مع هبوط أسعار النفط، ما هي خيارات المملكة العربية السعودية؟

من المتوقع أن يؤدي انخفاض سعر النفط بمقدار 10 دولارات للبرميل، كما حدث في الأسبوع الفائت، إلى إضافة حوالي 3 نقاط مئوية إلى عجز الموازنة في المملكة العربية السعودية.

وزير المالية السعودي محمد الجدعان: تركيز المملكة ينصبُّ الآن على رفع الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.

راغب الشيباني*

مع انخفاضِ أسعار النفط العالمية إلى أدنى مستوى لها في أربع سنوات خلال الأسبوع الفائت، قد تُجبَرُ المملكة العربية السعودية -التي تعتمد بشكلٍ كبير على عائدات النفط لموازنة ميزانيتها وتمويل خطتها الضخمة للتحوُّل الاقتصادي- على تشديدِ سياستها المالية بشكلٍ أكبر أو اللجوء إلى سوق الديون؛ أو قد تلجأ إلى فرض ضرائب جديدة.

أدّى احتمالُ نشوب حربٍ تجارية بين الولايات المتحدة والصين وعواقبها الوخيمة على الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى الزيادة غير المُتَوَقَّعة في الإنتاج من قبل أعضاء “أوبك+” في الأسابيع الأولى من نيسان (أبريل)، إلى انخفاض أسعار النفط. بالإضافة إلى ذلك، خفّضت وكالة الطاقة الدولية توقّعات نمو الطلب على النفط بشكلٍ كبير للعامَين 2025 و2026. وخسرَ كلٌّ من خام برنت، وهو المعيار الرئيس لمنتجي الشرق الأوسط، وخام غرب تكساس الوسيط الأميركي حوالي 10 دولارات منذ بداية الشهر. تعافى خام برنت قليلًا منذ ذلك الحين، وكان يُتداوَل عند حوالي 66 دولارًا للبرميل يوم الخميس الفائت.

ويتوقع مصرف “غولدمان ساكس” الآن أن يبلغ متوسّط ​​سعر خام برنت 63 دولارًا للفترة المتبقية من العام 2025، بينما توقعت شركة “مراقب الأعمال الدولي” (Business Monitor International) التابعة ل”فيتش” أن يبلغ متوسط ​​سعره 68 دولارًا.

كما يُثقِلُ كاهلُ المالية العامة للحكومة توجيهات شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو)، المدعومة من الدولة، بخفض توزيعات أرباحها إلى حوالي 85 مليار دولار أميركي في العام 2025، مقارنةً بـ124 مليار دولار أميركي في العام الماضي.

تحتاج المملكة العربية السعودية إلى سعر نفط يتجاوز 90 دولارًا أميركيًا للبرميل لموازنة ميزانيتها، وفقًا لصندوق النقد الدولي. وبينما تُعاني الحكومة بالفعل من عجزٍ في الحساب الجاري والحساب المالي، تتوقع وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن يتسع العجز المالي إلى 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2025، بناءً على متوسط ​​سعر خام برنت عند 70 دولارًا أميركيًا، وانخفاض توزيعات أرباح أرامكو.

وفي حال ثبات جميع العوامل الأخرى، قال بول غامبل، المدير الأول لشؤون السندات السيادية في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني: “إنَّ انخفاضَ سعر النفط بمقدار 10 دولارات أميركية للبرميل سيُضيفُ حوالي 3 نقاط مئوية إلى عجز الموازنة”.

وقال إدوارد بيل، رئيس مجموعة الأبحاث بالإنابة وكبير الاقتصاديين في بنك الإمارات دبي الوطني: “قبل موجة البيع التي بدأت في نيسان (أبريل)، كنا نتوقع بالفعل عجزًا ماليًا للمملكة العربية السعودية في العام 2025، ومع استقرار أسعار النفط عند مستويات منخفضة لبقية هذا العام، نتوقع الآن أن يتسع العجز المالي”.

النمو غير النفطي

كان من المتوقع أن يأتي معظم النمو في المملكة من القطاع غير النفطي هذا العام، والذي ارتفع بنسبة 4.3% في العام 2024 متجاوزًا نمو الناتج المحلي الإجمالي البالغ 1.3%. وبينما أكّدَ وزير المالية السعودي محمد الجدعان أنَّ تركيز المملكة ينصبُّ الآن على رفع الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي، فإنَّ أيَّ إجراءٍ في السياسة المالية لكبح الإنفاق العام قد يُكبِحُ نمو القطاع غير النفطي أيضًا.

وقال بيل: “ظلَّ النموُّ غير النفطي قويًا حتى الآن هذا العام، ولا يزال هناك تدفُّقٌ قوي للطلبات الجديدة في السوق المحلية لعام 2025. وقد يتباطأ الإنفاق الحكومي في وقتٍ لاحق من العام وحتى العام 2026، مما يُبطئ وتيرة نمو الاقتصاد الكلّي”.

