بعد شهرٍ على الهجمات الإسرائيلية والأميركية، يُؤكّدُ ما هو غير معروف عن آثارها أنه بدون وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى جميع المواد والمنشآت النووية الإيرانية، ستكون أنشطة طهران النووية أقل شفافية، مما يزيدُ من احتماليةِ استئناف خصوم إيران للأعمال العدائية المُسَلَّحة.
مارك هيبس*
في أعقابِ الحربِ الإسرائيلية-الإيرانية التي وقعت في الشهر الفائت، رَكّزَ الاهتمامُ السياسي والإعلامي على تأثير الصراع على البرنامج النووي الإيراني، لا سيما في ما يتعلق بالغارات الجوية الأميركية التي استهدفت منشآتٍ نووية إيرانية رئيسة والتي سبقت وقف إطلاق النار. تشملُ الأسئلةُ الرئيسة حجمَ الضررِ الذي ألحقته الهجمات بالمنشآت النووية الإيرانية؛ وكم من الوقت قد تستغرقه إيران لإعادة بناء وتجديد القدرات التي ربما تكون قد فقدتها؛ وما هي حالة ومكان مخزون إيران من اليورانيوم المخصَّب.
أثارَ قرارُ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ببدء الحرب ضد الجمهورية الإسلامية، وقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانضمام إليها لاحقًا، جدلًا حادًا بين مؤيّدي التدخُّل ومعارضيه. وامتدَّ هذا الاستقطابُ إلى نقاشاتٍ حول تأثير ذلك على البرنامج النووي الإيراني، والتي تفاقمت بسبب غيابِ أدلّةٍ قاطعة على أيِّ ادعاءاتٍ تكهُّنية.
علاوةً على ذلك، تجاهلت معظم المناقشات التخمينية التي تلت ذلك، أو قللّت من أهمية، الاستنتاجات التي توصّلت إليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، والمُكَلَّفة بالتحقُّق من التزام إيران بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي بعدم امتلاك أسلحة نووية، بشأن تأثير القصف. بحلول 26 حزيران (يونيو)، خلصت الوكالة إلى أنَّ الهجومَ الأميركي على منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض، وهي منشأة حيوية، قد عطّلَ تشغيلها. وتكمُنُ أهمّية استنتاجات الوكالة في استنادها إلى تحليلٍ تقنيٍّ طَعَنَ في الادّعاء بأنَّ القصفَ الأميركي لفوردو لم ينجح، وأنه نتيجة لذلك، يمكن لإيران مواصلة تخصيب اليورانيوم -بما في ذلك إلى مستويات صالحة لصنع الأسلحة- في الموقع بعد الهجوم.
وهكذا ساهمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ما هو معروفٌ عنه القليل عن نتائج الهجمات على منشأة نووية إيرانية حيوية. إلَّا أنَّ احتمالات نجاح الوكالة في المدى البعيد في تقييم التهديدات النووية الإيرانية أقل يقينًا بكثير وغير مؤكَّد. لا تستطيع الوكالة تقييم المدى الكامل للأضرار التي لحقت بمنشأة فوردو وغيرها من المواقع لأنها لا تستطيع حاليًا الوصول إلى المواد والمنشآت النووية الإيرانية: فقد غادر جميع مفتشيها إيران حالما أمكنهم ذلك بعد وقف إطلاق النار؛ وقبل ذلك بقليل، علّقت إيران جميع تعاونها مع الوكالة إلى أجلٍ غيرِ مُسَمّى.
إنَّ أيَّ استعادةٍ للوكالة لوصولها إلى البرنامج ستعتمدُ على مفاوضاتٍ مستقبلية مُحتَملة تشمل إيران وخصومها. لكن أخطر التحديات التي تواجه عمل الوكالة في مجال التحقّق النووي في إيران قد تكون مُستَعصية على الحل من دون تهدئةٍ كبيرة لهذا الصراع من قبل جميع الدول المشاركة، وتعاون متجدّد وواسع النطاق من إيران -بما في ذلك إتاحة الوصول إلى المواقع غير المُعلنة- والتزام من الدول الأعضاء في الوكالة بتمويل موارد جنائية مكلفة لسنوات عديدة لتمكين الوكالة من القيام بمهامها الرقابية.
تقييمُ الوكالة الدولية للطاقة الذرية للأضرار في فوردو
في أعقابِ الهجمات الجوية الأميركية، انصبَّ الاهتمامُ فورًا على فوردو، وهو موقع يضمّ منشأة لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض كانت أحد أهداف الضربات الأميركية. بُنيت المنشأة سرًا في البداية، ولعب اكتشافها علنًا في العام 2009 دورًا رئيسًا في تفعيل عقوبات الأمم المتحدة، التي ساهمت بدورها في التفاوض على الاتفاق النووي الإيراني المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2015.
