رافاييلُّو العائد بعد 500 سنة

السيِّدة وفي حضْنها حيوانٌ صغيرٌ رمزُ العفة (1505)

هنري زغيب*

بعد أَقلّ من سنة، سيفتتح “متحف متروبوليتان” في نيويورك معرضًا تاريخيًّا نادرًا لشخصية نادرة في تاريخ الفن التشكيلي: رافاييلُّو، يمتدُّ ثلاثة أَشهر كاملة (من 29 آذار/مارس 2026 إِلى 28 حزيران/يونيو 2026)، وتتوقَّع إِدارة المتحف أَن تستقطب أَيامُ المعرض حضورًا مليونيًّا لم يشهده المتحف من قبل.

المتحف أَولًا…

نبدأُ بالمتحف لأَهميته العالَمية.

هو من أَكبر متاحف العالَم. يحتلُّ 148 أَلف متر مربَّع من الحديقة المركزية الكبرى وسْط مدينة نيويورك على واجهة الجادة الخامسة في المدينة. تَلزَم المعرض على الأَقلّ 10 زيارات متتالية للتجوُّل في جميع أَجنحته التي تضم أَعمالًا ضخمة نادرة من جميع أَنحاء العالم، يرقى أَقدمها إِلى نحو 5000 سنة، ويحوي أَعمالًا من أَقدم العصور الحجرية في التاريخ، حتى أَحدثِ عرضٍ للأَزياء قبل أَسابيع في السنة الحالية 2025. وهو أَحد أَضخم المتاحف في الدنيا منذ القرن التاسع عشر (تأَسس سنة 1880). وفي آخر الإِحصاءات أَنه يستقبل نحو 4 ملايين زائر سنويًّا، يتمتَّعون بمشاهدة نحو 35 أَلف عمل، بينها 2500 عمل لأَكبر الفنانين الأُوروبيين، بين انطباعيين وما بعد الانطباعيين، وأَعمال مصرية قديمة منذ أَيام الفراعنة، بينها الأَجزاء الكاملة لمعبد دندور، وهو معبد مصري قديم من العصر الروماني كان في منطقة النوبة التاريخية المصرية، ونُقِلَ من مكانه سنة 1963 لإِنقاذه من الغرق بعد بناء السد العالي في أَسوان. وتقديرًا لجهد الولايات المتحدة في الحفاظ على آثار النوبة من الغرق، تم إِهداء معبد دندور إلى الحكومة الأَميركية سنة 1978.

الفلاسفة في مدرسة أَثينا (1511)

والفنان ثانيًا…

هو “رافاييلُّو سانتْسْيو دا أُوربينو” (Raffaello Sanzio da Urbino) (1483-1520)، يُعرَف عادةً بالتسمية الإِنكليزية “رافاييل”. كان رسامًا إِيطاليًّا ومهندسًا داخليًا إِبَّان أَزهى عصور النهضة الإِيطالية. عاش في كنَف أُسرة فنية من والدٍ رسام ووالدةٍ شاعرة، وفي محيط كُتَّاب ومفكِّرين في روما، فنشأَ على حس شاعري رهيف، ترجمَه في لوحاتٍ ورسومٍ ذات بُعدٍ فكريٍّ وتأْثيرٍ عاطفيٍّ ظهرا جليَّيْن في أَعماله التي صبغت بسطُوعٍ بيِّنٍ عظمة النهضة الإِيطالية. فنُّهُ مُذهلُ الدقَّة والإِبداع، لِما فيه من وضوح في الشكل، وسلاسة في التركيب، وتقدير عالٍ للإِنسان في حياته ومسيرته. وهو يشكِّل، مع ليوناردو دا فينتْشي وميكالانجلو، ثلاثيَّ الإِبداع التشكيلي في تلك الحقبة من التاريخ.

متحف متروبوليتان العريق في نيويورك

… والمعرض ثالثًا

عنوانُ المعرضِ الرئيسُ مُوْحٍ كثيرًا: “رافاييلُّو – الشِعر الأَسمى”، وعنوانه الثانوي مُوْحٍ كذلك: “تكريمُ أَحد أَكبر الفنانين في جميع العصور”. ولذا بدأَت الحملة الإِعلامية منذ اليوم (أَي قبل سبعة أَشهر من موعد المعرض) تنادي بأَنها “فرصةٌ نادرةٌ يحقِّقُها متحف المتروبوليتان لمشاهدة أَعمال عبقري النهضة الإِيطالية، وأَحد أَبرز وجوه الفن في التاريخ: رافاييلُّو، الذي لم يسبق أَن أُقيم له في الولايات المتحدة معرضٌ يليق بعبقريته الخالدة”.

ويتداول الإِعلام الأَميركي هذه الفرصة النادرة التي ستضمُّ ملامح من حياته وأَعماله، منذ مطالعه في أُوربينو التاريخية التراثية، فانتقاله إِلى فلورنسا حيث الْتَمَع اسمُهُ مع الثنائي ليوناردو وميكالانجلو، بلوغًا إِلى سنواته الأَخيرة في البلاط الفاتيكانيّ.

من المتوقع أَن يضمَّ المعرض نحو 200 عمل لرافاييلُّو بين رسوم بالفحم، ولوحات زيتية، وسجاديات وحرفيات زخرفية، وهي روائعُ لم يسبق أَن عُرضَت في أَيِّ مكان، وسيكتشف زوار المعرض “عقل رافاييلُّو المبدع” كما صرَّح توم فاين المسؤُول عن تحضير المعرض.

رافاييلُّو عبقريُّ النهضة الإِيطالية (رسم ذاتيّ 1506)

من روائع المعرض

من لوحات المعرض المعروفة الشهيرة في العالَم: “العذراء والطفل يسوع ومار يوحنا المعمدان طفلًا في البرية”، وهو عمل ساطع لعبقرية رافاييلُّو في الرسم، أَظهر فيها براعته الكلاسيكية العالية جدًّا بتناسُقِها وتناغُمها التأْليفي. سيؤْتى بها من المتحف الوطني للفنون (واشنطن)، كما سيؤْتى بمجموعة رسوم له من متحف الفنون الجميلة في لِيْل (فرنسا)، ولوحة “وجه بالداسار كاستيلْيوني” من متحف اللوفر (باريس). وتتم الاتصالات لجلب أَعمال أُخرى من متاحف ومعارض دائمة أُخرى في أَنحاء أُخرى من العالم، بينها برلين وبودابست وسواهما.

تخليد رافاييلُّو

حتى اليوم، أَمضى المولجون بتحضير المعرض نحو سبع سنوات من التحضير والاستقصاء والاتصالات لجلب أَعمال هذا المعرض التاريخي الفريد، كي تَظهر عبقرية رافاييلُّو النهضوية الخالدة للمرة الأُولى كما لا يعرفها الكثيرون حتى نُقَّاد الفن ومؤَرِّخوه في مجموعة أَعمال معروضة معًا في مناسبة واحدة، لهذا المبدع التاريخي الذي انقصف في السابعة والثلاثين، وأَنجز أَعمالًا بقيَت تتردَّد أَصداؤُها قرونًا بعد وفاته.

Exit mobile version