مُنتَدى الانتظار العربي

عبد الرازق أحمد الشاعر*

في المُنتَدى الاستراتيجي العربي الذي انعَقَدَ في دبي، ولك أن تسألني أيها القارئ العزيز عن إعرابِ الجملة، لكن إياكَ أن تَطلُبَ منّي تفسيرَ معانى الكلمات، فأنا –مثلك– لا أستَخدِمُ مثل هذه العبارات الطنّانة إلّا إذا أردتُ التظاهُرَ بالمعرفة على مَن هم دوني، ولا تسألني لماذا دُبي، ولا عن علاقة دُبي بالعروبة كما فَعَلَها ذات يومٍ إعلامي مُتَهَوِّر في معرض تعليقه على إحدى المباريات، فقد طلّقتُ السياسة العربية ثلاثًا بعد أن اتَّضحَ لي أنني أَجهَلُ من دابة في ما يتعلّق بالمظلّات الدولية والحلولِ الاستباقية والتحدّيات الإقليمية، وهَلُمَّ جرًّا. نعود الآن لما دار في المنتدى العربي جدًا، والذي جَمَعَ المُفكّرين والمُحلِّلين والسياسيين حول مائدة القرار، ولا تسألني بالله عن معنى هذا المُصطلَح حتى لا تزيد الأمور تعقيدًا. في معرض حديثه الشائق هناك، تطرّقَ الأمير تركي الفيصل إلى موضوع تحرير الأقصى، ولأنَّ التحريرَ بالتحريرِ يُذكَر، فقد نَوَّهَ، حفظه الله، إلى ردِّ أخيه الأمير عبد الله الفيصل في العام 1967، حين طَرَحَ عليه أحد الصحافيين سؤالًا عن موعد تحرير الأقصى، فقال بدون تردّد: ” لما ييجي المسيح إن شاء الله!”. لكنَّ الرجلَ استطرد بأنه أكثر تفاؤلًا من أخيه.

ولا أعرف إن كانَت لظهورِ المسيح علاقةٌ بالاستراتيجيات العربية التي سيقوم صانعو القرار هناك بالبناء عليها، أم أنَّ الرجلَ أرادَ أن يقلبَ الطاولة بذكاءِ رجلِ المخابرات المُحَنَّك فوق رؤوس المؤتمرين. “لا حاجة للمناقشات والمداولات والغُرَف المُغلَقة أيها السادة، فسوف يتكفّلُ المسيح حين يأتي بالأمر” لعلّه أراد أن يقول هذا حرفيًا، عندها سينطق الحجر والشجر أنَّ يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي تعال فاقتله. حقيقة، لا أعرف إن كانت هذه هي الاستراتيجية العربية التي انتهجها العرب في كفاحهم المُقدَّس منذ العام ١٩٦٧؟ فقد أوضح سمو الأمير أنه أكثر تفاؤلًا، لكنه نسي على ما يبدو أن يُحدِّدَ مَوعِدَ التحرير بدقّة كما فعلَ الأمير الراحل. قد يتحرّر الأقصى قبل ذلك بسنواتٍ إذن.

لا أعرف لماذا نتعمّدُ الاستشهادَ بالمُقدَّسِ ونحنُ نتحدّث عن استراتيجيتنا المُستَقبلية في مواجهة العدو دائمًا. ربما يمنحنا هذا مُبَرِّرًا للتخفّي ودفن الرؤوس في المحيط. سننتصر أيها السادة شاء العدو أم أبى، اختطفَ مُرَبَّعًا من رقعة الشطرنج العربية المُستباحة أو مُرَبَّعَين، قتل مئة ألف أو مئتين. سنُلقي بهم في بحر العرب المُحاصَر قريبًا، فعلاماتُ الساعات الصُغرى انتهت، ونحنُ في انتظارِ العلامات الكبرى ليطردهم المسيح من بلادنا شرَّ طردة ويُريحُ منهم البلاد والعباد، وندخلُ المسجد الأقصى مُهَلِّلين مُكَبِّرين فَرِحين بنصر الله. انتهت الخطة الاستراتيجية الكبرى، وويلٌ لأعداء العرب من شرٍّ قد اقترب.

كانَ السؤالُ مُستَفِزًّا حين ألقاهُ صحافيٌ مُغامِر على قائد فيلقٍ مهزومٍ في العام ١٩٦٧، وكانت الإجابة صادمة، لكنها كانت تتناسب مع مرارة النكسة وقسوتها. أما الاستشهادُ بهذا الرد في وقتٍ لم يخض فيه المؤتمرون أيَّ حربٍ على أيِّ جبهةٍ ورُغمَ انكشافِ سوءة العدو وقواته أمامَ فيلقٍ مُحاصَرٍ برًّا وبحرًا وجوًّا، فهو إحباطٌ لملايين العرب من المحيط إلى الخليج بدون داعٍ، وتبرُّعٌ برفعِ رايةٍ بيضاء بدون هزيمة. لم يُعلِن المُحاصَرون يأسهم أيها المتحلّقون حول طاولة اليأس الاستراتيجي، ولم ينكسوا رؤوسهم رُغمَ تكالُبِ قوى الاستعمار عليهم من كلِّ حدب، فلماذا تستعجلون إعلان الوفاة الاستراتيجية للأمل؟

لو كان علينا أن ننتظرَ قُدومَ عيسى حتى نثأر لضحايانا وسبايانا وأسرانا، فلِنُعِدّ للأمرِ عدّته أيها المؤتمرون، أم ترانا سنقول للمسيح حين يأتي ما قاله بنو إسرائيل لموسى ذات خذلان: “اذهب أنتَ وربّك فقاتِلا، إنّا ها هنا قاعدون”؟ أم نكونُ كالذين في قلوبهم مرض، فنقول: “نخشى أن تُصيبَنا دائرة”، ونقعدُ مع القاعدين؟ أم نكون كمَن كانوا مع الحسين بقلوبهم ومع بني أميَّة بسيوفهم؟ وما هي خطط الانتظار الاستراتيجية يا ترى؟

Exit mobile version