وسّعَ هذا الترتيبُ نطاقَ أنشطة التحقّق والمراقبة التي تقومُ بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في ما يتعلق ببرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني، ودعا إلى إعادة استخدام موقع تخصيب اليورانيوم في فوردو كمركزٍ للأبحاث النووية. إلّا أنه بعد فترةٍ وجيزة من انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2018 خلال ولاية ترامب الأولى، بدأت إيران تركيبَ أجهزةِ طردٍ مركزي متطوِّرة في فوردو. ثم استأنفت تخصيب اليورانيوم هناك في العام 2019، ورفعت مستوى التخصيب إلى ما يقارب مستوى الأسلحة منذ العام 2022.
وفي تعليقاته التي أعقبت الغارات الجوية الأميركية في 22 حزيران (يونيو)، وصفَ ترامب الضررَ الذي لحق بفوردو وبقية البرنامج النووي الإيراني بأنه “تدميرٌ كامل”. إلّا أنه بعد يومين، سُرِّبَ تقييمٌ استخباراتي أميركي أوَّلي إلى الصحافة يُشيرُ إلى أنَّ الهجومَ لم يُؤخِّر البرنامج الإيراني سوى بضعة أشهر. على الرُغم من أنَّ جُزءًا كبيرًا من النقاش الذي أعقب الهجوم حول تأثيره كان حزبيًا للغاية، إلّا أنَّ جُزءًا منه استندَ إلى شكوكٍ راسخة لدى المُحلّلين العسكريين والمسؤولين الحكوميين حول ما إذا كانت حتى قنابل “GBU-57” “الخارقة للتحصينات” التي استخدمتها الولايات المتحدة ضد فوردو قادرة على تدميرِ هدفٍ عميق تحت الأرض كهذا.
على نحوٍ مستقل، ومباشرةً بعد الهجوم على فوردو، بدأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقييمَ الأضرارِ استنادًا إلى معرفتها الخرائطية للموقع، بالإضافة إلى معلومات الأقمار الاصطناعية. في 23 حزيران (يونيو)، أبلغ المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، مجلس محافظي الوكالة أنه “بالنظر إلى الحمولة المتفجّرة المُستَخدَمة، والطبيعة شديدة الحساسية للاهتزازات لأجهزة الطرد المركزي، فمن المتوقَّع أن تكونَ الأضرارُ التي حدثت جسيمةً للغاية” في فوردو. بعد ثلاثة أيام، أعربَ غروسي عن ثقةٍ أكبر بكثير في هذا التقييم، مؤكدًا بشكلٍ قاطع أنَّ أجهزة الطرد المركزي في فوردو “لم تَعُد تعمل”.
ورُغمَ أنَّ الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم تَكشُف علنًا عن تفاصيل كيفية تَوَصُّلِها إلى هذا الاستنتاج، فإنَّ المعلوماتَ المَفتوحةَ المصدر تشيرُ إلى أنها اعتمدت على المساعدات الخارجية التي استخدمتها في السنوات الأخيرة لتعزيز قدراتها الجنائية والتشخيصية.
تستخدم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بيانات الأقمار الاصطناعية للتحقّق منذ أكثر من عقدين. ولكن، تحديدًا بعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في العام 2018، وما تلاه من قرار طهران في العام 2021 بوقف تنفيذ بروتوكولها الإضافي -الذي سمح للوكالة بتتبُّع أنشطةٍ مُعيَّنة تتجاوز نطاقَ اتفاقية ضمانات إيران بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي- سعت الوكالة إلى إضافةِ قدراتِ جمعِ المعلومات ومعالجتها إلى أدواتها التحليلية. وفي بعض المجالات الحيوية، تلقّت الوكالة مساعدةً من وكالة الفضاء الأوروبية، ومن برامج دعم الدول الأعضاء. وقد ساهمَ بعضُ هذه القدرات في تقييم الوكالة لحالة البُنية التحتية النووية الإيرانية بعد الحرب.
في العام 2023، أبرمت الوكالة اتفاقية تعاون مع برنامج الابتكار والدعم الملاحي التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، بما في ذلك “الاستفادة من تقنيات الاتصالات المُتقدّمة ومعلومات الأقمار الاصطناعية لضمانِ كفاءةِ توثيق البيانات وإجراء عمليات المسح الخارجي، لا سيما في المناطق النائية وغير المُستَكشَفة”. كما يتضمّن بعض العمل الجاري في برنامج دَعمِ ضمانات الوكالة مناهج مُبتَكَرة تتعلّق ببيانات الأقمار الاصطناعية.
