هل تحصَلُ السعودية على القُنبلة النووية؟

رُغمَ أنَّ الطموحاتَ النووية السعودية الحالية هي لأغراضٍ سلميّة ظاهريًا، فإنَّ البرامج المدنية يُمكِنُ أن تكونَ مُقدَّمة لبرامج عسكرية.

الأمير محمد بن سلمان: إذا حصلت إيران على قنبلة نووية فنحن سنحصل عليها أيضًا

دانيال بايمان ودورين هورشيغ وإِليزابيث كوس*

في العام الفائت، قبلَ أقلّ من شهرٍ من هجوم حركة “حماس” على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الذي غَيَّرَ كلَّ شيء، كانت إسرائيل والمملكة العربية السعودية تتفاوضان على اتفاقٍ لتطبيع العلاقات. بعد عقودٍ من العلاقات الباردة، كان ثَمَنُ السلامِ الذي تريده الرياض باهظًا جدًا: بالإضافة إلى الضمانات الأمنية الأميركية والتنازلات الإسرائيلية الرمزية على الأقل بشأن السيادة الفلسطينية، كان المفاوضون السعوديون يطالبون بالحصول على التكنولوجيا النووية المدنية. اليوم، على الرُغمِ من الجهود الجديدة التي تبذلها إدارة جو بايدن، يظلُّ مثلُ هذا الاتفاق مُجرَّدَ احتمالٍ بعيد المنال. مع استمرارِ الحربِ بين إسرائيل و”حماس”، حتى لو كان المسؤولون السعوديون مُهتَمِّين بالتحدُّثِ مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فمن المرجّح أن يجدوا أنه من المستحيل التفاوض على سلامٍ دائم في حين أن الجماهير العربية، بما في ذلك جماهيرهم، غاضبة من الأزمة الإنسانية التي خلقتها إسرائيل بحملتها العسكرية في غزة. وعلى الرُغمِ من أنَّ المفاوضات قد لا تُستأنف أبدًا، إلّا أنها تظَلُّ مصدرًا مُهمًّا للضغطِ المُحتَمل الذي يُمكِن أن تستخدمه الولايات المتحدة في علاقاتها مع إسرائيل – وهو مصدرٌ يعتقد المسؤولون في واشنطن أنه يُمكِنُ أن يساعدَ ليس فقط على تسهيل وَقفِ إطلاقِ النار في غزة، بل أيضًا على تحفيز إسرائيل على تقديمِ تنازلاتٍ أوسع بشأن الدولة الفلسطينية.

وبينما تُفَكّرُ الولايات المتحدة في كيفيةِ تعزيزِ الاستقرارِ في الشرق الأوسط، سواء أثناء الحرب في غزة أو بعدها، فإنَّ قضيةَ البرنامج النووي السعودي سوفَ تلوحُ في الأفق بشكلٍ كبير. إذا كانت واشنطن تأملُ في استخدامِ جزرةِ التطبيعِ السعودي لتحفيزِ السياسة الإسرائيلية، فسوفَ تحتاجُ إلى النظرِ في مطالب الرياض بالتعاوُنِ النووي المدني وطلبات الدفاع – وهو تطورٌ يُمكِنُ أن يُغَيِّرَ بشكلٍ كبير الصورة الأمنية الإقليمية، خصوصًا إذا كانت السعودية ترغَبُ في نهايةِ المطاف في امتلاكِ برنامج أسلحةٍ نووية أيضًا. في الوقت الحالي، سيشملُ البرنامجُ النووي السعودي المُقتَرَح مفاعلاتٍ نووية مدنية تُدارُ بموجبِ اتفاقية ضماناتٍ شاملة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكنَّ الرياض أعربت تاريخيًا عن عدمِ ارتياحها حتى تجاه تلك القيود القياسية، وغالبًا ما تكون البرامج النووية السلمية هي الخطوة الأولى نحو الحصول على أسلحةٍ نووية. ورُغمَ أنَّ السعودية لا تمتلك حتى الآن بُنيَةً تحتية نووية كبيرة خاصة بها، فإنها تقومُ ببناءِ مفاعلِ أبحاثٍ نوويٍّ صغيرٍ على مشارف الرياض وتَبني صواريخ باليستية بمساعدة الصين.

