مطالب واشنطن بنزع سلاح “حزب الله” تُثيرُ قَلَقَ لبنان، لكن عليه التحرُّك فورًا

مايكل يونغ*

في نهاية الأسبوع الفائت ( 4 و5 و6 نيسان/أبريل)، زارت نائبة المبعوث الأميركي الخاص، مورغان أورتاغوس، بيروت، في ثاني زيارة لها منذ انتخاب العماد جوزيف عون رئيسًا للجمهورية. وبينما كانت الزيارة الأولى تهدفُ إلى فَتحِ قنواتٍ للتواصُل مع عون ورئيس الوزراء نوّاف سلام، كانَ للزيارة الأخيرة طابعٌ أكثر صرامة: إذ تريد أورتاغوس من اللبنانيين وَضعَ جدولٍ زمني لنَزعِ سلاح “حزب الله” وتشكيل لجانٍ لحلِّ المسائل العالقة مع إسرائيل.

أثار كلا المَطلَبَين قلقَ اللبنانيين. فنَزعُ سلاح “حزب الله” مُعَقَّدٌ ومحفوفٌ جدًا بالمخاطر، ولا يُمكن أن تتعجّله جهاتٌ خارجية تعمل وفق جدولها السياسي المُلائم. كما إنَّ اللبنانيين يخشون من المحادثات مع إسرائيل التي قد تُوحي بتطبيع العلاقات بين البلدين. وبينما يرغبون في معالجة ثلاث قضايا رئيسة -الحدود المتنازع عليها، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان، والسجناء اللبنانيين المحتجزين في إسرائيل- إلّا أنهم لا يُريدون أن تسمحَ صيغةُ المحادثات لإسرائيل بتصوير هذه المحادثات على أنها خطوةٌ نحو السلام.

تُعَدُّ مسألة سلاح “حزب الله” مسألةً حساسةً بالنسبة إلى لبنان، لا سيما وأنّ رئيس الجمهورية وحكومته قد التزما علنًا بمبدَإِ احتكار الدولة للسلاح. ومع ذلك، فإنّ طريقتهما المُفضّلة لتحقيق ذلك هي الحوار. وقد كرّر عون هذه النقطة أخيرًا في مقابلة مع قناة “فرانس 24″، مُضيفًا أنّ “حزب الله” مُتعاونٌ في مسألة سلاحه.

لم يرضَ المتشددون المُعارضون ل”حزب الله” عن ذكر رئيس الجمهورية للحوار، إذ رَؤوا أن ذلك سيمنح الحزب هامشًا للمناورة لتقويض نزع سلاحه. وبينما قد تكون وجهة نظرهم مبررة نظريًا، إلّا أنه من الصعب تصُّور بديل واقعي للحوار، نظرًا للمخاطر الحقيقية المترتّبة على اتباع أساليب أخرى. (إلّا أنَّ سمير جعجع أعلن خلال حوار مع برنامج “صار الوقت” بأنَّ الرئيس عون أبلغه بأنَّ الحوار سيكون بين قصر بعبدا و”حزب الله” فقط وليس عبر طاولة حوار، الأمر الذي غيّرَ أجواء المعارضين).

لن تُقدِمَ السلطات اللبنانية على اتخاذِ إجراءٍ عسكري لنزع سلاح “حزب الله”، وهو ما قد يراه معظم المواطنين الشيعة هجومًا على طائفتهم. وقد يؤدي ذلك إلى حرب أهلية، وتقسيم الجيش، وإثارة نتائج غير مرغوب فيها على الإطلاق. فعلى الرغم من مزاياه، لا يمتلك الجيش القدرة على القضاء على “حزب الله” بالقوة بسهولة.

علاوةً على ذلك، فإنَّ الدولة التي تُشجّعُ هذا الإجراء، أي الولايات المتحدة، تُعاني من مشاكل في مصداقيتها في بيروت. وبينما يسعى عون إلى الحفاظ على علاقات قوية مع واشنطن، إلّا أنه غير ُمستَعد للقيام بذلك إذا كان ذلك يعني أنَّ الأميركيين يحاولون فرض أجندة إسرائيلية عليه.