من المجالات المُحَدَّدة ذات الصلة بتحليل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لموقع فوردو، قياسُ الارتفاع عبر الأقمار الاصطناعية، الذي يُوَفِّرُ معلوماتٍ تُمَكّنُ المُحلِّلين من إنشاءِ نموذجٍ رقمي للسطح أو نموذجٍ رقميٍّ للارتفاعات الأرضية، على غرارِ عملية إنشاء خرائط تضاريسية عالية الدقة. تُوفّرُ هذه التقنية معلوماتٍ طوبوغرافية دقيقة يُمكن تطبيقها لتقييم مدى نزوح الأرض في المواقع المُعَرَّضة لهجمات قصف عنيفة. ويُرَجَّحُ أن تكونَ هذه المعلومات قد ساهمت في ثقة غروسي بتقييم الوكالة الدولية للطاقة الذرية للأضرار في فوردو.
تُعدّ تضاريس فوردو مهمة، إذ، كما أكد غروسي، تتميّزٌ معدات التخصيب المُركّبة في الموقع بحساسيةٍ عالية للاهتزازات. تقفُ كلُّ مجموعةٍ من أجهزة الطرد المركزي عموديًا وترتكزُ على مجموعةِ تحمُّلٍ ثابتة تتميّزُ بتفاوتاتِ تصميمٍ هندسي تُقاس بالميكرون، أو جُزء من مليونٍ من المتر. ومن المرجح أن تؤثّرَ الصدمات القوية بما يكفي لإحداث انخفاضٍ في ارتفاع جبل فوردو ولو لبضعة سنتيمترات على المعدّات الموجودة تحت الأرض.
كان التقييمُ الأوَّلي والمُبكِرُ للوكالة الدولية للطاقة الذرية للأضرار في فوردو مهمًّا، لأنه، كما ذُكِرَ سابقًا، اعتمدَ على معلوماتٍ كَمّيَةٍ وتحليلية، بدلًا من تكهُّناتٍ مُتَحَيِّزة إلى حدٍّ كبير. ومع ذلك، فبينما خلصت الوكالة إلى أنَّ القوى التي أطلقتها التفجيرات كانت قوية بما يكفي لتعطيل أجهزة الطرد المركزي الموجودة تحت الأرض في فوردو، فإنَّ الحُكمَ على ما إذا كانت المعدّات قد تضرّرت بشكلٍ لا يُمكن إصلاحها يتطلّبُ معلوماتٍ من الموقع لم تَعُد الوكالة قادرةً على الوصولِ إليها.
التحدّياتُ التي تُواجِهُ الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران
بالنظرِ إلى المستقبل، تُمَثّلُ الهجماتُ على المنشآت النووية الإيرانية انتكاسةً كبيرة لمهمّة التحقُّق التي تضطلعُ بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية في إيران على ثلاثِ جبهاتٍ حاسمة: استمراريةُ المعرفة بالضمانات؛ وخطُّ الأساس للضمانات؛ وتوقّعات الأنشطة النووية غير المُعلَنة المُحتَملة في المستقبل. لقد أكّدت النتائجُ المحدودة التي توصّلت إليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأنِ الأضرارِ التي لحقت بمنشأة فوردو أنَّ ما لا تعرفه الوكالة في أعقابِ القصفِ سيُثبِتُ على الأرجح أنه أكثر أهمية بكثير من مدى الضرر الذي لحق بالمعدّات التي كانت تعمل قبل الهجوم.
استمراريةُ المعرفة. يجب أن تكونَ الوكالةُ على ثقةٍ من أنَّ العناصرَ الخاضعة للتحقُّق قد تمَّ حصرها بمرور الوقت، من دونِ أيِّ ثغرات. وقد قامت الوكالة بحماية المواد النووية الإيرانية المُعلَنة -وخصوصًا مخزونها المتزايد البالغ 9 أطنان مترية من اليورانيوم المُخَصَّب- باستخدامِ معدّاتِ المراقبة والأختام، المُصَمَّمة لتوفير ضماناتٍ بعدم العبث بالمواد أو سحبها عند مغادرة المُفتِّشين. أثناءَ تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة، تم أيضًا وَضعُ أختامٍ على معدَات أجهزة الطرد المركزي الغازية التي كانت إيران مُلزَمة بعدم استخدامها بموجب شروط الاتفاق.
