ماذا لو امتلكت إيران السلاح النووي؟

كابي طبراني*

اختُتِمَت بنجاحٍ الجولة الثانية من المحادثات الإيرانية-الأميركية التي عُقدت في 19 نيسان (أبريل) في إيطاليا. استضافت السفارة العُمانية في روما المحادثات، التي استمرّت ضعفَ مدة تلك التي عُقدت في مسقط في 12 نيسان (أبريل). والأهم من ذلك، أنَّ إيران والولايات المتحدة اتفقتا على جولةٍ ثالثة من المحادثات التي ستُعقَد في عُمان في 26 نيسان (أبريل). وسيُعقد قبل هذه الجولة الثالثة في اليوم نفسه اجتماعٌ لخبراءٍ من كلا البلدين لمُناقشةِ خفض التصعيد النووي، وتخصيب اليورانيوم، وآليات التحقّق، ورفع العقوبات الاقتصادية.

وأعلنت وزارة الخارجية العُمانية في بيانٍ لها أنَّ الجانبين اتفقا على ضمانِ “خلوِّ إيران تمامًا من الأسلحة النووية والعقوبات، والحفاظ على قدرتها على تطوير الطاقة النووية السلمية”.

سبقَ هذه الجولة الثانية خطابٌ حادٌّ من كلا الجانبين. فقد بدّدَ المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، آمالَ نجاح المحادثات، بينما طلب المبعوث الخاص للرئيس دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، من إيران “تفكيك” برنامجها النووي الذي تعتبره أميركا خطًّا أحمر.

مع ذلك، لم تَصل المحادثات إلى طريقٍ مسدود. فمن الشائع أن يَتّخِذَ المفاوضون مواقفَ مُتطرِّفة لتهدئة مختلف التيارات والأطراف قبل حتى الجلوس حول طاولة المفاوضات. وقد تحدّت الجولة الأولى من المحادثات الإيرانية-الأميركية التوقُّعات القاتمة بالفعل عندما عُقِدَت بنجاح في 12 نيسان (أبريل) في مسقط. وقد رحّبَ المُضيف، السيد بدر البوسعيدي، وزير الخارجية العُماني، بالوفدَين الإيراني والأميركي في مقرِّ إقامته دالًّا على كرم الضيافة العربي العريق.

لسنا هنا على وشَكِ الوصول إلى عالمٍ خالٍ من الأسلحة النووية، وقد لا يتحقّق هذا الهدفُ أبدًا. وبينما يُعَدُّ هذا الأمرُ مُقلقًا بما فيه الكفاية، إلّا أنَّ هناكَ قلقًا جديدًا: إنَّ العالمَ على وَشكِ السير في الاتجاه المعاكس. ورُغمَ أنَّ الأسبوعين الفائتين شهدا استئناف المحادثات بين واشنطن وطهران لمَنعِ الأخيرة من تطويرِ سلاحٍ نووي، إلّا أنَّ نجاحَ هذه المحادثات ليس مؤكدًا رُغمَ التصريحات المتفائلة التي صدرت بعد الجولة الثانية من المفاوضات. في نهاية المطاف، كانت إدارة ترامب الأولى هي التي أنهت الاتفاق النووي الإيراني الأصلي، الذي وُقِّعَ في العام 2015.

لكن إيران ليست هي مصدر القلق الرئيس في هذا العالم الجديد المليء بمخاطر الانتشار النووي. فالدول التي كانت تحتَ المظلّة النووية الأميركية لفترةٍ طويلة، من اليابان إلى بولندا إلى كوريا الجنوبية وألمانيا، تَدرُسُ جميعها تطويرَ أسلحتها النووية الخاصة. إنَّ إعادة انتخاب ترامب وإصرار إدارته على أن يَبذُلَ حلفاء الولايات المتحدة القدامى المزيد من الجهود لكي يستحقّون دفاع واشنطن عنهم بينما تبذل الولايات المتحدة جهودًا أقل، يدفع هذه الدول إلى التشكيك في التزام أميركا بأمنها. وكما أشار وزير خارجية كوريا الجنوبية، تشو تاي يول، أخيرًا، فإنَّ سيول تَدرُسُ بالفعل “الخطة البديلة” النووية في ضوءِ عدم القدرة على التنبؤ بالاعتماد على الردع النووي الأميركي.

