نابوليون بونابرت الحقيقة والأسطورة

معركة واترلو: المعركة التي أنهت أحلامه نهائياً

السفير يوسف صدقة*

إحتفلت فرنسا في 5 أيار (مايو) 2021، بالمئوية الثانية، لوفاة الإمبراطور نابوليون بونابرت. وقد ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خطاباً في معهد فرنسا، حيث ذكّر بالأيام المجيدة والأيام الأليمة لحقبة نابوليون، ووضع زهرة على قبر نابوليون في قصر “Les Invalides”.

لم يقم أي رئيس فرنسي بهذه المبادرة، إلّا الرئيس الفرنسي الراحل جورج بومبيدو حيث قام بزيارة أجاكسيو في كورسيكا لإحياء ذكرى ولادة نابوليون في العام 1969.

في هذه الأثناء، أعلن المؤرخ الفرنسي  جان تولار (JeanTulard) أنّ لنابوليون أسطورة ذهبية وأُخرى قائمة.

لمع نجم بونابرت، خلال الجمهورية التي أسّستها الثورة الفرنسية، وذلك بقيادته لحملتين عسكريتين، ضد  ائتلاف الدول المُنتفضة على السلطة الجديدة في فرنسا.

وقد احتلّ إيطاليا في العام 1798، وقاد حملة عسكرية على مصر، في سبيل قطع طريق بريطانيا إلى الهند. وتابع حملته التي وصلت إلى عكّا، وقد تراجع أمام الأسطول الإنكليزي بعدما فتكَ الطاعون بجيشه. وفي العام 1799، عزل حكومة الإدارة، وأنشأ بدلاً منها حكومة مؤلفة من 3 قناصل، حيث تقلّد منصب القنصل الأول.

وفي العام 1804، أعلن نفسه إمبراطوراً مُتمثِّلاً بالإمبراطور الروماني يوليوس قيصر.

حروب بونابرت

خاضت الإمبراطورية الفرنسية حروباً عدة بقيادة بونابرت، عُرفت بالحروب النابوليونية، حيث انخرطت فيها جميع البلدان العظمى الأوروبية آنذاك، وأحرزت خلالها فرنسا انتصارات باهرة، الأمر الذي أدّى إلى توسّع التدخل الفرنسي في جميع المسائل الأوروبية. وتأتي هذه الحروب تتمة للحروب التي خاضتها الثورة الفرنسية. وبعد تتويجه إمبراطوراً، واصل الحروب التي بدأتها الثورة الفرنسية. بدأ نابوليون بالتوسع في أوروبا، متحدّياً الحلف الأوروبي، المكوّن من بريطانيا والإمبراطورية النمساوية الهنغارية – بروسيا – روسيا – السويد. وقد أدت هذه المواجهات إلى حروب ضارية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

أدّت هزيمة نابوليون في روسيا، إلى تجمّع الدول الأوروبية في حلف جديد، عُرف بالتحالف الأوروبي الخامس، وهو مكوّن من بريطانيا، روسيا، بروسيا و النمسا. وقد أُجبر على التنازل عن العرش في 6/4/1814 بناءً على اتفاقي “فونتانبلو” (Fontainebleau) ونُفي إلى جزيرة ألبا في المتوسط.

وفي 26/2/1815، فرّ من جزيرة ألبا واستجمع رجاله وعاد إلى باريس. وقد تجمّع أعداء نابوليون في بلجيكا، من الإنكليز والبروسيين والروس.

وفي 15/6/1815، هاجم نابوليون الجيش الإنكليزي والبروسي، وقد هزم الجيش البروسي في المرحلة الأولى. إلّا أنّ الجيش الفرنسي لقي هزيمة في قرية واترلو (Waterloo) على يد القائد البريطاني دوق ويلنغتون، جرّاء كثرة الجيوش المُعادية، وضعف القادة العسكريين حول نابوليون.