ومع ذلك، منذ انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة، حَذّرَت الوكالة بشكلٍ متزايد من أنه بسببِ عدمِ تعاون إيران الكافي، قد تفقد الوكالة استمرارية المعرفة في بعض المجالات. في العام 2021، وبعد أن أوقفت طهران تنفيذ بروتوكولها الإضافي وبدأت بعد ذلك إزالة معدّات المراقبة المُثبَتة كجُزءٍ من خطة العمل الشاملة المشتركة، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها فقدت استمرارية المعرفة في ما يتعلق بإنتاج أجهزة الطرد المركزي ومعالجة خام اليورانيوم. ونتيجةً لذلك، لا تعرف الوكالة حاليًا ما إذا كانت إيران استمرَّت في إنتاج معدات الطرد المركزي، وإذا كانت فعلت ذلك، فأين فعلته وبأيِّ كمّيات. كما لا تعرفُ الوكالة مكانَ وجود مخزون إيران البالغ 400 كيلوغرام من اليورانيوم المُخصَّب إلى مستوياتٍ تقتربُ من مستويات الأسلحة، وهي مادة كافية لإنتاج أسلحة نووية عدة إذا تم تخصيبها بدرجةٍ أعلى قليلًا. كانت هذه المواد تحت الضمانات في فوردو قبل تصاعد الأزمة الحالية في أواخر أيار (مايو)، ولكن في 13 حزيران (يونيو)، بعد الغارات الجوية الإسرائيلية الأولية، أبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنها ستتخذ “تدابير خاصة” لحماية المواد. وفي 23 حزيران (يونيو)، أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مجلس محافظيها بأنها لا تعلمُ ما هي التدابير التي اتخذتها إيران، وأنَّ الوكالةَ ليست لديها معلوماتٌ عن الموقع الحالي للمواد.
خطُّ الأساسِ للضمانات. إنَّ خطَّ الأساسِ لضماناتِ معاهدة حظر الانتشار النووي في أيِّ دولةٍ غير حائزة للأسلحة النووية هو إعلانُ الدولة عن جميع موادها ومنشآتها النووية. ويُعَدُّ تحقُّقُ الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إعلان الدولة عمليةً تكرارية، وهي عملية تطلبت في حالة إيران أكثر من عقدين من التفاعُل المُثير للجدل بدون تعاونِ طهران الكامل. وقد أسفرت الحرب التي استمرت 12 يومًا الشهر الماضي عن أضرارٍ جسيمة في العديد من المنشآت النووية الإيرانية المُعلَنة، بما في ذلك معظم أو جميع المواقع التي تُعتبرُ مهمّة لمعالجة المواد النووية الاستراتيجية والمتعلقة بالأسلحة النووية.
ونظرًا للخبرة السابقة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في العراق وجنوب أفريقيا بدءًا من التسعينيات، وبافتراضِ أفضلِ سيناريو مُحتَمَل وهو موافقة إيران على استئناف التحقُّق، فمن شبه المؤكد أنَّ الوكالة ستستغرق سنوات عديدة، ربما عقدًا أو أكثر، لإعادةِ إرساءِ خطّ أساسٍ موثوقٍ للتحقّق من الضمانات في إيران واستعادة مستوى الثقة السابق في محاسبة الوكالة للمواد النووية الإيرانية. ببساطة، لا يُمكِنُ للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تنجحَ في هذا من دونِ تعاوُنِ طهران المُكثَّف والكامل، ومن دون تهدئةٍ فعّالة ودائمة للأزمة من قِبل إيران وإسرائيل والولايات المتحدة.
حتى قبل الحرب، وبعدَ رُبعِ قرنٍ من أنشطةِ طهران النووية الاستفزازية، أصبحت الجمهورية الإسلامية بالفعل أكثر الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية كثافةً في إجراءاتِ التحقُّق، مما يتطلّبُ جهدًا إشرافيًا يُضاهي جهود كندا واليابان – وهما دولتان تمتلكان مواد ومنشآت نووية أكثر بكثير من إيران، ولكن ليس لديهما سجلٌّ حافلٌ بعدم الامتثال. إذا استأنفت الوكالةُ التحقُّقَ الآن، فستحتاج إلى موظَّفين إضافيين عديدين وموارد تمويلية لإعادةِ بناءِ خطِّ الأساس للضمانات في إيران. هذا بالإضافة إلى ما ستحتاجه للوفاء بالتزاماتها المُتعلّقة بالضمانات بين الدول الأعضاء الأخرى في الوكالة، والبالغ عددها 180 دولة، نظرًا للتوسُّع المُتوقَّع في استخدام الطاقة النووية في السنوات المقبلة. بعبارةٍ أخرى، ستكون إعادةُ إرساءِ خط الأساس للضمانات في إيران أمرًا صعبًا ومُكلفًا.
