بقلم عبد اللطيف الفراتي*
يتوجّه وزير المالية والإقتصاد التونسي،علي الكعلي، إلى واشنطن في أوائل نيسان (إبريل) المقبل، في الغالب مصحوباً بمحافظ البنك المركزي، مروان العباسي، للتفاوض مع صندوق النقد الدولي حول اتفاقٍ جديد (الثالث من نوعه منذ 2012) ليس فقط من أجل قروضٍ، بل وبالأساس لتمكين تونس من الحصول جواز المرور إلى المؤسسات المالية الدولية المُقرِضة. ومن المتوقع أن تكون هذه المفاوضات الأصعب في تاريخ تونس مع المؤسسة المالية المفصلية، باعتبار الوضع الحالي للبلاد، الذي لا يستطيع الدفاع عنه إلّا مَن كان مُتهوّراً لا يُقدّر صعوبة المعركة التي سيخوضها. ذلك أن تونس تُعتَبر التلميذ الفاشل والخائب في كل الامتحانات التي خاضتها خلال السنوات الأخيرة مع المؤسسات المالية الدولية. فمنذ 2012، وبخاصة منذ 2017، لم تحترم الحكومات التونسية المتعاقبة تعهداتها، بل ضربت بها عرض الحائط، وكان ميزان الحرارة (التيرمومتر) يشير في كل مرة إلى مؤشرٍ خطير لنقل في مستوى 41 درجة، غير أنه شارف هذه المرة الـ42، أي إن الإقتصاد التونسي هو اليوم بين الحياة والموت، وهو في وضعٍ سيىء جداً لم يعرف مثله منذ الاستقلال، ولا حتى سنة 1969 بعد أزمة تجربة التعاضد وأحمد بن صالح، ولا بعد 1986 وأزمة محمد مزالي.
والدليل على ذلك مؤشّر وكالة التصنيف العالمية “موديز” المنهار، الذي أعطى صورة عن الاقتصاد التونسي، وهو على شفى هاوية سحيقة، لا يلزمه سوى خطوة ليسقط فيها.
من هنا فإن الوزير الكعلي والمحافظ العباسي، لن يذهبا إلى واشنطن إلّا وفي جعبتهما، بوادر ملامح مشروع مقبول، والذي هو في الأساس يتوقف على الوضع السياسي في البلاد. لذا، إذا استمر هذا الوضع سيئاً كما هو الآن، فإن ذهابهما لن تكون منه فائدة ولا نتيجة. فالوضع الاقتصادي التونسي هو في ثلاثة أرباعه، رهين بوضعٍ سياسي يتميّز بعنق زجاجة خانق، وهذا ما قالته “موديز” بصراحة وبلا مواربة.
نحن اليوم في مواجهة فعلية بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي. وإذ يستند رئيس الجهورية إلى شرعيته الانتخابية بقرابة 3ملايين صوت، فقد حاول رئيس البرلمان إخراج الشارع للبرهنة على شعبيته الكبرى، حيث ادّعت الأوساط القريبة منه أن متظاهري السبت الماضي بلغ عددهم 100 ألف، بينما تقول مصادر لها معرفة بحساب الجماهير وتجمعاتها، أنهم كانوا بين 8 و10 آلاف، وفي أحسن الأحوال 15 إلى 20 ألفاً، بتنظيم نقلهــــم وإعاشتهم بكلفة باهظة، عدا ما لا يمكن الحديث عنه من أشياء أخرى.
أما المسكين رئيس الحكومة، هشام مشيشي، فإنه كما اللعبة بين الرجلين. فقد وضعه في المدار رئيس الجمهورية لكنه ارتمى في أحضان الغنوشي ولم يستطع الفكاك منه. فهو اليوم ليس حراً، ووصل إلى نقطة اللارجعة.
قيس سعيد رجل يقول معارفه إنه عنيد، ويمكن أن يصل إلى “عليّ وعلى أعدائي يا رب”. والغنوشي ظهره إلى الحائط، لا يستطيع الفكاك من الفخ، إلّا إذا حرّر أيدي مشيشي، وطلب منه الاستقالة، وهو، أي الغنوشي، لا يمكن أن يخضع رئيس الحكومة إلى حالة سحب الثقة، وهو الذي قاده إلى هذه المواجهة غير المتكافئة مع صاحب الفضل عليه قيس سعيد.
واليوم يجد الغنوشي نفسه في وضعٍ لا يُحسَد عليه، فالبحر من ورائه والعدوُّ أمامه، وقد أحرق فلكه، وهو مجرد من السلاح ويعرف أنه في حالة دفع المشيشي إلى الاستقالة، فإنه سيكون في مواجهة مع مَن يُعينه قيس سعيد لرئاسة الحكومة، وإما أن يقبل به، هو والحزام الذي رتب صفوفه، أو يحجب عنه الثقة، ما يُطلق يدي رئيس الجمهورية لحلّ البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة يتمنّاها بكل جوارحه، في وقت يعرف راشد الغنوشي، استناداً لكلّ عمليات سبر الآراء، أنه وحزبه لن يكونا مُتصدّرين لنتيجة الانتخابات السابقة لأوانها، وبالتالي يفقد ما امتاز به في انتخابات 2019، ويجد نفسه لا هو في العير ولا في النفير، وخاسر في مثل هذه الأحوال وطنياً وداخل حزبه، وبدون ساق في السلطة. وهذا يعني ببــــساطة، ازدياد الثورة النهضوية ضده، فيقفد لا فقط رئاستها بل حتى زعامتها إن لم تنفجر من الداخل، فهو يعرف أن محاولة إسقاطه من كرسيه في رئاسة البرلمان، لا حظوظ لها، ولكن يدرك أن اللعبة أكبر من ذلك.
ولذلك فإن شهراً واحداً يفصلنا عن نيسان (إبريل)، والكعلي، إن لم يكن هناك حلٌّ سياسي، ليس مستعداً في تقديرنا للإنتحار، وكدلك وفق تقدير المطلعين. وسيترك المركب يغرق بمَن فيه، فهو وافد من القطاع الخاص، إما أن يكفوا عن الصبيانيات أو يتركهم ويترك البلاد لحالها المظلم أو الأكثر ظلاماً.
- عبد اللطبف الفراتي هو كاتب وصحافي تونسي مخضرم. كان رئيساً لتحرير صحيفة “الصباح” التونسية ومراسلاً لعدد من الصحف والمجلات العربية. يمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: fouratiab@gmail.com