الماضية في التشكيك في أيِّ تلميح إلى أنَّ البرنامج النووي الإيراني لم يتعرّض لدمار كامل، ولذلك قد لا يرغب في الاعتراف، علنًا أو سرًا، بأيِّ تحذيراتٍ تُشير إلى عكس ذلك. مهما كان الآتي، يدخل العالم مرحلةً بالغة الخطورة والغموض في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني.

Exit mobile version