الأنشطة النووية غير المُعلَنة. كما ذُكرَ سابقًا، علّقت إيران جميع أشكال التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في أعقاب الحرب. في ذلك الوقت، كانت هناك تكهّناتٌ أيضًا بإمكانية انسحابها من معاهدة حظر الانتشار النووي تمامًا والإقدام على تطوير وإنتاج أسلحة نووية. ومن شبه المؤكد أنَّ مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى مزيدٍ من العقوبات الأميركية ومتعدّدة الأطراف، بالإضافة إلى احتمال تجدد الهجمات من إسرائيل و/أو الولايات المتحدة بهدف منعها من تجاوز عتبة الأسلحة النووية.
في 12 تموز (يوليو)، صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأنَّ طهران ستستأنف تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على الرُغم من أنَّ شكلَ هذا التعاون لم يُحدَّد بعد، وأنها ستبقى أيضًا في معاهدة حظر الانتشار النووي. إذا كان الأمرُ كذلك، فمن المحتمل أن تُحاولَ إيران إشراكَ الوكالة والدول الأعضاء فيها في مفاوضاتٍ مُطوَّلة حول برنامجها النووي، كما فعلت في الماضي.
قد يكونُ الافتراضُ السائد بأنَّ إيران قد تردُّ على هجمات الشهر الماضي بتطويرٍ سريعٍ للأسلحة النووية خاطئًا. لكن طالما علّقت إيران تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو حدّت منه، حتى أثناء تفاوضها مع خصومها، فقد تختار المضي قدمًا سرًا في تصنيع وتشغيل أجهزة الطرد المركزي الغازي، وتخصيب اليورانيوم، وتطوير وتصنيع الأسلحة النووية. ففي نهاية المطاف، عندما اندلعت الحرب، أبلغت إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية استعدادها لتخصيب اليورانيوم في مواقع سرية. وإذا وُجدت مثل هذه المواقع، فإنها ستسمح لإيران بمواصلة المفاوضات، ثم “للانسحاب” من معاهدة حظر الانتشار النووي لاحقًا.
على مدار ثلاثة عقود، واجهت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحدّياتٍ متزايدة في جهودها للتحقُّق من أنَّ تطويرَ إيران الاستفزازي للتكنولوجيا النووية لم يتجاوز الخط الأحمر لصنع أسلحة نووية. وطوال هذه الفترة، تزايدت احتمالية تصعيد الصراع وشنّ هجمات وقائية ضد البنية التحتية النووية الإيرانية، لكنها لم تختفِ قط. في الواقع، من الممكن أنه لو لم تقع هجمات الشهر الماضي، لكان من الممكن حدوث أمر مماثل خلال خمس سنوات -عندما كان من المقرر انتهاء صلاحية الشروط الرئيسة لخطة العمل الشاملة المشتركة- إذا لم توافق إيران على تمديدها واستمرت في تطوير قدراتها النووية الحساسة.
بعد شهرٍ على الهجمات، يُؤكّدُ ما هو غير معروف عن آثارها أنه بدون وصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى جميع المواد والمنشآت النووية الإيرانية، ستكون أنشطة طهران النووية أقل شفافية، مما يزيد من احتمالية استئناف خصوم إيران للأعمال العدائية المسلحة.
مع ذلك، في حال بدء مفاوضات بشأن التعاون المستقبلي بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران، فمن الضروري أن تتمكّنَ الوكالة من الوصول إلى المواقع العسكرية وغيرها من المواقع التي لم تُعلن عنها إيران بعد. يعلم خصوم إيران أنَّ إيران اليوم دولةٌ أضعف بكثير مما كانت عليه في أيِّ وقتٍ مضى. ولكن بدون تعاونها، لن تنجح الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مهمتها.
- مارك هيبس هو زميلٌ أول غير مقيم في برنامج السياسة النووية بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن. ركزت أبحاثه على برامج التطوير النووي الوطنية، بالإضافة إلى التجارة النووية الدولية والحوكمة متعددة الأطراف، بما في ذلك الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهو يقيم في برلين.
- كُتِبَ هذا المقال بالإنكليزية وترجمه إلى العربية قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”.