وربما تلتزم السعودية بالتطوير النووي المدني في الوقت الحالي. ولكن نظرًا للتهديدِ الذي يَلوحُ في الأفِق المُتَمثّل في القنبلة النووية الإيرانية، فقد تميلُ إلى التحرُّكِ نحو التسلُّحِ النووي العسكري في المستقبل. ويجب على الولايات المتحدة أن تعمَلَ على التخفيف من هذا الخطر. إنَّهُ خَطٌّ صعبٌ على واشنطن أن تلتَزِمَ به: التعاونُ بشكلٍ أقل مما ينبغي، قد يُفقدها الدعم السعودي للتطبيع مع إسرائيل وتتنازل عن نفوذها لخصومٍ مثل الصين؛ ومن خلالِ مَنحِ دَعمٍ غير مشروط لقدرات التخصيب النووي السعودية، يُمكِنُ للرياض اغتنام الفرصة لتطوير برنامجٍ للأسلحة النووية في المستقبل. لذلك يجب على واشنطن أن تقبلَ الطموحات النووية السلمية للمملكة العربية السعودية، ولكن تصرّ على اتّخاذِ تدابير قوية وأنظمة صارمة لاستباقِ الانتشار النووي السعودي – ومنع سباقِ التسلُّح الإقليمي.

تكنولوجيات البوابة

رُغمَ أنَّ الطموحاتَ النووية السعودية الحالية هي لأغراضٍ سلميّة ظاهريًا، فإنَّ البرامج المدنية يُمكِنُ أن تكونَ مُقدَّمة لبرامج عسكرية. كانت إيران، وكوريا الشمالية، وليبيا، والعراق، وسوريا تسعى سرًّا إلى تطويرِ برامج الأسلحة النووية في حين تتظاهر بالالتزام بالضمانات. وتُوَضِّحُ هذه الأمثلة التحدّيات المُتمثّلة في اكتشافِ ومَنعِ الانتشارِ النووي السرّي إذا كانت البلدان تمتلكُ قدرات التخصيب كجُزءٍ من برامجها النووية المدنية، مما يؤكّدُ الحاجة المُلحّة إلى بروتوكولاتِ تَحَقُّقٍ صارمة.

يُمكِنُ لبرنامجٍ نوويٍّ مدني أن يُسَهِّلَ برنامجُ الأسلحة النووية من خلال منح المملكة العربية السعودية تقنياتٍ مُزدوجة الاستخدامِ مثل قضبان الوقود، ومَرافِق إعادةِ المُعالَجة، وتصاميم المفاعلات المُتقدّمة. ومن شأنِ المفاعلات وقدرات تخصيب اليورانيوم أن تُزوِّدَ المملكة بالبُنيةِ التحتية والقاعدة المَعرِفية اللازمة لتطويرِ قدراتها النووية من خلالِ تحويلِ المواد أو الخبرة نحو التطبيقات العسكرية. ويُمكِنُ للرياض بعد ذلك استخدام تقنيات التخصيب المتقدِّمة، مثل أجهزة الطرد المركزي الغازية، لإنتاج اليورانيوم المُستَخدَم في صنع الأسلحة، والتهرّب من اكتشافه من قبل المفتشين الدوليين من خلال الإخفاء والخداع. ويمكن للسعودية أيضًا فصل نظائر اليورانيوم اللازمة لليورانيوم عالي التخصيب داخل المنشآت المدنية، مما يجعل من الصعب على المُفتّشين اكتشاف وجود برنامج عسكري. ومن الممكن أيضًا تحويل اليورانيوم المُخصَّب اللازم لتزويد المفاعلات النووية بالوقود وزيادة تخصيبه إلى مستويات مناسبة لإجراءِ تفجيرٍ نووي. وبالتالي فإنَّ البرنامج النووي المدني السعودي سيكون بمثابة قدرة نووية كامنة – القدرة التقنية على الانتشار إذا رغبت في القيام بذلك. وبهذا تنضم المملكة العربية السعودية إلى 31 دولة أخرى، بما في ذلك البرازيل ومصر وألمانيا واليابان، التي احتفظت بهذه المكانة عبر التاريخ.

