كابي طبراني*
لمَن يَبحَثُ عن دليلٍ على أنَّ العالمَ، وخصوصًا الشرق الأوسط، يمرُّ بمُنعَطَفٍ تاريخي، سيَحمُلُ صيفُ العام 2025 الكثير ليُقدِّمه.
لقد حقّقت الضربات الإسرائيلية (الاستباقية على حدِّ زعم تل أبيب) التي شنّتها في 13 حزيران (يونيو) على الجمهورية الإسلامية للقضاء على القيادة العسكرية الإيرانية وإضعاف برنامجها النووي والبالِستي -وذلك قبل 3 أيامٍ فقط من الجولة السادسة للمفاوضات بين واشنطن وطهران التي كانت ستجري في مسقط- نجاحًا أوّليًا استثنائيًا. فمن خلال عملياتٍ مُنسَّقة، نجح الجيش الإسرائيلي (بمساعدة وكالة الإستخبارات الخارجية “الموساد”) في تحييدِ الدفاع الجوي الإيراني، وترسيخ التفوُّق الجوي، والقضاء على كبار الجنرالات في الحرس الثوري الإسلامي والجيش والعلماء النوويين الإيرانيين، وضرب مئات الأهداف، بما في ذلك منشآت التخصيب الرئيسة الإيرانية في نطنز وفوردو وأصفهان وغيرها.
ولم يَكُن من المُستَغرَب أن تتغيّرَ نبرةُ إدارة ترامب بسرعةٍ من تصريحاتِ وزير الخارجية ماركو روبيو الأوّلية حولَ تصرُّف إسرائيل بشكلٍ أحادي (“لسنا مشاركين في ضربات ضد إيران”) إلى تفاخُرِ الرئيس دونالد ترامب بمعرفته المُسبَقة بالعملية والأسلحة الأميركية المُستَخدَمة.
لكنَّ السؤالَ الحقيقي المطروح هو ما إذا كان ترامب سيتجاوز الخطاب وينضمُّ رسميًا إلى حرب إسرائيل على إيران.
في حين أنَّ عملية “الأسد الصاعد” قد عزّزت مكانةَ إسرائيل كقوّةٍ إقليمية مُهَيمنة، إلّا أنها لم تستطع تدميرَ البرنامج النووي الإيراني. تُشيرُ التقارير إلى أنَّ جُزءًا كبيرًا من أنشطة التخصيب في فوردو لا يزال قائمًا، ويتوقّع الكثيرون من الخبراء أن تُسرِّع طهران برنامجها بمجرّد توقُّف الأعمال العدائية، إذا لم تتمكّن من الوصول إلى اتفاقٍ سريع مع الولايات المتحدة. ولتحقيقِ هدف خفض القدرة النووية الإيرانية بشكلٍ كبير، تحتاج إسرائيل إلى أسلحةٍ أميركية متطوِّرة وقنابل ضخمة، وربما دعم جوي، لتدمير طبقات من المنشآت تحت الأرض خصوصًا في فوردو.
هنا يكمنُ التحدّي الذي سيُحدّدُ إرثَ ترامب، الرجل الذي ترشّح للرئاسة على أساسِ إنهاءِ الحروب، ولكنه لم يُحرِز تقدُّمًا يُذكَر نحو السلام في أوكرانيا أو غزة أو أيِّ مكانٍ آخر. فهل ستعود الولايات المتحدة إلى دورها التقليدي كقوة مُهيمنة وقائدة للمنطقة، وتسمح لنفسها بالتورُّط في حربٍ أخرى في الشرق الأوسط؟ أم سيُنصِتُ ترامب إلى مُحاولي ضبط النفس في تحالفه “أميركا أوّلًا” (MAGA) ويُحافِظ على مسافةٍ من هذه المعركة؟
لا شكَّ أنَّ ترامب مُمَزَّقٌ بين غريزته الكَبحِيّة، التي تُحذّره من أنَّ التدخّلَ الأميركي المباشر في حربٍ مع إيران قد تكونُ له عواقب وخيمة على الولايات المتحدة وحلفائها، وبين سعي إسرائيل إلى إنهاءِ المهمة التي بدأتها لتدمير البرنامج النووي والصواريخ الباليستية. الواقع أنَّ خياره ما زالَ غامضًا، لكنه، في النهاية، سيُحَدِّدُ كيفَ سيُكتَب الفصلُ التالي من تاريخِ الشرق الأوسط والعالم.
- كابي طبراني هو ناشر ورئيس تحرير مجلة وموقع “أسواق العرب” الصادرَين من لندن. ألّف خمسة كتب بالعربية والإنكليزية من بينها “شتاء الغضب في الخليج” (1991)، “الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني: من وعد بلفور إلى إعلان بوش” (2008)؛ “كيف تُخطّط إيران لمواجهة أميركا والهَيمَنة على الشرق الأوسط” (2008)؛ و”معاقل الجهاد الجديدة: لماذا فشل الغرب في احتواء الأصولية الإسلامية”، (2011). يُمكن متابعته عبر موقعه الإلكتروني: gabarielgtabarani.com أو عبر منصة “إكس” على: @GabyTabarani