وأفادت تقارير عدة أنَّ صندوقَ الثروة السيادية السعودي، صندوق الاستثمارات العامة، الذي يقود برنامج التحوُّل الاقتصادي في البلاد، قد قلّص أو أعاد ضبط بعض المشاريع الضخمة الأكثر أهمية. وتُفيدُ التقارير بأنَّ الشركات التي تعاقدت على بناء مشروع نيوم، مشروع البحر الأحمر التنموي الذي يُعدّ حجر الزاوية في رؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030، قد خفّضت ميزانياتها وسرّحت موظفيها في إطار إعادة هيكلة الإنفاق. إلّا أنَّ الملاعب والصالات الرياضية التي من المتوقع أن تستضيف فعاليات رياضية دولية مرموقة، مثل كأس العالم لكرة القدم ودورة الألعاب الآسيوية الشتوية، أصبحت في مقدمة قائمة المشاريع.

قال بيل: “العديد من المشاريع التي التزمت بها المملكة العربية السعودية لها جداول زمنية مفروضة خارجيًا، مثل دورة الألعاب الآسيوية الشتوية في العام 2029؛ ومعرض إكسبو 2030، الذي سيُقام في الرياض؛ أو نهائيات كأس العالم لكرة القدم، التي ستُقام في العام 2034. وستشمل المشاريع المتعلقة بهذه الأحداث الخدمات اللوجستية، وأماكن الفعاليات، والضيافة، والبنية التحتية، ومن المتوقع الحفاظ على هذا الإنفاق. وقد تواجه مشاريع أخرى بعض الإطالة في الجداول الزمنية أو تقليص حجم التسليم الأوّلي”.

سوق الدين

قد تُكثّف المملكة العربية السعودية، التي أعلنت عن خطط لجمع 37 مليار دولار هذا العام من الأسواق المحلية والعالمية لتمويل عجز الميزانية، الاقتراض في ظل سيناريو انخفاض أسعار النفط. وكان من المفيد أن تَرفع وكالة موديز لخدمات المستثمرين تصنيفها السيادي من A1 إلى Aa3 في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بناءً على الزخم الإيجابي في برنامج التنويع الاقتصادي.

ومع ذلك، جاء هذا الرفع مصحوبًا بتحذير. وأشارت موديز إلى أنَّ “الانخفاض الكبير في أسعار النفط أو إنتاجه قد يؤدي إلى تكثيف التناقض بين التقدُّم في التنوُّع الاقتصادي والحكمة المالية، مما قد يؤدي إلى إضعاف الميزانية السيادية”.

قال بيل من بنك الإمارات دبي الوطني إنَّ المملكة العربية السعودية تتمتّع بإمكانية وصول قوية إلى الأسواق المالية، و”نتوقع أن تستمر في جمع الديون بالعملتين المحلية والأجنبية للمساعدة على الحفاظ على التزامات الإنفاق. وتُعتبر نسبة الدين العام الإجمالي إلى الناتج المحلي الإجمالي منخفضة نسبيًا مقارنة بالاقتصادات ذات الحجم المماثل، حيث تُقدر وزارة المالية الدين بنحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2024″.

ووفقًا لحكمت المتبولي، كبير الاقتصاديين في بنك الاستثمار المصري “سي آي كابيتال”، فإنَّ الدين العام المُتَحَكَّم فيه سيُمكِّن من استمرار الاقتراض، ليرتفع إلى 35% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2025 مقابل 30% في العام الماضي. وأضاف: “يُمثّلُ ضعف الدولار الأميركي المُستمر جانبًا إيجابيًا لأنشطة الاقتراض (من خلال تخفيف الضغط على ربط العملة بسبب ارتفاع تكاليف الاقتراض لفتراتٍ أطول)”.

ووفقًا لبيانات بورصة لندن، جمعت المملكة 14.1 مليار دولار أميركي من إصدارَين لسندات اليورو حتى تاريخه.

ضرائب جديدة

يعتقد جيمس سوانستون، من شركة كابيتال إيكونوميكس الاستشارية ومقرها لندن، أنَّ “تخفيضات الإنفاق الرأسمالي ستكون أول ما سيلجأ إليه السعوديون”. وأضاف في مذكرة صدرت أخيرًا: “لكن قد تُبذَلُ أيضًا جهودٌ جديدة لزيادة الإيرادات غير النفطية، وربما فرض ضرائب جديدة، مثل ضرائب العقارات أو الدخل الشخصي”.

ووافق غامبل بأنَّ فرض ضرائب جديدة أمرٌ وارد. وأضاف: “لقد وسّعت المملكة العربية السعودية نطاق أدواتها لزيادة الإيرادات في السنوات الأخيرة، لكن فرض ضرائب جديدة في أيِّ مكانٍ يتطلّب تحضيرًا جيدًا. وهناك خيارٌ آخر أمام السلطات يتمثّلُ في تغيير معدلات الضرائب الحالية”.

في ظلِّ عدم وجودِ حلٍّ سهل في متناول اليد، يتعيّن على المملكة العربية السعودية التعامل مع مشهدٍ اقتصادي مُعَقّد، وتحقيق التوازن بين الاحتياجات المالية الفورية والأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل. وستكون قدرة المملكة على التكيُّف مع هذه التحدّيات أمرًا بالغ الأهمية في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي وتحقيق أهداف رؤيتها 2030.

Exit mobile version