وتتمثّلُ الخطوة التالية والأكثر عدوانية في التصعيدِ من الاختباء إلى التحوُّطِ النووي ــالاستخدام الاستراتيجي لبرنامجٍ نووي مدني كورقة مساومةــ أو توجيه السلوك العدائي (كما فعلت كوريا الشمالية، على سبيل المثال). وبوسع المملكة العربية السعودية أن تقومَ بتخصيب اليورانيوم، أو زيادة إنتاجها من أجهزة الطرد المركزي، أو شراء المواد والمعدّات النووية من دولٍ أُخرى، أو حشد الدعم السياسي الداخلي لامتلاكِ الأسلحة النووية، وكلُّ هذا على أمل زيادة قدرتها التفاوضية.

مكافحة النار بالنار

يُمكِنُ لعددٍ من العوامل أن تدفعَ المملكة العربية السعودية للسعي إلى امتلاكِ أسلحةٍ نووية، بما في ذلك الرغبة في تعزيز الأمن القومي، ورَدعِ الخصوم المُحتَمَلين، وتعزيز نفوذها الجيوسياسي. لكنَّ الدافِعَ الرئيس من المرجح أن يأتي من جارةِ السعودية ومنافستها: إيران. تَقترِبُ طهران، التي كان لديها برنامجها النووي المدني الخاص منذ الخمسينيات، من القدرةِ على صُنعِ أسلحةٍ نووية. قد تكونُ إيران قادرةً على إنتاجِ ما يكفي من اليورانيوم المُستَخدَم في تصنيع الأسلحة النووية في غضون أسابيع، على الرُغمِ من أنَّ الأمرَ قد يستغرقُ على الأرجح ستة أشهر أخرى على الأقل لتطويرِ سلاحٍ قادرٍ على ضَربِ هدفٍ مُحَدَّد. في الوقت الحالي، يبدو أن إيران قرّرت عدم اتخاذِ الخطوة التالية وتسليح برنامجها النووي، لكن الإمكانات لا تزال قائمة – ويُمكِنُ أن تنمو وسط تصاعُدِ التقلّبات الإقليمية ومع تعزيز طهران علاقاتها مع قوةٍ نووية رجعية أخرى، وهي روسيا. لم تتهرَّب المملكة العربية السعودية من توضيح نواياها النووية إذا سلكت إيران هذا الطريق النووي: فقد قال زعيمها الفعلي، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إنّهُ إذا نجحت إيران في تطويرِ سلاحٍ نووي، فإنَّ المملكة العربية السعودية أيضًا “سوف تفعل ذلك. يجب عندها أن نحصلَ على سلاح نووي أيضًا”.

قد يكونُ جُزءٌ من الدافع هو الخوف من أن تزيدَ جرأة إيران من دعمها للجماعات المسلحة مثل “حزب الله” والحوثيين و”حماس”، مع علمها أنَّ السلاح النووي يمنحها بعض الحماية من الردِّ العسكري الأميركي أو الإسرائيلي. وقد تستخدمُ إيران أيضًا القوة العسكرية ضد المملكة العربية السعودية أو إسرائيل أو أيِّ أعداءٍ آخرين بمفردها، مع العلم أن هناكَ حدودًا مُحتَمَلة للتصعيد إذا عارضت الولايات المتحدة أو دول أخرى العدوان الإيراني. وقد تكون السعودية مُهتمّة أيضًا بالسعي إلى الحصولِ على أسلحةٍ نووية لمُضاهاة ومواجهة الهَيبة الإيرانية، إيمانًا منها بقيمة القنبلة النووية وسمعتها والرغبة في تعزيز موقعها وسلطتها في المنطقة.

