
هنري زغيب*
لم يكن عاديًّا أَن تحتل المهندسة المعمارية العراقية الأَصل (البريطانية الجنسية) زَها حديد (بغداد 1950 – ميامي 2016) صدارةَ هذا الفن العلْمي الراقي بين جميع أَعلامه في العالم. وأَكثر: يعتبرها مؤَرِّخو هذا الفن وخبراؤُه من أَبرز المعماريين في آخر مئة سنة. ذلك أَنها خرجَت عن كل مأْلوف كلاسيكي واشتقَّت لأُسلوبها بصمة طبيعية سبَّاقة رائدة. فَتحَت الطريق العالمي للمرأَة في هذا القطاع، خصوصًا يوم كانت أَول مهندسة في العالم تنال سنة 2004 “جائزة بْريتْزْكِر للهندسة المعمارية”، وهي أَعلى مكافأَة في العالم تُعادل تمامًا “جائزة نوبل”، تُمنحُ “لِمَن يُظهر في عمله موهبة ورؤْية والتزامًا بخدمة الإِنسانية وتقَدُّمها عبْر فن الهندسة المعمارية”.
في هذا المقال من جُزءَين، إِطلالة سريعة على 10 تصاميم لدى مدُن كبرى في العالم بتوقيع زَها حديد.
- محطة إِطفاء لدى مؤَسسة ڤيترا للمفروشات – أَلمانيا 1993.
كان ذلك أَولَ تصاميمها العالمية في مدينة ڤايل راين (على الضفة الشرقية من نهر الراين، متوسطة بين فرنسا وسويسرا وأَلمانيا). طلبَه منها مدير المؤَسسة رولف ڤيهْلْبُوم، فانصبَّت عليه لتَخرج بتصميم كان المهندسون الآخرون يرَون فيه مشروعًا صغيرًا عاديًّا. صمَّمَت مبنى في 850 مترًا مربعًا من إِسمنت وحديد، أَذهل أَصحاب المشروع لِما فيه من غرابة في خطوطه الحادَّة وتقاطيعه غير المأْلوفة. ويلْفتُ تصميمُها في تلاعبها بالمقاييس الهندسية الجيومترية، بما يفاجئُ الناظر والمتابع معًا. ومنذ ذاك التصميم الغريب الأَول، راحت شهرتها تتوسَّع نحو جديدٍ واعدٍ في فضاء الهندسة المعمارية، فتقاطَرَت عليها الطلَبات.
- مبنى شركة سيارات “بي.إم.دبلْيُو” – أَلمانيا 2005
بعد نيل زَها حديد جائزةَ بْريتْزْكِر سنة 2004، سارع رئيس شركة سيارات بي.إم.دبلْيو BMW إِلى تكليفها وضعَ تصميم لمبنى الشركة المركزي في لايبزيغ. كان المشروع كبيرًا، فالْتَزَمَتْهُ زَها بجرأَةٍ وشجاعة. أَخذَت تصمِّم جمع المباني الثلاثة الْكانت موجودة، وضمَّتْها إِلى المبنى المركزي. وهي سطَّرت هذا التصميم في سهولة مَن تَضع نقاطًا متجانبة على سطر واحد. وخرج البناء الرباعي غايةً في الأَناقة، جميلًا في مشهده، وظيفيًّا في قاعاته: للإِدارة والاجتماعات والاحتفالات والمستودعات والمصانع وصالات عرض السيارات الجديدة. وكان ذاك المشروع بُعدًا آخر في شهرة زَها حديد.
- جناح جسر زاراكوزا – إسبانيا 2008
بعدما نالت زَها حديد سنة 2008 جائزة “المعهد المَلَكي للمهندسين المعماريين البريطانيين”، نالت في السنة ذاتها “مِدالية توماس جفرسون للهندسة المعمارية”. وكانت تصاميمها بدأَتْ تنتشر، و”تصدُم” بغرابتها وفرادة أُسلوبها غير المأْلوف. ولدى إِقامة مدينة زاراغوزا (سرقسطة – إِسبانيا) معرضها الكبير سنة 2008، والجسر بوابة الدخول إِلى المعرض، كان زوار المعرض يَعبُرون الجسر فوق نهر إِيبرو للدخول، وإِذا فيه جناح كبير للمعروضات صمَّمته زَها حديد بشكل لافت حتى أَنه سرق الأَضواء من سائر الأَجنحة في المعرض.
- المتحف الوطني لفنون القرن الحادي والعشرين – روما 2010
عندما مَنح هذا المتحف زَها حديد “جائزة جيمس سترلنغ للإِبداع المعماري” كانت زَها بدأَت تنال جوائز عالمية بإِيقاع سنوي. وضعَت للمتحف مخطَّطًا ذا خمسة تصاميم، لم يُنفَّذ منها سوى واحدٍ، هو الذي في شكل هندسي جديد تخطَّى كل مفهوم هندسي كلاسيكي سابق، وأَلغى الحدود بين المساحات الداخلية والخارجية، فتمازجَت جميعُها متناسقةً مُتَكاملة بشكل يَصدم لكنه يثير الإِعجاب. هكذا بات مبنى ذاك المتحف أَثرًا جماليًّا في ذاته، وعنوانًا ساطعًا للفن المعماري الحديث.
- دار الأُوبرا في غوانغْسو – الصين 2010
كان هذا المبنى من أَبرز تحديات زَها حديد في مسيرتها، لأَنه فتح أَمامها سوقًا جديدة في الصين. تم تكليفُها تصميمَه بِدَعم ودفْعٍ من أُستاذها المعماري الأَلماني الشهير ريم كولهاس. وبعدما لم يتمَّ سنة 1995 اعتمادُ تصميمها لـ”دار الأُوبرا في كارديف” (بريطانيا)، جاء فوزَها بتصميم دار الأُوبرا في غْوانغْسو كأَنه انتقامٌ شخصيٌّ من عدم اعتماد تصميمها في كارديف. ونجحت زَها في تصميم دار أُوبرا غْوانغْسو على ضفة نهر بيرل (جنوبي الصين) وكان بشكل صخرَين كبيرَين ينزل رأْساهما في عمق مياه النهر. وفي الداخل صالة أُوبرا كبرى هي اليوم من أَجمل شبيهاتها في العالم.
التتمة في المقال التالي.
- هنري زغيب هو شاعر، أديب وكاتب صحافي لبناني، مدير مركز التراث في الجامعة اللبنانية الأميركية، مدير “صالون فيلوُكَاليَّا الأدبي”، ورئيس “اللجنة الوطنية اللبنانية لنشر الإبداع اللبناني”. يُمكن التواصل معه عبر بريده الإلكتروني: email@henrizoghaib.com أو متابعته على موقعه الإلكتروني: henrizoghaib.com أو عبر منصة إكس على: @HenriZoghaib
- يَصدُر هذا النص في “أَسواق العرب” (لندن) تَوَازيًا مع صُدُوره في “النهار العربي” (بيروت).