تَعريفاتُ ترامب هَزّت العالم وأضرَّت أميركا!

هدى الحسيني*

أحدثَ قرارُ الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفعِ التعريفات الجمركية على الدول المُصَدِّرة للولايات المتحدة هزّةً كبيرةً في الأسواق والبورصات العالمية، إلّا أَّن تراجُعَه عن قراره أحدثَ هزّةً أخرى لا تقلُّ عن الهزّة الأولى. لقد اختلَّ التوازن العالمي بما حصل، فالدولة الأقوى في العالم التي تحكّمت في مصير وقرارات دول وشعوب بقواها العسكرية، وأيضًا بقوة اقتصادها، أصبحت عملتها، أي الدولار، الذي هو عملة الاحتياط الأولى لدى الدول والعملة الرئيسة للتجارة الدولية، موضع شك وعدم ثقة.

فمع إعلان ترامب فرض التعريفات الجمركية تراجع مؤشر “داو جونز” وانخفضت بورصة الأسهم في نيويورك، وتمَّ تسجيلُ خسائر عالمية فاقت قيمتها عشرة تريليونات دولار. إنما ما لم يَكُن في حسبان الرئيس ومستشاريه هو الحجم الكبير لعمليات بيع سندات الخزانة الأميركية التي أقدم عليها حاملوها خوفًا من انحسارٍ اقتصادي بسبب التعريفات، وهذا ما أجبر الخزانة الأميركية على شراء السندات لإعادة الثقة والاستقرار إلى الأسواق، وبالتالي أدّى إلى زيادة الدين العام الذي فاق 36 تريليون دولار بعكس الهدف من وراء التعريفات. وفي هذه الأجواء المضطربة أعلن ترامب تأجيل فرض التعريفات التي تفوق الـ10 في المئة، فاستردّت الأسواق كثيرًا من خساراتها، وانتشرت على مواقع التواصل اتهامات بتحكم الرئيس في الأسواق لتحقيق أرباح طائلة له وللمُقرَّبين.

وتذكرتُ حديثي مع الأستاذ المحاضر في جامعة “أكسفورد” قبل أسابيع، فاتصلتُ به لتبيان رأيه في ما حصل والارتدادات التي ستحصل، فقال: “إنَّ الرئيس ترامب كان مُتسرِّعًا في قرار التعريفات، وكان عليه أن يتصرّفَ بهدوءٍ بصفته رجل دولة، ليتشاور مع الدول، كلٌّ على حدة، بدلًا من مفاجأتها باستعراض العضلات على شاشات التلفزيون. فالأرجح أنَّ غالبية الدول كانت ستقبل بحجة عدم قدرة الولايات المتحدة على تحمّل استمرار عدم التوازن التجاري، وكانت ستقبل بردم الهوة تدريجًا بدلًا من خضّة الأسواق والدخول في حربٍ تجارية أصبحت حتمية”. وأكمل: “إنَّ الخطأَ الفادِحَ الذي أقدم عليه هو مفصلي في التاريخ، فثقةُ العالم بالولايات المتحدة قد فُقِدَت، وسيكون من الصعب استعادتها خصوصًا أنَّ هناك منافسًا يتمدّد بهدوء وثقة وقدرات عالية جدًا، وهو الصين التي طرحت قبل فترة (في العام 2015) نظامًا بديلًا من نظام “سويفت” (SWIFT) الغربي-الأميركي للتحويل المالي اسمه “سيبس” (CIPS). وستظهر الأيام والأسابيع المقبلة حجم الأضرار التي قد تلحق بالولايات المتحدة، والمؤشر الأهم هو سعر سندات الخزانة، أي الدين الأميركي الذي جعل ترامب عملية خفضه أولوية”.

وأوضحَ أنه من المعروف “أنَّ السندات الحكومية للولايات المتحدة هي نوعٌ فريد من الأصول المالية، أي خالية من المخاطر، ومطلوبة لدرجة أنها شكّلت منذ فترة طويلة محور أجزاء كثيرة من النظام المالي العالمي. إنَّ الجدارة الائتمانية لواشنطن وقوة أقوى اقتصاد في العالم تجعل السندات والملاحظات الأميركية جذابة للغاية للأجانب، لدرجة أنهم يمتلكون ما يقرب من ثلث الخزانة القائمة. لذا فإن عمليات البيع الأخيرة في هذا القسم من السوق تسببت في وجود مستثمرين لديها على حافة الانهيار. ويقول العملاء في هذا الصدد إنه يمكننا النظر إلى سوق السندات على أنها نذيرٌ بالقلق الاقتصادي، وأنه عندما تتحدث سوق السندات، تتفاعل سوق الأسهم. ويركز المستثمر النموذجي على سوق الأوراق المالية، ولكن مستثمري المؤسسات يتطلعون إلى السندات للحصول على نبض في السوق”.

وشرح: “تتحرك عائدات السندات (المعدلات) والأسعار في اتجاهَيْن متعاكسَيْن، وبالتالي فإن عمليات البيع الأخيرة لها عوائد ترتفع. توجد طريقة أخرى للتفكير في هذه العلاقة: عندما تكون السندات أكثر جاذبية، ترتفع الأسعار، ويكون لدى مُصدّر الدين سببٌ أقل لإغراء المستثمرين من خلال عرض دفع سعر فائدة أعلى لهم. على النقيض من ذلك، في بيئة مثل هذه، سيتعيّن على حكومة الولايات المتحدة -وبالتالي دافعي الضرائب- دفع المزيد”.

ويقول البروفيسور في جامعة “أكسفورد”: “إنَّ أحدَ المخاوف بشأن الهزة الأخيرة هو أنَّ الأسهم والسندات تميلُ إلى التحرُّك في اتجاهَيْن متعاكسَيْن. المستثمرون أكثر عرضةً للتخلّي عن الأسهم عندما يتباطأ الاقتصاد، ويتحوّلون بدلًا من ذلك إلى موثوقية السندات. عندما تتحرك أنواعٌ مختلفة من الأصول جنبًا إلى جنب، فإنها تميلُ إلى الإشارة إلى شق أعمق في الأسواق المالية”.

ويضيف: “إنَّ الردَّ الأولي على إعلان ترامب في 2 نيسان (أبريل) بشأن التعريفات الجمركية كان أكثر تقليدية. والجميع كانوا قلقين بشأن الركود، لذلك تراكم المستثمرون في السندات، مما أدى إلى انخفاض العوائد. ولكن مع استمرار بيع الأسهم أصبحت الأمور فوضوية”.

أما موقف ترامب من الصين فيشرحه البروفيسور بقوله: “دخلت المعركة بين الولايات المتحدة والصين من أجل الهيمنة العالمية أبعادًا مجهولة. في العقود الأخيرة، خفّفت التوترات المتزايدة بين القوتَيْن من خلال الترابط الاقتصادي العميق الذي ساعد على التخفيف من مخاطر التنافس المفتوح، ومن خلال هيكل التحالف العالمي المواتي إلى حد كبير لواشنطن. تتمُّ الآن إعادة تشكيل العاملَيْن المستقرَيْن كليهما بشكل جذري من خلال تصرفات ترامب، مما يدفع المنافسة نحو نموذج جديد يتميّز بزيادة عدم الاستقرار والمخاطر الجديدة”.

Exit mobile version