إيران جريحة، لكنها لم تَنهَزِم – لماذا ينبغي هذا أن يُقلِقَ الجميع

كابي طبراني*

شكّلت الضربات الإسرائيلية-الأميركية على البنية التحتية النووية الإيرانية في حزيران (يونيو) 2025 عمليةً خاطفة، مُحكَمة، وصادمةً بفعاليتها. وقد تمَّ الاحتفالُ بها في واشنطن وتل أبيب باعتبارها انتصارًا استراتيجيًا. الحربُ التي استمرَّت 12 يومًا انتهت بوقفِ إطلاقِ نارٍ حاسم، وبدا أنَّ الطموحات النووية الإيرانية دُفِنَت تحتَ رُكامِ الضربات الجوية الدقيقة والقنابل الخارقة للتحصينات. بالنسبة إلى الكثيرين في المؤسسة السياسية الأميركية، بدا وكأنَّ هذا التدخُّلَ العسكري عالي المخاطر قد محا إخفاقاتَ الماضي في الشرق الأوسط. لكن رُغمَ تحييدِ قدرات إيران مؤقتًا، إلّا أنَّ العملية قد تكونُ مهَّدَت الطريقَ لفصلٍ أكثر خطورة وتقلُّبًا في تاريخ المنطقة.

لأكثرِ من ثلاثةِ عقود، كانَ مَنعُ إيران من امتلاكِ سلاحٍ نووي هدفًا محوريًا للسياسة الخارجية الأميركية. وجاءت ضربات 2025 لتُنهي ما لم تستطِع الديبلوماسية، والتخريب، والعقوبات إيقافه. ومن نواحٍ عديدة، نجحت الحملة. فقد تعرَّضت منشآت التخصيب الإيرانية لأضرارٍ جسيمة، وقُتِلَ العديدُ من كبار العلماء، وتمَّ احتواءُ قدرة طهران على الرد. ومع ذلك، فقد تكونُ هذه الضربات قضت على آخر الخطوط الحمراء الداخلية التي كانت تَمنَعُ إيران من السعي الحثيث وراء امتلاكِ قنبلةٍ نووية. فالنظامُ اليوم يُواجِهُ الضعفَ والعُزلةَ والإهانة، ولكنَّ الإهانة لا تعني الهزيمة. بل إنَّ الوَضعَ الحالي قد يمنحُ قادةَ طهران الدافع والمُبَرِّر لتجاوُزِ الخطوط التي طالما تجنّبوها.

قبل الضربات، كانت طهران تُحاوِلُ تحقيقَ توازُنٍ دقيق – إذ كانت تُعلِنُ نواياها السلمية، وتستشهِدُ بفتوى دينية تُحرِّمُ أسلحةَ الدمار الشامل، وتُبقي على درجةٍ مُعَيَّنة من التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن هذا النموذجَ أصبحَ الآن من الماضي. فقد أوقفَ البرلمان الإيراني التعاون مع الوكالة بعد الهجمات مباشرة، وسحبت الأخيرة مفتّشيها المُتَبقّين. ويُحمِّلُ المسؤولون الإيرانيون الشفافية التي اتّبعوها سابقًا مسؤولية تسهيل تحديد أهداف الضربات. ومع غيابِ أيِّ رقابةٍ خارجية، فإنَّ أيَّ محاولةٍ لإعادةِ بناءِ البرنامج النووي ستتمُّ الآن في الخفاء.

رُغمَ الدمار، يرى بعضُ المُحَلّلين أنَّ إيران لا تزالُ تملكُ مخزونًا من اليورانيوم المخصَّب وأجهزةَ طردٍ مركزي غير مُرَكَّبة، مما قد يُمَكِّنها من تنفيذِ برنامجٍ نووي سريع في أقلِّ من عام. وقد تدفعُ ضرورةُ البقاءِ والرغبةُ في الردع طهران نحو هذا المسار. فقد واجهت أسوأ ما يُمكِنُ تخيُّلهُ، ضرباتٌ مُدمِّرة على منشآتها، ضربةٌ موجعة لقيادتها، وصمتٌ من حلفائها المُفتَرَضين في موسكو وبكين. وإذا خلص النظام إلى أنَّ الردعَ النووي هو السبيلُ الوحيد لحماية نفسه، فقد يتبنّاه بهدوءٍ، لكن بإصرار.