يُحاولُ بعضُ القوى النووية القائمة ملءَ الفراغِ وتقديم الطمأنينة لحلفائها غير النوويين. عرضت فرنسا وبريطانيا، وهما حليفان نوويان آخران في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مظلّتهما النووية للحلولِ محلّ المظلة الأميركية في أوروبا. ولكن من وجهةِ نظرِ دولٍ مثل ألمانيا وبولندا، قد يؤدي ذلك ببساطة إلى استبدال حليفٍ نووي متذبذب وغير موثوق بآخر. قد يَعرُضُ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون “حماية حلفائنا في القارة الأوروبية من خلال ردعنا (النووي)”، ولكن هل سيسمح بالفعل باستخدام القنبلة عندما يكون من الممكن أن تصلَ تداعياتها إلى الأراضي الفرنسية؟ بالنسبة إلى الدول غير النووية، يبدو الاعتماد على الذات هو الخيار الأكثر أمانًا.

الواقع أنَّ احتمالَ تزايُدِ عدد الدول النووية فجأةً يأتي في أسوَإِ الأوقات. كانَ العالم أصلًا مُتَوَتّرًا بالنسبة إلى احتمالِ استخدامِ الأسلحة النووية في الصراعات لأول مرة منذ 80 عامًا، ويعود ذلك إلى حدٍّ كبيرٍ إلى تلويح روسيا بسيفها النووي. سواءً بتأهّبها لأسلحتها أو بمراجعة عقيدتها النووية لزيادة احتمالية استخدامها، فإنَّ تصرفات موسكو تُثير قلق العالم. حتى لو لم تلجأ روسيا إلى استخدام أسلحة نووية استراتيجية كبيرة ضد المراكز السكانية في أوكرانيا أو أحد حلفاء “الناتو”، فقد ثارَ قلقٌ من استخدامها سلاحًا نوويًا “تكتيكيًا” أصغر حجمًا في ساحة المعركة ضد القوات الأوكرانية. يبدو أنَّ العالمَ قد يشهد قريبًا مجموعةً من الدول التي تُحضِّرُ الزناد إستعدادًا لإطلاق أسلحتها النووية.

ومع ذلك، من الممكن أيضًا أن يكونَ الوقتُ الحالي هو الأمثل لنشهدَ انتشارًا للدول التي في حوزتها أسلحة نووية. قد لا يُحدِثُ الانتشارُ تغييرًا كبيرًا على الإطلاق، بل قد يُسهِم في الاستقرار.

إذا سعت الدول إلى امتلاكِ القنبلة النووية لأمنها، وتحديدًا لأنَّ الردعَ النووي الأميركي الذي اعتمدت عليه طويلًا لم يَعُد فعّالًا، فهل يُفتَرَضُ أن يكونَ ذلك مدعاةً للقلق؟ في حين يكاد يكون من المستحيل معرفة ما إذا كان الردعُ النووي سيصمد، فمن الواضح أيضًا أنَّ الدول التي تُطوّرُ القنبلة حديثًا تفعل ذلك بدافع الحاجة إلى ردع العدوان، لا إلى تعزيزه.

في الواقع، هذا هو بالضبط ما دفع الباحث السياسي الأميركي البارز وأحد المؤسّسين الأصليين للواقعية الجديدة، أو الواقعية البنيوية، في نظرية العلاقات الدولية، كينيث والتز، إلى القول بأنَّ الانتشارَ النووي سيكونُ في الواقع إيجابيًا خالصًا للبشرية. استندَ منطقه إلى فكرةِ أنَّ الأسلحةَ النووية هي أسلحةٌ دفاعية إلى حدٍّ كبير: فنظرًا لقدرتها التدميرية، تميلُ الدول إلى استخدامها فقط لأغراضِ العقاب لأنها تجعلُ الأراضي التي تُستخدَمُ فيها غير صالحة للسكن. رأى والتز أنَّ الأسلحة الدفاعية تُسهِمُ في الاستقرار، وبالتالي، فإنَّ سباقات التسلُّح التي تنطوي على أسلحةٍ دفاعية لا ينبغي أن تكونَ مصدرَ قلقٍ كبير، بل ينبغي تشجيعها بالفعل. كلما زادت قدرة الدول على رَدعِ العدوان من خلال التهديد بردٍّ انتقامي شامل باستخدام الأسلحة النووية، زادَ احتمالُ صمود الردع. يؤدّي هذا إلى مفارقة: فبينما يُعَدُّ السلاح النووي الفردي خطيرًا للغاية، فإنَّ عالمًا مليئًا بالأسلحة النووية هو أكثر استقرارًا وسلامًا من عالمٍ خالٍ منها. ويرى والتز أنَّ ازديادَ الأسلحة النووية أمرٌ ينبغي الترحيب به، لا الخوف منه.

