مَن يَستَفيدُ من الدولارِ العالمي؟

أندريس فيلاسكو*

يعتقدُ الرئيس دونالد ترامب أنَّ أميركا هي للأميركيين فقط، أما الدولار الأميركي فهو للجميع. لقد غرّدَ قائلًا: إذا ما أقدمت مجموعة دول “بريكس” للاقتصادات الناشئة على إصدارِ عملةٍ جديدة، أو “دعمت أيَّ عملةٍ أخرى لتحلّ محل الدولار الأميركي القوي”، فستُواجِه رسومًا جمركية بنسبة 100%.

يُخالف ستيفن ميران، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين لترامب، هذا الرأي. ففي 7 نيسان (أبريل)، صرّح لمعهد هدسون بأنَّ الاستخدامَ العالمي للدولار “تسبَّبَ في تشوُّهاتٍ مستمرّة في العملة، وساهم، إلى جانب الحواجز التجارية غير العادلة التي تفرضها دول أخرى، في عجزٍ تجاري لا يُحتَمَل”.

ميران ليس الاقتصادي الوحيد من مؤيدي حملة “لنجعل أميركا عظيمة مجددًا” (ماغا) الذي يتبنّى هذا الرأي. فقد كتب مايكل بيتيس، وهو ليس من الإدارة ولكنه مؤثِّرٌ فيها، أخيرًا مقالًا في صحيفة فايننشال تايمز بعنوان “ستكون الولايات المتحدة أفضل حالًا بدون الدولار العالمي”.

إنَّ الطلبَ العالمي على الدولار يزيدُ من قيمته. يعتقدُ ترامب أنَّ هذا أمرٌ جيد، لأنَّ الدولَ القوية يجب أن تمتلكَ عملاتٍ قوية. لكنه أحاطَ نفسه بمستشارين يخشون أن يُضعِفَ الدولار القوي الصناعة الأميركية ويُهجّرَ الوظائف إلى الخارج. مَن هو على حق؟

عندما يستخدمُ الفلبينيون والماليزيون والسعوديون والنيجيريون والكولومبيون، وجميعهم تقريبًا، الدولار للادِّخار والاستثمار، فإنهم يُحافظون على ما وصفه فاليري جيسكار ديستان، عندما كان وزيرًا للمالية في عهد شارل ديغول، بانفعال بأنه “امتيازٌ باهظ” للولايات المتحدة – وليس تكلفة باهظة، كما يعتقد ميران وبيتيس.

تُصدِرُ جميع الحكومات تقريبًا عملاتٍ نقديةً لسداد فواتيرها. يَقبَلُ السكان المحليون الأوراق النقدية مقابل السلع والخدمات. يُطلق الاقتصاديون على هذا النظام الهش اسم “السيجنيور” أي رسوم سك ​​العملة. عندما يفقد الناس ثقتهم بالعملة المحلية ويحاولون التخلص منها -كما حدث في دولٍ من الأرجنتين وفنزويلا إلى السودان وزيمبابوي- ترتفع أسعارُ المستهلك ارتفاعًا هائلًا.

تتميّزُ الولايات المتحدة برغبةِ الناس في كلِّ مكان في امتلاك الدولار الأميركي، ما يجعلها مصدرًا لعوائد سك العملات على مستوى العالم. ويُقدِّرُ مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) أنَّ الأجانبَ يمتلكون أكثر من تريليون دولار، أي ما يعادل 45% من إجمالي العملة المتداولة. وهذا مصدرُ تمويلٍ مُنخفض التكلفة للولايات المتحدة.

تخيّلوا أميركيًا في الخارج يدفع ثمن غرفة فندق بالدولار. بعد عام، يستخدم صاحب الفندق الأجنبي تلك الدولارات لتمويل زيارته الخاصة لأميركا. إذا ارتفعت الأسعار في الولايات المتحدة خلال ذلك العام، فإنَّ ذلك يُعادل قرضًا بفائدة سلبية يحصل عليه الأميركيون من بقية العالم.

وهذه ليست الطريقة الوحيدة التي تحصل بها الولايات المتحدة على أموالٍ رخيصة. ففي جميع أنحاء العالم، تُستَخدَمُ السندات الأميركية، وخصوصًا سندات الخزانة التي تُصدِرها الحكومة الأميركية، كضماناتٍ في المعاملات المالية. وبسبب هذه السهولة، يكون الأجانب على استعدادٍ لامتلاك سندات الخزانة حتى لو كان سعر فائدتها أقل من سعر فائدة السندات الحكومية الأخرى ذات المخاطر والأجل المُماثل (يُطلق الاقتصاديون على هذه الفجوة اسم “العائد المُلائم”).

