لورا لحّود*
بَعدَ شهرَين من تَوَلّيّ منصبَ وزيرة السياحة في لبنان، أُدرِكُ تمامًا أنَّ الكلماتَ وحدها لا تُعيدُ الثقة.
لقد طغى الفشلُ المُزمِنُ في الحُكم، وعدمُ الاستقرارِ السياسي، ونَقصُ الاستثمار، والمخاوفُ الأمنية منذ فترةٍ طويلة على إمكانات لبنان الهائلة – الاقتصادية والثقافية والبشرية. وزادت الحربُ الأخيرة من عُمقِ هذه التحدّيات. ولا يوجدُ مكانٌ يتجلّى فيه هذا التناقُضُ بشكلٍ أكثر وضوحًا مما هو عليه في قطاعِ السياحة: بلدٌ يُحتَفى به باستمرار لجماله، لكنه في كثيرٍ من الأحيان عاجزٌ عن الترحيبِ بالزوار الذين يعرفونه على أفضل وجه.
اليوم، يدخلُ لبنان فصلًا جديدًا. لقد أحدث انتخابُ العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية، وتشكيلُ حكومةٍ إصلاحية برئاسة القاضي نوّاف سلام، نقلةً نوعيّةً طالَ انتظارُها. إنَّ الطريقَ أمامنا مليءٌ بالتحدّيات، وسيستغرقُ التقدُّمُ وقتًا. ولكن هناك الآن قيادة تُدرِكُ أنَّ السياحةَ هي انعكاسٌ لمدى نجاحنا في حلِّ المشكلات الهيكلية. لا يُمكِنُ للسياحة أن تزدهرَ بدون استقرارٍ، ومؤسّساتٍ فاعلة، وثقةٍ عامة. هذا هو الأساس الذي نلتزمُ بإعادةِ بنائه.
وهذا في الواقع يَتطلّبُ الاعترافَ بالأسبابِ التي أدّت إلى خروج لبنان من خريطة السفر – وخصوصًا بالنسبة إلى أصدقائنا القدامى من الخليج.
منذ العام 2011، أدّت قيودُ السفر المفروضة من دول مجلس التعاون الخليجي إلى انخفاضٍ كبيرٍ في السياحة الخليجية إلى لبنان. وكانت هذه القراراتُ نابعةً من مخاوف أمنية، ولكنها عكست أيضًا فقدانًا أوسع للثقة في قدرة بلادنا على توفير القدرة على التنبّؤ والاستقرار والسلامة. في غضون ذلك، انحرفَ بعضُ الخطابِ المحلّي إلى خطابٍ غير مُفيد، بل وضار، مما قوَّضَ الروابط العميقة بين مجتمعاتنا واقتصاداتنا. لقد عَزَلَت هذه المواقف لبنان، وألحقت ضررًا طويل الأمد بإحدى أهم شراكاتنا الإقليمية.
نحنُ الآن نُعالجُ هذه الأسباب والحقائق.
أوّلًا، نعملُ على تعزيز التنسيق عبر الحكومة لضمان أن تَعكسَ تجربةُ الزائر بأكملها جدّيةَ تعافينا الوطني. وقد تمَّ إحرازُ تَقَدُّمٍ كبيرٍ بالفعل في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت وما حوله، حيث تعملُ التحسينات في البُنية التحتية والتعاون بين الوكالات الرسمية على تحسينِ الوصول والخدمة والأمن.
ثانيًا، نعملُ على إعادة تصميم رحلة السياحة لتلبية التوقّعات العصرية. يشمل ذلك معاييرَ ضيافةٍ أعلى وأسعارًا ثابتة وشفافة. ولزوّارِ الخليج تحديدًا، نُشجّعُ العروضَ الطبية والصحّية والثقافية التي تعكسُ توقّعاتهم الحالية، وترتكز على الأصالة لا على الحنين إلى الماضي.
لكن استراتيجيتنا تتجاوزُ مجرّدَ التعافي؛ إنها تتعلّقُ بإعادة التواصل. وهذا يعني استعادة مكانة لبنان في قلوبِ وخططِ جيرانه الإقليميين، وكذلك في شتاته العالمي. لقد حمل ملايين المغتربين اللبنانيين وطنهم في قلوبهم، حتى عندما لم يتمكّنوا من تضمينه في خططِ سفرهم. بالنسبة إلى الكثيرين، كان الارتباط مزيجًا من الحلو والمُرّ: فخرٌ بتراثهم، تُخَيِّمُ عليه خيبةُ أملٍ في المؤسّسات التي من المُفتَرَضِ أن تَخدمَ هذا التراث.
لا تَنظُرُ وزارتنا إلى المغتربين اللبنانيين كسيّاحٍ فحسب، بل كشركاء. نحنُ نعملُ على مُبادراتٍ لمساعدتهم على إعادة اكتشاف بلدهم مع عائلاتهم: من المسارات الروحية والهروب البيئي، إلى مشاريع الحفاظ على التراث، وسُبُلٍ موثوقة للاستثمار المحلي. عندما يعود المغتربون اللبنانيون، فإنهم يجلبون أكثر من مجرّدِ دخل؛ إنهم يجلبون الإيمان. والإيمان هو حجر الزاوية في التعافي.
في سوق السفر العربية في دبي، سأعرضُ حالة لبنان، وأتجنّبُ الشعارات وأُشارِكُ أولويّاتٍ واضحة. إني أتطلّعُ إلى لقاءِ شركات الطيران ومجموعات الضيافة والمستثمرين الإقليميين. أتطلّعُ أيضًا إلى الوقوف إلى جانب روّاد الأعمال اللبنانيين، من منظّمي رحلات وفناني طهي وروّاد في قطاع الضيافة، الذين حافظوا بإبداعهم وشجاعتهم على جوهر قطاع السياحة خلال أصعب سنواتنا. إن عملهم يُثبتُ ما يُمكنُ تحقيقه عندما يلتقي الخيال بالمثابرة.
الآن، يجب أن يُقابَلَ صمودَهم عزمٌ حكوميٌّ مُضادٌّ. نحن لا نَعِدُ بالمُعجزات أو الأوهام. ما نُقدّمه هو مسارٌ مُدروسٌ ومُنسَّقٌ ومُلتزِمٌ في المدى الطويل. نموذجٌ سياحيٌّ شاملٌ، مُستشرفٌ للمستقبل، ومتماشٍ مع إعادة هيكلة لبنان الأوسع.
لبنان عاد. ونحن مُصمّمون على إثباتِ ذلك.
- لورا لحود هي وزيرة السياحة في لبنان.