ماذا يعني استدعاءُ السفراء الأجانب إلى وزارة الخارجية؟

تَحوّلَ لبنان في العقود الأخيرة ساحةً لخرق الأعراف الديبلوماسية واتفاقية فيينا من عدد كبير من السفراء المعتمدين في لبنان. إلّا أنَّ وزارة الخارجية اللبنانية لم تتحرك بشكلٍ فعّال إزاء هذه المسألة نظرًا لتعقيدات الوضع الداخلي في لبنان وعدم رغبة بيروت في إثارة المشاكل مع الدول المعنية.

السفير السعودي وليد البخاري: استدعته بلاده للعودة احتجاجًا على تصريحات وزير الإعلام اللبناني السابق جورج قرداحي…

السفير يوسف صَدَقَه*

نشرَ السفير الإيراني في لبنان، مجتبى اماني، في 18 نيسان (أبريل) 2025، تغريدةً على منصّة “إكس”، وَصفَ فيها مشروعَ نزع السلاح من “حزب الله” بأنه “مؤامرة واضحة ضد الدول، مُحذِّرًا من أنَّ الدول التي تستسلمُ لمطالب نزع السلاح، تُصبحُ عُرضةً للهجوم والإحتلال، مُستَشهِدًا بأمثلة. ورُغم أنَّ التغريدة، لم تَذكُر لبنان بصراحة، إلّا أنها فُسِّرَت على نطاقٍ واسع كإشارةٍ إلى النقاشات الجارية والمواقف في كلٍّ من العراق وليبيا وسوريا ولبنان بشأن حصر السلاح بأيدي الدول. وتجدرُ الإشارة إلى أنَّ خطابَ القسم الذي ألقاه رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون أمام مجلس النواب يوم انتخابه والبيان الوزاري للحكومة اللبنانية كانا أكّدا على حصرية السلاح في لبنان بالدولة اللبنانية وحدها وفق قرارات مجلس الامن، مما يعني نزع شرعية سلاح “حزب الله”، والذي كان قد شُرِّعَ بشكلٍ غير مباشر (من طريق الضغط والهيمنة) بواسطة البيانات الوزارية السابقة، والتي تحدثت عن معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”.

استدعت وزارة الخارجية اللبنانية السفير أماني، على خلفية التغريدة التي بثّها عبر منصة “إكس” حول مسألة “نزع سلاح “حزب الله””، والتي اعتُبِرَت تدخُّلًا في الشؤون الداخلية اللبنانية. وقد تمنَّعَ السفير في البداية عن المجيء إلى وزارة الخارجية، وبعد اتصالات، وافق على الاجتماع، بالأمين العام للوزارة السفير هاني شميطلي، حيث تمَّ إبلاغه بضرورة التقيُّد بالاصول الديبلوماسية المنصوص عليها في اتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية، والتي تُشَدِّدُ على احترام سيادة الدول وعدم التدخُّل في شؤونها الداخلية. وقد اوضحت السفارة الإيرانية في وقتٍ لاحق في بيان، أنّ السفير أماني قدّمَ توضيحاتٍ للجانب اللبناني، تؤكّد أنَّ تغريدته كانت عامة وشاملة، وأشار إلى أنَّ زيارته للوزارة هدفت إلى تفادي أيِّ سوءِ فَهمٍ مُحتَمَل بين البلدين. وقد أتى الاستدعاء في ظلِّ تصاعُد المواقف السياسية حول مسالة حصر السلاح بيد الدولة، علمً أنَّ الرئيس عون قد أكّدَ مرارًا وتكرارًا أنَّ قرارَ حصر السلاح بيد الدولة قد تمَّ اتخاذه، وسيعتمد التنفيذ على توفّر الظروف السياسية المناسبة.

يُعتَبَرُ هذا الاستدعاء خطوةً ديبلوماسية نادرة من قبل وزارة الخارجية اللبنانية تجاه سفيرٍ إيراني، مما يعكس حرص الحكومة اللبنانية الحالية على التأكيد على مَبدَإِ السيادة ورفض التدخُّل الخارجي في الشؤون اللبنانية.