بنهاية العام 2024، بلغ حجم ديون الأجانب الفيدرالية الأميركية نحو 8,6 تريليونات دولار. وإذا كان دورها كضمانٍ يعني انخفاض سعر الفائدة على الدين الأميركي بنسبة 0.5% عمّا كان عليه لولا ذلك، فإنَّ الأميركيين يدّخرون 43 مليار دولار سنويًا. وهناك المزيد: إذا كان “العائد الملائم” يدفع سعر الفائدة على سندات الخزانة الأميركية إلى ما دون معدل نمو الاقتصاد، فإنَّ الولايات المتحدة تتمتع بميزة إضافية: إذ يمكنها إصدار ديون حكومية بدون الحاجة إلى سدادها.

في خطابه في معهد هدسون، أقرّ ميران بأنَّ “الطلب على الدولار أبقى أسعار الفائدة على اقتراضنا منخفضة”، ثم تجاهل هذه الحقيقة الجوهرية في بقية خطابه. ولم يُفكّر في ميزةٍ أخرى للدولار العالمي: عندما تواجه الولايات المتحدة صعوبات (على سبيل المثال، بعد حرب فيتنام، أو في الأسابيع المضطربة التي أعقبت إعلان ترامب في الثاني من نيسان (أبريل) حربًا جمركية)، تنخفض قيمة الدولار، وينخفض ​​معها عبء الديون الدولارية المستحقّة عليها لبقية العالم. ويتعيّن على الدول الأخرى التي تقترضُ بعملاتها المحلية دفع سعر فائدة يُعوِّضُ عن خطر انخفاض قيمة العملة. أما الولايات المتحدة، فلا تفعل ذلك.

هل يُعتَبَرُ ربحُ أميركا خسارةً للعالم؟ ليس تمامًا. يستفيد الناس حول العالم من امتلاكِ أصولٍ آمنة مُقَوَّمة بالدولار للادخار والاستثمار. لا يوجد اقتصادٌ آخر يستطيع تقديم الخدمة نفسها اليوم.

أوروبا هي البديل الواضح، لكن سوق رأس مالها أكثر تجزئة بكثير من سوق الولايات المتحدة، حيث لم يبدأ الاتحاد الأوروبي (على عكس الدول الأعضاء فرادى) إصدارَ أدوات الدين إلّا في السنوات القليلة الماضية. وتتمتّعُ الصين أيضًا باقتصادٍ كبير، لكنَّ نظامها السياسي الاستبدادي وضوابط رأس المال الواسعة النطاق يعنيان أنَّ العالم غير مُستَعِدٍ للاحتفاظ بالأصول المُقَوَّمة بالرنمينبي.

الدولار عملةٌ عالمية لأنَّ السياسات والمؤسّسات الأميركية كانت تاريخيًا أكثر موثوقية من سياسات ومؤسّسات معظم الدول الأخرى. إذا كان اقتصاديو “ماغا” (MAGA) يعتقدون أنَّ هذه مشكلة، فإنَّ رئيسهم لديه حل جاهز. بفَرضِ رسومٍ جمركية تنتهك المعاهدات الدولية، والتكهّنات بغزو حلفاء مثل كندا والدانمارك (للسيطرة على غرينلاند)، وتجاهُل أحكام المحاكم، والتهديد بالسعي إلى ولاية ثالثة محظورة دستوريًا، فإنَّ ترامب يجعل الولايات المتحدة تبدو أشبهَ بدولٍ ضعيفةِ العملة وعاليةِ التضخُّم.

كان رَدُّ فعلِ العالم على رسوم ترامب الجمركية في “يوم التحرير” واضحًا: فَقَدَ الدولار ما يقرب من 7% من قيمته مقابل اليورو، بينما ارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية لعشر سنين بنحو نصف نقطة مئوية. كما انخفضت عملاتُ الدول الناشئة والنامية، لأنَّ الرسوم الجمركية المُرتفعة وتباطؤ الاقتصاد العالمي يُضعفان آفاقَ نموّها.

ليس من السهل وضع سياسة تضرُّ بالجميع تقريبًا، لكن اقتصاديي “ماغا” نجحوا في تحقيق هذا الإنجاز. إذا انحدرَ الدولار العالمي نتيجةً لذلك، فسيكون له الكثير من الحزانى والمُعزّين.

Exit mobile version