طهران: نَحنُ أصحابُ السِلاحِ نَحنُ أصحابُ القرار

محمّد قوّاص*

أشادَ السفير الإيراني في السعودية، علي رضا عنايتي، بالزيارة التي قام بها أخيرًا وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان، إلى طهران. اعتَبَرَ الزبارة “مهمّة” وتُشَكّلُ “انطلاقةً جديدة في العلاقات السعودية-الإيرانية”، كاشفًا بأنَّ “المسؤولين الإيرانيين يُشدّدون على أهمية العلاقات التي تجمعهم بالسعودية”. تخالُ في ذلك التصريح أنَّ إيران قرّرت أن تتغيّر فتُثمّن مبادرة المملكة، وتُقدّر اليدّ الممدودة، وتحترم أصول الجيرة وقواعدها.
بالمقابل، فإنَّ السفير الإيراني في بيروت، مجتبى اماني، ينهلُ من إناءٍ آخر، وربما من خارج الكوكب. توحي تصريحاته في بيروت بأنه تلقّى من طهران أجواءً، وربما تعليمات أخرى، تُفسّرُ “فتواه” بشأن سعيّ العهد لحصرية السلاح بيد الدولة في لبنان. اعتبرَ أنَّ “مشروعَ نزع السلاح مؤامرة”، مُحذّرًا من الوقوع في فخِّ الأعداء. دَوَّن سعادته على منصة “إكس” منشورًا رأى فيه أنَّ ذلك المشروع “مؤامرة واضحة ضد الدول. فبينما تواصل الولايات المتحدة تزويد الكيان الصهيوني بأحدث الأسلحة والصواريخ، تمنع الدول من تسليح وتعزيز جيوشها، وتضغط على دولٍ أخرى بحججٍ مختلفة لتقليص أو تدمير ترساناتها”.

ولأن رئيس الجمهورية اللبنانية جوزيف عون وحكومة نواف سلام وبيانها الوزاري لا يفقهون كل العلم و”غابت عنهم أشياء”، فإنَّ السفير شرح للبنان أنه “عندما تستسلم هذه الدول لمطالب نزع السلاح، تُصبحُ عُرضةً للهجوم والاحتلال، كما حدث في العراق وليبيا وسوريا”. ثم أشار إلى غيرة بلاده على سلامة لبنان، مُعتبرًا أنَّ إيران وحدها (من بين بلدان العالم) “تُدرِكُ خطورة هذه المؤامرة وتهديدها لأمن شعوب المنطقة”، فحذّر من: “الوقوع في فخِّ الأعداء”.
قد يُمكنُ الجزمُ بأنَّ الرياض قبل بيروت يُقلقها ما صدرَ عن سفير إيران في لبنان أكثر من ارتياحها إلى ما أدلى به سفير الوليّ الفقيه في السعودية. وفيما تُرسِلُ طهران من بغداد، إلى واشنطن بالذات، إشاراتَ تودُّدٍ تستجيبُ لضغوط وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، وتهديداته، فتعمل على ضبط الفصائل الموالية لها هناك وتُسَرِّبُ “وصايا” بهذا الاتجاه يحملها اسماعيل قآاني، قائد الحرس الإيراني في جولاته العراقية، فإنَّ طهران نفسها، ومن خلال سفير، يُفتَرَضُ أنه يتلقى التوجيهات من وزير الخارجية، عباس عراقجي، الذي يفاوض الأميركيين، يُطلقُ من بيروت موقفًا لا يمكن وصفه إلّا بالسلبي وحتى العدائي ضد عهدٍ جديد في لبنان وعد منذ اليوم الأول بحصرية السلاح في يدِ الدولة.
قد يُمكنُ اعتبار “فعلة” السفير تدخُّلًا في شؤون لبنان وجدل اللبنانيين. لا بل إنَّ اجتهاداته تمدّ سقفًا راعيًا فوق كلِّ ما صدرَ أخيرًا عن عددٍ من قيادات “حزب الله” بالتأكيد على أنَّ لا “وجود لنزع السلاح” تارةً، وب”قطع اليدّ” التي قد تمسّه تارةً أخرى، وصولًا إلى ما يشبه هذا وذاك في الإطلالة الأخيرة للأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم. بدا أنَّ السفير الإيراني لا ينطق عن هوى أو من خارج السياق، بل يُتَمِّمُ أجواءً صادرة عن الجمهورية الإسلامية تُفسّرُ “استفاقة” متصاعدة ضد وعد الرئيس اللبناني وتعهُّد بيان حكومة بيروت.
لا تتردّد منابر طهران الرسمية في تأكيدٍ مُملّ بأنَّ لا أذرعَ لها في المنطقة، أو على الأقل ليست تابعة لها، وأنَّ قرارَ “حزب الله” في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن وفصائل “المقاومة” في العراق هي كيانات مستقلة ذات سيادة على قرارها. وحتى لا يبالغ اللبنانيون في تصديق ذلك، فإنَّ السفير الإيراني يُعيدُ تذكيرَ مَن يهمّه الأمر بمقولة الأمين العام للحزب الراحل السيد حسن نصر الله بأنَّ “مال الحزب ورواتب أعضائه وسلاحه هو من الجمهورية الإسلامية في إيران”. وطالما أنَّ إيران مالكةُ السلاح فإنَّ مصيرَ ذلك السلاح كما قراره يُهندَسان في إيران، وهذا في المناسبة من عدّة الشغل لمساومات تحتاجها طاولة المفاوضات الراهنة مع واشنطن.
تُعلِنُ إيران رسميًا وعلنًا وبوضوح ما لا يريد أن يفهمه أوليّ الأمر المطالبين بتسليم سلاح الحزب للدولة. مرّرت طهران في الأيام الأخيرة رسائل حملها مسؤولو الحزب مفادها أنَّ لا مجالَ لنقاش السلاح بتفاهمات محلية توحي بها دعوة الرئيس عون لحوارٍ ثُنائي. كلفت طهران سفيرها لنقل رسالة رسمية طالما أنها صادرة عن ممثل الدولة في بيروت، بأنه لحلِّ هذه المسألة “تكلموا معنا فنحن أصحاب القرار”. في الرسالة أيضًا ما يوحي باستجداء واشنطن للاعتراف لطهران بنفوذ يندثر في لبنان وما يفيد أنَّ المشاعر الودودة في طهران في استقبال الوزير السعودي لا تجد لها مرادفًا في بيروت.

Exit mobile version