بين الباب والوادي

راشد فايد*

كادت خلدة أن تكون “بوسطة عين الرمّانة” الجديدة، وهي مثلها من إفرازات تلاشي الدولة، وليست من أسبابه، وحالها كحال تهريب الكابتاغون من مطار بيروت، وتهريب الوقود والأدوية والمواد الغذائية، المدعومة جميعاً من مال اللبنانيين، إلى سوريا وغيرها، فهذه جميعاً من وجوه تسيّد الفوضى والتفكّك على المشهد اللبناني، بعدما أدّى السلاح غير الخاضع للشرعية، بل والمتمرّد عليها، إلى إبطال قدرتها، وتقويض هيبتها وسلطتها. وليس أدلّ على ذلك من أن التحقيق القضائي، بعد سنة من مجزرة مرفأ بيروت، لمّا يزل يراوح مكانه، بعدما حوّلت الطبقة السياسية دماء الضحايا إلى مادة تراشق سياسي، وابتدعت شبحاً تُواري خلفه إرتكاباتها سمّته “المنظومة السياسية”، وهي تسمية مُبهَمة تشمل الجميع، ولا تضمّ أحداً في آن، فلا أحد يريد الإعتراف بأنه منها، بل هو يأتي على سيرتها ليُبيّن تضاده مع السياسيين الآخرين “الفاسدين”، علماً أن من الصعب تبرئة سياسي لبناني من تهمة الفساد، كما من الصعب قياس درجة انغماسه فيه.

كان يُمكن تلافي واقعة خلدة لو أن الدولة لم تتهيَّب، على عادتها، “تخطي” الحزب الوصي على بيئته، وتُلقي قواها الأمنية القبض على علي شبلي المُتَّهم بقتل الشاب حسن زاهر غصن، يوم 27 آب (أغسطس) 2020 قبل عام، وهو الذي  قُتِل، ثأراً ليل السبت الفائت بيد شقيق حسن، ما أشعل اشتباكاً تدخّل الجيش لوقفه أودى بـ5 قتلى.

ربما ما أبعد “الدولة” عن توقيف علي شبلي طيلة سنة أنه شارك في قتال اسرائيل في حرب تمّوز 2006، ويقول حزبه أنه أبلى بلاء حسناً، حتى تكرّس نموذجاً للمقاوم. إذاً، يوضّح الأمر مدى “حصانة” الشاب، لكن ما لم يتّضح بعد للبنانيين، ما مصدر الحصانة المُبهَمة لانفجار المرفأ التي أتاحت لسنة كاملة أن تتسرّب تحت نظر اللبنانيين من دون أن ينطلقَ التحقيق جدّياً، لكأن الضحايا من شهداء ومُعاقين ومشردّين من بيوتهم ومؤسساتهم ومتاجرهم “أضرار جانبية” لا قيمة لها، ولا أهل.

وعلى ضخامة الإنفجار، ومُفاخرة الإعلام بأنه ثالث انفجار قوة، عبر التاريخ، يعجب المتابع للصمت المطبق على ضفتي الحدود بين لبنان واسرائيل، فأمين عام “حزب الله”، السيد حسن نصرالله، تحدّث فور الحدث عن الإشتباه بدورٍ لإسرائيل فيه، بينما اتّهمت تل أبيب الحزب بتخزين المادة التفجيرية في المرفأ لغاياتٍ تخدمه وتخدم النظام في سوريا في محاربة خصمهما المشترك أي المعارضة السورية. ثم ران صمتٌ عميق على الفرضيتين، وحتى أبواقهما الإعلامية سكتت عن الأمر كأن على رؤوس أصحابها الطير.

وفق تحليلٍ سياسي، صُدِمَ الطرفان بحجم النتائج، وتلاقيا موضوعياً على تجريد الإنفجار من دورٍ لكلٍّ منهما، وإلّا سيُدين الرأي العام الدولي الحزب على تخزينه الأمونيوم في المرفأ المدني، وسيُدين اسرائيل باستهداف مدنيين عمداً.

بين ذكرى الإنفجار وواقعة خلدة والإنهيار الكلي لا يفتقد الرئيس ميشال عون الوقت لتنفيذ “أجاندته”في الإنقلاب على الطائف، ولو بصبيانية، وتجريد رئيس الوزراء من صلاحياته والإساءة إلى مقامه، مُتوَهِّماً أنه سيدخل التاريخ من بوابة إستعادة الصلاحيات، مُتناسياً أن للتاريخ بوّابات كثيرة وليست جميعها كبيرة، غير منتبهٍ إلى أن البلد في وادٍ وفخامته في وادٍ آخر.

Exit mobile version