الجزائر ليست حلًّا سريعًا لمخاوف الغاز الروسي في أوروبا

أثار الغزو الروسي لأوكرانيا تساؤلات حول مستقبل تدفّقات الغاز الروسي إلى أوروبا – ومعها شاعت التكهّنات حول ما إذا كان بإمكان الجزائر زيادة إمداداتها للتخفيف من أيِّ اضطراباتٍ مُحتَمَلة.

خطوط الأنابيب بين الجزائر وأوروبا: يمكن أن تزيد كميات التصدير ولكن …

إنتصار فقير*

في أعقابِ الحركةِ الإحتجاجية لعام 2019 التي أطاحت الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة وبشّرت بمرحلةٍ انتقالية -وإن كانت محدودة النطاق والتأثير- فإن الجزائر حريصةٌ على إظهار استقرارها وتوسيع نفوذها الدولي، لا سيما في ما يتعلق بالأمن والطاقة. بالنسبة إلى الأخيرة، في حين أن أوروبا قد تكون مستعدة لمزيد من الغاز الجزائري مع سعيها إلى تنويع مُوَرِّديها، فإن الطاقة الإنتاجية الحالية للجزائر تحدّ من قدرتها على زيادة حجم صادراتها الهيدروكربونية إلى أوروبا بشكلٍ كبير. اعتبارًا من الآن، ستتطلّب أيّ زيادات ذات مغزى في الإنتاج الجزائري سنوات من الاستكشاف والتطوير، والأهم من ذلك، المزيد من الإصلاحات في صناعة الطاقة لجذب استثمارات جديدة.

أثار الغزو الروسي لأوكرانيا تساؤلاتٍ حول مستقبل تدفّقات الغاز الروسي إلى أوروبا – ومعها شاعت التكهّنات حول ما إذا كان بإمكان الجزائر زيادة إمداداتها للتخفيف من أيِّ اضطراباتٍ مُحتَمَلة. توجد حاليًا ثلاثة خطوط أنابيب تربط الجزائر بأوروبا، إثنان منها نشطان ويعملان. الأوّل هو خط أنابيب “ترانس ميد” (TransMed) تحت البحر إلى إيطاليا. ينقل هذا الخط حاليًا 22 مليار متر مكعب سنويًا، ولكن قدرته الاستيعابية تصل إلى 32 مليار متر مكعب. والثاني هو خط أنابيب “ميد غاز” (MedGaz) تحت البحر الذي يربط الجزائر بإسبانيا. تبلغ الطاقة الحالية لهذا الخط 8 مليارات متر مكعب في أعقاب الزيادات الأخيرة تماشيًا مع أولوية سوناطراك – شركة الغاز والنفط الوطنية الجزائرية – المُتمثّلة في تعزيز قدرة خطوط الأنابيب إلى أوروبا. من المتوقَّع أن تزيد قدرة “ميد غاز” إلى 10 مليارات متر مكعب، وهي حقيقة تم تسليط الضوء عليها خلال المناقشات مع إسبانيا في الفترة التي سبقت إغلاق خط أنابيب الغاز بين المغرب العربي وأوروبا بعد فشل المغرب والجزائر في تجديد عقد الترانزيت بسبب التوتّرات الديبلوماسية المستمرة. الزيادة التي كانت مُخَطَّطة مبدئيًا لشهر شباط (فبراير) 2022 لم تحدث بعد. ومع ذلك، فإن خَطَّي أنابيب “ترانس ميد” و”ميد غاز” معًا يتمتّعان بقدرة إجمالية على نقل 42 مليار متر مكعب إلى أوروبا.

الجزائر هي ثالث أكبر مورّد للغاز لأوروبا. حوالي 83٪ من صادراتها من الغاز تتجه إلى أوروبا، مع إسبانيا وإيطاليا كوجهتَين رئيسيتين. لقد حصل هذان البلدان معًا على 65٪ من صادرات الجزائر من الغاز في العام 2021. كانت الدولة الواقعة في شمال إفريقيا تزيد صادراتها إلى أوروبا تدريجًا على مدار العقد الماضي، لتصل إلى 55 مليار متر مكعب في العام 2021. وقد ساعد ارتفاع الصادرات وارتفاع الأسعار الجزائر على تحمّل المصاعب الاقتصادية وتحدّي توقّعات قاسية حول اقتصادها واستقرارها الداخلي. في العام 2021، بلغ إجمالي صادرات الجزائر من الغاز -معظمها عبر خطوط الأنابيب مع كميات أصغر من الغاز الطبيعي المُسال- إلى أوروبا 55.2 مليار متر مكعب، إرتفاعًا من 38.2 مليار متر مكعب في العام 2020 و43 مليار متر مكعب في العام السابق. لكن التحدّي الرئيس الذي يواجه الجزائر بالنسبة إلى زيادة الصادرات هو الطاقة الإنتاجية. لقد أشار توفيق حكّار، الرئيس التنفيذي لسوناطراك، في مقابلة أُجرِيَت معه أخيرًا، إلى أن إنتاج الجزائر سيُركّز على تنامي احتياجات الغاز المحلي والتزامات التصدير الحالية. من العام 2013 إلى العام 2018، وفقًا ل”أوكسفورد إينرجي” (Oxford Energy)، زاد الاستهلاك المحلي بنحو 10٪، ومن المتوقع أن ينمو بنسبة 50٪ إضافية بحلول العام 2028.