والسؤال هنا: ماهي الحالات التي يُستدعى بها أي سفير أجنبي إلى وزارة خارجية أيِّ بلدٍ كان؟

١- الحالات التي يُستدعى بها السفير وفق اتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية:

لم تُحدّد اتفاقية فيينا مصطلح “استدعاء السفير” ولكن، هناك أسباب عدة تؤدّي الى استدعاء السفير ومنها:

أ- استدعاءٌ للتشاور:

يُستدعى السفير للتشاور عندما تكون هناك أزمة أو توتُّرٌ سياسي بين البلدين، ويكون الغرض عادةً هو مراجعة العلاقات مع الدولة المضيفة، والنظر في اتخاذ الخطوات التالية. ويُعتَبَرُ الاستدعاء للتشاور خطوة ديبلوماسية قبل أيِّ تصعيدٍ في العلاقات بين بلدين.

ب- الاحتجاج الرسمي (Formal Protest)

تلجأ الدولة الموفدة إلى الاحتجاج الرسمي، عندما تقوم الدولة المضيفة بتصرّفات تُعتَبَرُ مسيئة أو معادية، مثل الاعتداء على بعثةٍ ديبلوماسية أو تدخُّل مباشر في الشؤون الداخلية سواء من الناحية السياسية أو تزويد إحدى الجهات المحلية بالسلاح، أو أن تقوم الدولة المضيفة بخرق إتفاقية فيينا، مثل عدم حماية البعثة الديبلوماسية وترك المتظاهرين أو المتعاونين مع السلطة بالاعتداء على حرمة السفارة، أو التشويش المباشر على عمل الديبلوماسيين. على صعيد آخر تسحب الدولة الموفدة سفيرها من الدولة المضيفة، في الحالات القصوى وذلك تمهيدًا لقطع العلاقات الديبلوماسية.

ج- نتائج استدعاء السفير على العلاقات الدبلوماسية:

يعتبر استدعاء السفير عادة ، كمؤشر على وجود ازمة دبلوماسية بين البلدين. وقد يؤدي الى تجميد او تقليص العلاقات، وقد يكون الاستدعاء يهدف الى تهدئة الامور، عبر المشاورات الثنائية، وقد يكون مقدمة لتصعيد دبلوماسي اكثر، مثل سحب السفير والابقاء على القائم بالاعمال.

وقد يؤدي استدعاء السفير الى بلاده في بعض الاحيان، الى فرض عقوبات اقتصادية او تجميد اتفاقيات. يمثل استدعاء السفير مبادرة دبلوماسية مهمة ورسالة قوية للرأي العام في الدولتين، وحتى في حالة لم تقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

د- الحالة القصوى في تدهور العلاقات: الإعلان عن أنَّ السفير او الديبلوماسي شخصٌ غير مرغوب فيه (Persona non Grata)

عندما تتدهور العلاقات بين الدولة الموفدة والدولة المضيفة ، تلجأ الدولة المضيفة إلى اعتبار السفير او أحد ديبلوماسي السفارة شخصًا غير مرغوب فيه (persona non grata).

وذلك في حال خالف الديبلوماسي القوانين المحلية، وتدخّل بالشؤون الداخلية، أو تورَّط في عملية تجسُّس، أو قام بأيِّ سلوك غير مقبول. عندها يتمُّ إبلاغُ الدولة المرسلة بأنَّ هذا الشخص (الديبلوماسي) غير مرغوب فيه. حينها يجب أن تقوم الدولة المرسلة بسحب الشخص فورًا، أو ينتهي وضعه الديبلوماسي.

يتمُّ الوصول إلى هذا الإجراء بدونِ شرحِ الأسباب بشكلٍ علني. ويعتبر هذا الإجراء من أشدِّ العقوبات الديبلوماسية، ويؤدّي غالبًا إلى ردِّ فعلٍ مماثل، أي طرد ديبلوماسيين متبادل.

وهنا نذكر مثالٌ: طردت دول أوروبية عدة ديبلوماسيين روس في العام 2018 بعد قضية تسميم العميل الروسي السابق المنشق سيرغي سكريبال في بريطانيا.

