لبنان: من الدعمِ إلى “اقتصاد التسوّل” هَرَباً من الإصلاحات(*)

بقلم الدكتور غسان الشلوق*

يضيعُ ملف ما يُسمّى “ترشيد الدعم” في لبنان في قدرٍ كبيرٍ من اللّا منطق واللّا دقّة مع شيءٍ من التسرّع وأشياء من سوء التصرّف.

وثمة ثلاثة محاور لهذه الصورة:

وهذا التحديد يتنافى مع مفهوم الدعم بما هو، نظرياً، أن تتدخل الدولة لخفض (أو لرفع) أسعار بعض السلع الأساسية أو لتقديم مُساعداتٍ مُعيَّنة لفئاتٍ من المواطنين أحياناً لأهدافٍ إجتماعية أو إقتصادية عامة كمحاربة البطالة مثلاً. وبحسب هذا المفهوم أفليسَ رفع أسعار بعض السلع الزراعية دعماً؟ أفليست الإيجارات الزبائنية العالية الكلفة لمجموعات وشركات دعماً؟ أفليست النفقات الوهمية في الإدارات والمجالس (وخصوصاً المجالس) دعماً؟ أفليس بعض المساعدات لطوائف مثلاً دعماً؟ أفليس زجّ ألوف العاطلين من العمل على أنهم عاملون نظرياً (وهم قلّما يعملون فعلياً) في أي إدارة أو مؤسسة أو جهازٍ دعماً؟

وبالتالي فان المقاربة السليمة لهذا الملف لا يصح إلّا أن تكون شاملة، وكل مقاربة جزئية تبقى ناقصة وغير فعالة.

ويطرح هذا البرنامج مجموعة كبيرة من الأسئلة، ويلقى الكثير من الإنتقادات العلمية والمستقلة: مَن يُدير التنفيذ ويُراقبه؟ هل هذه الإدارة الهزيلة التي تعثّرت وما تزال أمام مشكلة مُحدَّدة هي كارثة المرفأ وبأعدادِ مُتضرّرين في حدود 6% من المُستهدفين اليوم؟ وما هي الأكلاف المُقدَّرة للإدارة والمُراقبة؟ ومَن يُحدّد الأُسَر وهل يُعتَمد الأسلوب الزبائني نفسه؟ وكيف الوصول الى الأكثر فقراً بخطة تفترض التعامل مع الأدوات الإلكترونية والمصرفية في مناطق لم تتعرّف إليها بَعد؟ وكيف نواجه إنقسامات وطنية إضافية بسبب الممارسات  القائمة؟ ولماذا ندفع في اتجاهِ تحويل الإقتصاد اللبناني الى “اقتصاد إعاشات وتسوّل” هرباً من الإصلاحات الواجبة؟ ولماذا يستمر التعامل مع السلع المدعومة بالمنطق الزبائني او المصلحي أحياناً والمرفوض إقتصادياً ووطنياً، كما هي حال المازوت والكهرباء وبعض الأدوية والمواد الغذائية؟

والاسئلة الأهم: مَن يُموّل هذا البرنامج؟ هل مصرف لبنان عبر أموالِ المُودِعين، علماً أن هذا المصرف يتحفّظ عن أي مُساهمة إضافية؟ هل الخزينة العاجزة أصلاً؟ هل المانحين الدوليين الذين يشترطون إصلاحات واسعة لدرس المساعدات؟ وأخيراً – بل اوّلاً- لماذا نذهب إلى كلّ هذه التعقيدات ونستبدل سياسة دعمٍ خاطئة بسياسة خاطئة أخرى لا تُوفر واقعياً أكثر من 15-20 في المئة من الأكلاف الحالية حسب التقديرات القائمة اليوم؟ وهل نصل إلى واقعٍ كارثي يُصبح معه اللجوء إلى بيع أو رهن الأملاك العامة أو الذهب أمراً محتوماً كما يشتهي بعض اصحاب المصالح وممثلي الفساد والهدر وأعداء لبنان في الدرجة الاولى، وهذا التصور مرفوض ويكاد يشبه الجريمة الوطنية؟

أ. صدمة نفسية على شكل تأليف حكومة توحي الثقة للبنانيين وللخارج أوّلاً، ويُمكن أن تنعكس تحسناً في المؤشّرات المعيشية تتجاوز بوضوح التحسّن الموعود عبر المساعدات المالية.

ب. خفضٌ جذري وتدريجي ومُستمر لكلّ جوانب الدعم الإستهلاكي بما فيها المازوت والفيول وأصناف المواد الغذائية والأدوية “المحمية” بعد اختصار الأصناف بشكلٍ كبير.

ج. وقف كل أنواع الدعم غير الإستهلاكي حالاً بما فيها التوظيف “للاوظائف” والمساعدات المختلفة والهدر، ومن شأن كل ذلك توفير تمويل يزيد حتماً عن المبالغ التي نطمح لتوفيرها اليوم.

د. عدم التسليم ب”اقتصاد التسوّل والإعاشات” المطروح بدعم قطاعات الإنتاج لا سيما الصناعية والزراعية. ويُفترَض أن يخضع هذا الدعم الإنتاجي لشروطٍ صارمة تتناول الأسعار والنوعية وحقوق العمال وسواها.

هـ. الإنطلاق فوراً في اتجاه إصلاحاتٍ جذرية في السياسات الإقتصادية العامة والإجتماعية والمالية (خصوصاً منها الموازنة والضرائب) تُوفّر شروط إعادة النمو والتنمية وتنطلق إلى معالجة المشاكل الأساسية في الهجرة والسكن والنقل والطبابة والشروع في بناء عقدٍ إجتماعي جديد يُصحّح الأجور، ويحمي ديمومة الوظائف، ويحدّ من مشاكل الإستقرار العائلي.

وهذا مسارٌ ممكنٌ وواجبٌ لإصلاحٍ بعيدٍ من الأوهام.

حاشية

(*) جزء من مقاربة مختلفة في اطار النقاش حول “ترشيد”الدعم.

Exit mobile version