أما الرهانُ على أنَّ هذه الحرب ستقودُ إلى تغييرِ النظام أو انهياره السياسي، فيبدو أنه كان وهمًا. على العكس، ربما ساعدت الضربات على توحيد الصفوف الداخلية. ورُغمَ الاستياءِ العميق الذي يشعرُ به الإيرانيون تجاه قيادتهم، إلّا أنَّ التهديدَ الخارجي كثيرًا ما يُولِّدُ لحظاتٍ من التماسُك الوطني. فالنظامُ، المُحنّك في استغلالِ المشاعر القومية، بدأ بالفعل تصويرَ بقائه وعدم سقوطه على أنه نصرٌ أخلاقي ووطني. حتى أنَّ بعضَ أصوات المعارضة أدانَ الهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية المدنية. وظهرَ المرشد الأعلى علي خامنئي، ضعيفًا ومُتعَبًا، علنًا بعد فترةٍ وجيزة من وقف إطلاق النار، ليُشرِف على احتفالٍ وطني ذي دلالاتٍ دينية. إنه نظامٌ يعرفُ كيف ينجو – وكيف يستغلُّ الصدمات.

وأثارت الضربات أيضًا قلقًا متزايدًا في دول الخليج، التي كانت تدعمُ بصمتٍ سياسة الضغط على طهران. فالسعودية والإمارات، المُنشَغلتان بتحويل اقتصادهما إلى مراكز عالمية، تخشيان الآن من أن تسلكَ إيران الضعيفة والمُطَوَّقة سلوكًا أكثر عدوانية وخطورة. كما تنظرُ تركيا وقطر برَيبةٍ إلى السياسة الإسرائيلية القائمة على الضربات الاستباقية الدائمة، خصوصًا في ظلِّ استمرارِ الهجمات الإسرائيلية في غزة وسوريا ولبنان من دونِ أهدافٍ واضحة. وإذا لم يتم احتواءُ هذا النهج، فقد يؤدّي إلى زعزعة التحالفات الناشئة وفتحِ جبهاتِ توتُّرٍ جديدة في المنطقة.

حتى في واشنطن، بدأ القلق يظهر. فبينما كان الرئيس الأميركي السابق جو بايدن مُتردِّدًا في استخدامِ القوة العسكرية، قرّرَ الرئيس دونالد ترامب التدخُّل. لكنه أيضًا وَعَدَ بإنهاءِ الانخراطِ الأميركي الطويل في حروب الشرق الأوسط. إنَّ وقفَ إطلاقِ النار السريع وتصريحاته المُعلنة بـأنّ “المهمة أُنجِزَت” يعكسان رغبته في تجنُّب التورّط العميق. ومع ذلك، فإنَّ نتائجَ العملية قد تفرضُ عكسَ ذلك. فبينما تُعيدُ إيران حساباتها، وتستعدُّ إسرائيل لحملةٍ طويلة الأمد من الهجمات الوقائية، ستجدُ الولايات المتحدة نفسها مضطرّةً للعودة إلى المنطقة التي كانت تُحاولُ الانسحابَ منها.

إذا كانت واشنطن جادة في منع إيران من امتلاكِ سلاحٍ نووي، فعليها أن تتحوَّلَ بسرعةٍ إلى الديبلوماسية من جديد. فنجاحُ العملية العسكرية لا يعفي من ضرورةِ صياغةِ إطارٍ جديد يُعيدُ ضبطَ برنامج إيران النووي ويَمنعُ التصعيدَ المستقبلي. وقد لمّحَ ترامب إلى قدرته على التفاوض على “اتفاقٍ أفضل” من اتفاق 2015 النووي. وهذه قد تكون فرصته. حتى لو رُفِضَ العَرضُ، فقد يفضحُ الانقسامات داخل النظام الإيراني ويُقوّي الفجوةَ بينه وبين الشعب. إنَّ عَرضَ مخرجٍ من الأزمة، يتضمّنُ تخفيفَ العقوبات مقابل قيود قابلة للتحقّق، قد يوفّرُ بعضَ الوقت ويُضعفُ دوافع إيران للاندفاع نحو السلاح النووي.

قد يُسَجِّلُ التاريخ أنَّ عمليةَ حزيران (يونيو) كانت نجاحًا تكتيكيًا لافتًا. لكنَّ النجاحَ التكتيكي ليس حلًّا استراتيجيًا. إيران لم تُقصَ من المشهد. هي جريحة، مُحاصَرة، وربما تُشكِّلُ خطرًا أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. إنَّ مَنعَ بروزِ دولةٍ ثيوقراطية مُسَلَّحة نوويًا لن يتحقّقَ بالقنابل وحدها، بل يحتاجُ إلى سياسةٍ حكيمة، ورؤيةٍ بعيدة المدى، واستعدادٍ لإعادةِ تخيُّلِ مفهومِ الأمن في الشرق الأوسط.

Exit mobile version