ولأورتاغوس نفسها مشاكلها الخاصة في هذا الصدد. عندما زارت بيروت آخر مرة، ارتكبت خطأً بتصريحها في مؤتمر صحافي: “نحن ممتنون لحليفتنا إسرائيل لهزيمة “حزب الله””، غافلةً عن الدمار الذي ألحقته إسرائيل بالبلد الذي استضافها. أحرج هذا التصريح اللبنانيين، لكنه كشف عن استعداد إدارة ترامب للذهاب بعيدًا في تحقيق الأهداف الإسرائيلية في لبنان.

الأمرُ الأكثر شؤمًا هو أنَّ المسؤولين اللبنانيين يدركون أمرَين في تاريخ بلادهم الحديث يفرضان الحذر في ما يتعلق بالمفاوضات مع إسرائيل وتطبيق حل عسكري لمصادرة أسلحة “حزب الله”.

في العامَين 1982 و1983، بدأ اللبنانيون محادثات مع إسرائيل للتوصُّل إلى اتفاق انسحاب بعد حرب الصيف بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية.

أدّت المفاوضات إلى انقسام لبنان بشكلٍ عميق، مما أدّى إلى ما كان ليكون اتفاق سلام لو تمَّ تنفيذه. وكانت النتيجة صراعًا محتدمًا منع الحكومة من التصديق على الاتفاق، فانسحبت الولايات المتحدة بعده من لبنان.

لم يَفهَم الأميركيون آنذاك أنَّ لبنان لا يمكنه توقيع اتفاق سلام بدون إجماعٍ داخلي، وبالتالي فإنَّ فَرضَ الأمر زاد الأمور سوءًا وأدى إلى استئناف الحرب الأهلية. اليوم، يجب إيجاد صيغة لتجنُّب تشويه سمعة عون وسلام، اللذين يعارضان مع ذلك أولويات “حزب الله”.

يدرك عون بشكلٍ خاص حدثًا ثانيًا يجعله أكثر واقعية بشأن نزع سلاح “حزب الله” بالقوة. كان ضابطًا في العام 1990، عندما حاول الجيش، بقيادة ميشال عون آنذاك، نزع سلاح ميليشيا القوات اللبنانية المسيحية. فشلت الحملة فشلًا ذريعًا، رُغمَ أنَّ الجيش كان أقوى من الميليشيا، وأدت إلى دمار شامل، وفي النهاية إلى نفي ميشال عون من البلاد لمدة 14 عامًا.

هل ينوي جوزيف عون تكرار هذه التجربة؟ من المُستَبعَد جدًا، وسيكون خطأً فادحًا إذا حاول هو والحكومة فعل ذلك. حتى الرغبة في الحصول على الدعم الأميركي لن تدفع اللبنانيين إلى دورة جديدة من الصراع الأهلي.

لكن على اللبنانيين توخّي الحذر. فهم أيضًا لا يستطيعون تأخير الحوار مع “حزب الله”، ناهيك عن إرجاء تطبيق أكثر حزمًا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي يسعى إلى نزع سلاح المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني. ونظرًا لامتلاك إسرائيل شيكًا مفتوحًا في واشنطن، فمن المحتمل أنه إذا شعرت أنَّ لبنان لا يفي بالتزاماته بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تمَّ التوصل إليه في تشرين الثاني (نوفمبر)، فقد تستأنف إسرائيل الصراع، وتتقدم نحو الليطاني أو ما بعده، وتبقى هناك إلى أجل غير مسمى حتى يتم نزع سلاح “حزب الله” وفرض اتفاقية سلام.

اللبنانيون مُحقّون في مقاومة الأوامر الأميركية التي قد لا تكون مدروسة جيدًا، خصوصًا إذا كانت تتوافق مع قراءة إسرائيل للأحداث في لبنان. ومع ذلك، فإنَّ تركَ الأمور على حالها أمرٌ خطير. إنَّ لدى إسرائيل العديد من الخيارات، وما لم يستعد اللبنانيون لهذه الخيارات ويحاولوا تحييدها، فقد يجدون قريبًا أنَّ المزيد من أراضي بلادهم أصبحت محتلة.

Exit mobile version