هـ- أمثلة على استدعاء السفراء بين الدول:

يؤدّي توتُّر العلاقات بين الدول إلى استدعاء السفراء في الدول المضيفة من دون أن يؤدي ذلك إلى قطع العلاقات الديبلوماسية. نذكر بعض الوقائع على سبيل المثال لا الحصر:

– استدعت السعودية سفيرها في كندا، نايف بن بندر السديري، وطردت السفير الكندي، دينيس هوراك، في العام 2018 بسبب موقف لوزارة الخارجية الكندية تنتقد فيه اعتقال ناشطات سعوديات…

– كما استدعت فرنسا سفيرها لدى تركيا، إيرفيه ماغرو، في العام 2020 بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان المهينة،  بحق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. كما استدعت روسيا سفيرها في واشنطن، أناتولي أنطونوف، في العام 2021 للتشاور بعد تصريح الرئيس الاميركي آنذاك جو بايدن، يقول فيه أن الرئيس الروسي بوتين هو رئيسٌ قاتل. وكذلك استدعت السعودية سفيرها في بيروت وليد البخاري في العام 2021 بعد تصريحات وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي والذي ينتقد فيها المواقف السعودية من حرب اليمن. كما استدعت بريطانيا سفيرها لدى إيران، دومينيك تشيلكوت، في العام 2011 بعد اقتحام السفارة البريطانية في طهران من قبل متظاهرين إيرانيين.

2- لبنان واتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية

مرّ لبنان بأزمات ديبلوماسية كثيرة مع بعض الدول العربية والأجنبية. بدأت في العام 1958 عندما قدّم الرئيس كميل شمعون شكوى ضد الجمهورية العربية المتحدة في الأمم المتحدة وقد تم إرسال مراقبين الى لبنان لمعاينة الوضع. وقد أعلنت الخارجية اللبنانية السفير المصري عبد الحميد غالب شخصًا غير مرغوب فيه، لكن الرئيس فؤاد شهاب لم ينفذ القرار بطرد السفير المصري.

في العام 1994 تمّ قطع العلاقات الديبلوماسية بين لبنان والعراق بعدما أدان القضاء اللبناني أربعة عناصر من جهاز المخابرات العراقية، تستّروا كأعضاء في البعثة الديبلوماسية العراقية المعتمدة آنذاك في بيروت. وقد حكم عليهم بالسجن، علمًا أنه لا يجوز ملاحقة المبعوث الديبلوماسي امام القضاء الجزائي اللبناني بأيِّ جريمةٍ كانت.

وكان على الحكومة اللبنانية أن تطرد اعضاء البعثة الديبلوماسية إلى العراق باعتبارهم “persona non grata” وليس اللجوء إلى سجن الاعضاء الذين يحملون جوازات سفر ديبلوماسية.

تحوّلَ لبنان في العقود الأخيرة ساحةً لخرق الأعراف الديبلوماسية واتفاقية فيينا من عدد كبير من السفراء المعتمدين في لبنان. إلّا أنَّ وزارة الخارجية اللبنانية لم تتحرك بشكلٍ فعّال إزاء هذه المسألة نظرًا لتعقيدات الوضع الداخلي في لبنان وعدم رغبة بيروت في إثارة المشاكل مع الدول المعنية. نذكر بعض تصرّفات السفراء الخارجية من الأعراف الديبلوماسية في الفترة الاخيرة، وذلك على سبيل المثال لا الحصر:

“… أين كنتم لو أنَّ فرنسا لم تحشد جهود المجتمع الدولي لثلاث مرات تجنُّبًا للانهيار الكبير…

أين كنتم لو أنَّ الشركات الفرنسية قلصت اعمالها وتخلّت عن فرص العمل المحليّة”.

يبقى أن الدول القادرة على تطبيق اتفاقية فيينا، هي دول تتمتع بموقع استراتيجي واقتصادي مميز كتركيا والسعودية ومصر والجزائر مثلًا . وبعض دول الخليج فيمكنها استدعاء السفراء أو تجميد العلاقات أو غيرها من التدابير …

أما لبنان والذي يعاني من وضع اقتصادي صعب ووضع سياسي معقّد، فهو، على الأقل في الوقت الحاضر، عاجز أن يُطبّقَ كلّ مندرجات اتفاقية فيينا، مما قد تسبب له تداعيات كبيرة على علاقاته بالدول العربية والأجنبية.

Exit mobile version