وقد دَعَمَ هذا المنطقُ تَوصيةَ العالم السياسي الأميركي والباحث في العلاقات الدولية، جون ميرشايمر، في العام 1993، التي دعت  أوكرانيا بأن تحتفظَ بالكمية الكبيرة من الأسلحة النووية التي ورثتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وبينما لم تمتلك أوكرانيا القدرة على إطلاق تلك الأسلحة فورًا، إلّا أنه كان من الممكن تطوير تلك القدرة، وكانت ُتمثّلُ عقبةً تكنولوجية أقل صعوبة من إنتاج الأسلحة نفسها. كان امتلاك الرؤوس الحربية سيمنح أوكرانيا ورقةَ مساومةٍ افتقرت إليها لاحقًا عندما بدأت روسيا توغّلاتها العدوانية ضدها في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وبالمثل، لننظر إلى حرب العراق في العام 2003. كان المُبرّرُ الظاهري للحرب، كما جادلت إدارة الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش (الإبن)، هو منعَ العراق من تطويرِ سلاحٍ نووي، وهو أمرٌ كاد أن يُحققه في أوائل التسعينيات. لو كان العراق حصل بالفعل على قنبلة، فهل كانت الولايات المتحدة ستقود غزوًا للبلاد؟ بالطبع، كان الخوف هو أنَّ صدام حسين سيكون أكثر ميلًا من معظم القادة لاستخدام مثل هذا السلاح. لكن من المرجح أيضًا أنه كان سيُدرِكُ أن نشره كان سيدفعُ دولًا في المنطقة، مثل إسرائيل، أو خارجها، مثل الولايات المتحدة، إلى الردِّ بطريقة كانت ستؤدي إلى تدمير بلاده وسقوط نظامه.

وبالطبع، حتى لو امتلكت جميع الدول أسلحة نووية، فإنَّ الخوفَ من أن تكونَ دولةَ “الضربة الثانية”، وبالتالي تحمُّل وطأة تبادُلٍ نووي مدمّرٍ للطرفين، قد يدفع الدول إلى البدء بإطلاق الصواريخ حتى لو كانت لديها نوايا دفاعية. ولهذا السبب، كان منع الانتشار النووي عنصرًا أساسيًا في السياسة الخارجية الأميركية منذ أن طوّرت لأول مرة سلاحًا نوويًا في العام 1945.

مع ذلك، من الممكن ألّا يكون الانتشار النووي أمرًا سيئًا. وكما كتب خبراءٌ في هذا المجال بشأن سعي الإيرانيين إلى امتلاك سلاح نووي، “قد يكون من الأفضل تركهم يمتلكونه ثم التعايُش معه”. وبينما قد يبدو هذا وكأنه دعوةٌ لقبولِ نتيجةٍ سيئة، فمن المُمكن أن تكون الحروب بين القوى العظمى، بل وحتى حروب القوى العظمى ضد الآخرين، أقل احتمالًا في عالم خالٍ من الأسلحة النووية. ورُغمَ أن جوائز نوبل للسلام لا تُمنَحُ عادةً لمن يشجّعون الانتشار النووي، فمن المحتمل جدًا أنَّ دونالد ترامب، بطريقةٍ غير مقصودة ومثيرة للسخرية، قد يجعل العالم أكثر سلامًا من خلال اتّباعِ سياساتٍ تدفعُ المزيدَ من الدول إلى امتلاك القنبلة، ومنها إيران.

Exit mobile version