في حين أن الحكومة قد تكون قادرة على تعويض بعض الاحتياجات المحلّية باستخدام الطاقة المُتجَدّدة لتحرير الغاز للتصدير، فإن الجزائر لم تستثمر بعد في الطاقة المُتجدّدة بأيِّ طريقةٍ مُجدية. تواجه الجهود المبذولة للتنويع بعيدًا من صناعة النفط والغاز في الجزائر تحدِّيَين رئيسيين. الأول هو أن قطاع النفط والغاز في الجزائر لا يزال مُربحًا بدرجة كافية بحيث لا تستطيع الصناعات الأخرى المنافسة ببساطة. والثاني هو أن إمكانات الاستثمار في الجزائر قد تضاءلت مع انخفاض رأس المال المُتاح للبلاد بسبب الإنفاق المحلي المُرتفع -إلى حدٍّ كبير على البرامج الاجتماعية- واستمرار انخفاض أسعار النفط في فترة معظم العقد الماضي، على الرغم من الارتفاع الأخير. في الوقت نفسه، كانت سوناطراك، التي تُديرُ نصيب الأسد من إنتاج الغاز والنفط في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، تُكافِحُ مع استثماراتٍ محدودة وشابَتها مزاعم فساد لسنوات. في حين سعت الحكومة إلى معالجة بعض قيود السوق من خلال قانون الهيدروكربون الأخير الذي تمَّ تبنّيه في العام 2020 وحزمة استثمارية جديدة بقيمة 40 مليار دولار لمدة أربع سنوات تُركّز على استكشاف وإنتاج النفط والغاز، لا يزال من غير الواضح ما إذا كان المستثمرون الأجانب يعتبرون السوق جذابة بما فيه الكفاية حتى الآن.

وأشار حكّار أيضًا في المقابلة نفسها إلى أنّ أيَّ فائض في الإنتاج سيتم طرحه في السوق الفورية، مُشيرًا إلى أن كميات الغاز المَعنية قد تكون محدودة. تتطلّب الزيادات الإضافية في إمدادات الغاز من الجزائر -على الأقل أيّ كمية كبيرة- تعزيز إنتاج الحقول المُنتِجة، التي يمكن أن تنتج بسعة قصوى أو قريبة من الزيادات المُسَجَّلة في السنوات الأخيرة. بخلاف ذلك، تبحث الجزائر عن سنواتٍ من الاستثمار في الاستكشاف والإنتاج الجديد. وفي ما يتعلق بإمكانات الغاز غير التقليدي أو الصخري، يُشيرُ بعض التقديرات إلى أن احتياطات الغاز الصخري في الجزائر تبلغ حوالي 20,000 مليار متر مكعب -وهو احتمال جيد في المدى الطويل، ولكنه ليس شيئًا يمكن استغلاله في الوقت المناسب للتأثير في هيكل إمدادات الغاز الحالي في أوروبا. ومع ذلك، فإن تطوير هذه الاحتياطات سيتطلّب إصلاحًا جوهريًا لإطار الاستثمار في الصناعة ورؤية سياسية واقتصادية وصناعية أوسع ليست موجودة بعد.

في غضون ذلك، وإلى جانب احتياطاتها الخاصة، تُعيدُ الجزائر إحياء خطط خط أنابيب عبر الصحراء من شأنه أن يُسهّل نقل الغاز الأفريقي إلى أوروبا. لدى الجزائر والمغرب خطوط أنابيب مُقتَرَحة مُتبادَلة لربط الغاز النيجيري بأوروبا. قد تكون هذه فرصة مهمة للجزائر للعب دور رائد في المساعدة على ربط إفريقيا بأوروبا وخارجها. لكن هذه المشاريع تواجه تحديات كبيرة نظرًا إلى المسافات التي ينطوي عليها المشروع، وصعوبة التوصل إلى اتفاقات فردية مع بلدان العبور، وانعدام الأمن في هذه المساحات الشاسعة من الأراضي، وحجم الاستثمار الهائل المطلوب. ومع ذلك، يواصل كلٌّ من المغرب والجزائر جهودهما لدفع هذه الخطط إلى الأمام. على الرغم من التحديات الحقيقية، يرى البلدان فرصةً، لم تكن بادية حتى الآن، لمساراتٍ قابلة للتطبيق لنقل الغاز الأفريقي إلى أوروبا.

Exit mobile version