وفي 22 حزيران (يونيو) 1815، تنازل نابوليون مجدداً عن العرش ونُفي إلى جزيرة “سانت هيلينا” في المحيط الأطلسي، وقد توفّي في العام 1821 عن عمر 51 عاماً.

قراءة تاريخية نقدية لبونابرت

يُعتبر نابوليون بونابرت، من أهم القادة العسكريين في التاريخ، من الإسكندر المقدوني إلى يوليوس قيصر إلى ريتشارد قلب الأسد. وما زال بعض المعاهد العسكرية في العالم تُدرّس المعارك التي خاضها في أوروبا. ويعتبر كبار المؤرخين بأنّ الخطيئة الكبرى التي قام بها على الصعيد العسكري، هي الحملة العسكرية على روسيا، والتي خاضها لأسباب غير حيوية لفرنسا.

وقد طرح المؤرخون التساؤل كيف يمكن لقائد عسكري متنوّر، أن يُقدم على نقل مئات الآلاف من الجنود والخيول والمعدات العسكرية مسافة 3,000 كلم، وكيف أنه لم يتوقّع البرد القارس الموسكوبي في الشتاء، حيث تبلغ الحرارة بين 20 و30 تحت الصفر.

لقد خدمتُ كديبلوماسي في السفارة اللبنانية في روسيا في العامَين 1993 و1994 وزرت الموقع حيث دارت المعارك بين جيش نابوليون والجيش الروسي في الشتاء البارد. وقد عدت بالتاريخ إلى حملة روسيا، وتساءلت كيف يمكن لإنسان أن يقف ساعتين فقط في البرد القارس في تلك المنطقة.

في تلك اللحظات، اعتبرت أنّ جنون العظمة هو الذي قاد نابوليون لهذه المغامرة، وليس عبقريته العسكرية، واعتبرت ذلك خطيئة، كمراقب عادي لم يدخل كليّة عسكرية.

وقد تساءلت في ذلك الوقت عمّا إذا انطلقت مئة دبابة فرنسية حديثة، وتقدمت من دون أي مقاومة في الشتاء الروسي، فكم دبابة قد تصل سليمة إلى ضواحي موسكو؟

في المحصلة النهائية، تُعتبر حملة موسكو نصراً، بطعم الهزيمة، حيث تكبّد الجيش الفرنسي خسائر فادحة.

وقد أدّت الحروب النابوليونية إلى خسارة أكثر من 900,000 جندي فرنسي و400,000 جندي من الأجانب الذين التحقوا بجيش نابوليون.

على صعيدٍ آخر، قام نابوليون على إثر اجتياحه لإيطاليا في العام 1798 بسلب اللوحات والتماثيل ونقلها إلى فرنسا، ممّا سبّب نقمة كبيرة لدى الإيطاليين.

وقد حجز أثناء الاجتياح أملاك جميع المؤسسات الدينية وأموالها، ومن بينها المدرسة المارونية في روما، فأمر ببيع بنائها وبعض ممتلكاتها بالمزاد العلني سنة 1812، من أجل تغطية الغرامة الحربية التي فرضها على الدولة البابوية، وعجزت هذه عن دفعها. وكان من المفارقات الصعبة بالنسبة إلى الموارنة أن يتلقّوا هذه النكسة الأليمة من فرنسا بالذات، والتي كانت لهم حتى ذلك التاريخ المقصد الأكيد والمدافع العنيد، منذ الملك لويس التاسع في العام 1250.

إصلاحات نابوليون

قام بونابرت بإصلاحات واسعة، في الأنظمة والقوانين رُغم انشغاله بالمعارك العسكرية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

في المحصلة النهائية، هناك انقسام في فرنسا والعالم حول أسطورة نابوليون، فمنهم من يعتبره إمبراطوراً أعاد المجد والعظمة إلى فرنسا، ومنهم من يعتبره إنساناً متسلطاً دخل في مغامرات عسكرية وأعطى أسرته الألقاب والمناصب.

يبقى أنّ التاريخ وحده هو الذي يقيّم تاريخ نابوليون السياسي والعسكري.

Exit mobile version