وقد يدفعُ التقدم النووي الإيراني أيضًا دولًا أخرى في المنطقة، مثل الإمارات العربية المتحدة أو تركيا، إلى التحوّلِ نحو التسليح النووي، ما يؤدّي إلى تحرُّكٍ سعودي في الاتجاه نفسه. وقد تعرَّضت الإمارات لانتقاداتٍ بسبب فشلها في الكشف عن معلوماتٍ حول منشآتها النووية المدنية، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اقترح في وقت سابق أنه لا ينبغي منع تركيا من الحصول على أسلحة نووية. فالرياض، التي ترى نفسها كزعيمة إقليمية، لن ترغبَ في أن يتمكّنَ أيٌّ من البلدين -وخصوصًا الإمارات العربية المتحدة، وهي منافسٌ رئيس- من الفوز عليها في الوصول إلى خطِّ النهاية النووي.

إنَّ التحوُّطَ النووي أو الانتشار النووي السعودي ينطوي على العديد من المخاطر الكبرى. أوّلًا، قد تواجه إيران والسعودية مُفارقة الاستقرار وعدم الاستقرار، وهي فكرةٌ مفادها أنه على الرُغمِ من أنَّ الأسلحة النووية قد تُساهِمُ في الاستقرار على المستوى الاستراتيجي من خلال ردعِ حربٍ كبرى بين الدول المسلحة نوويًا، إلّا أنها يمكن أن تؤدي في الوقت نفسه إلى تغذيةِ انعدامِ الثقة والتصعيدِ على مستوى أدنى. وإذا استمرّت إيران في تخصيب ما يكفي من اليورانيوم لصُنع رأس حربي نووي، فقد تعتقد الرياض أنَّ الردعَ النووي السعودي يمكن أن يؤدّي إلى استقرار العلاقات بين الخصمَين. ولكنَّ السلاحَ النووي لن يمنعَ إيران بالضرورة من ملاحقةِ سياسةٍ خارجية تَتَّسِمُ بالمواجهة؛ لقد أظهرت طهران مرارًا وتكرارًا استعدادها للتنافس مع عدوّتها المسلحة نوويًّا، إسرائيل، وتشجيع العمل العسكري ضد آخرين في المنطقة. كما أثارت إيران الاضطرابات في السعودية نفسها، حيث حرَّضت على أعمالِ الشغب في الحج في العام 1987 ودعمت مجموعةً من الجماعات المُناهِضة للحكومة مثل المنظّمة الإرهابية الشيعية “حزب الله الحجاز”. وفي العراق المجاور، دعمت طهران مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، بما في ذلك “عصائب أهل الحق” و”كتائب حزب الله”، وكلاهما هاجم القوات الأميركية في المنطقة. بالنسبة إلى إيران، فهي تعتبرُ هذه الجماعات وسيلةً لتوسيعِ نفوذها على الأرض ومنحها وسائل لتقويض منافسيها أو ضرب أعدائها خارج حدودها.

ثانيًا، يُهدّدُ الدورُ البارز المتزايد للأسلحة النووية في العلاقات الإيرانية-السعودية بسوءِ الفَهم، وبالتالي التصعيد بين البلدين. وقد تُفسّرُ السعودية سعي إيران إلى امتلاكِ القدرات النووية، حتى لو كان ذلك لأغراضِ التحوُّط، على أنه إشارةٌ إلى نوايا عدائية أو مُقدَّمة للتسلّح. وقد تَنظُرُ إيران إلى برنامج السعودية على أنه تهديدٌ وتسعى إلى التسلّح بنفسها. وقد يدفع هذا التفسير الخاطئ السعودية إلى تسريع برنامجها النووي، مُعتقدةً أنها تحتاج إلى رادعٍ ضدّ إيران المسلَّحة نوويًا. يُمكِنُ أن تؤدّي دوّامة التنافس النووي هذه بين الخصمَين إلى سباقِ تسلُّحٍ في المنطقة، ما يزيد من احتمالِ حدوثِ سوءِ تقديرٍ أو صراع.

الالتزام بالخط النووي

يمكن لواشنطن أن تلعبَ دورًا حاسمًا في تحديد ما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستحصل على سلاح نووي، لكن يبقى السؤال الرئيس: إلى أي مدى ترغب الولايات المتحدة في الذهاب لحماية السعودية من طهران؟ إنَّ الطريقة التي تختار بها الرياض في نهاية المطاف الرَدَّ على إيران النووية تعتمدُ إلى حدٍّ كبير على ما إذا كانت الولايات المتحدة ستمنحُ الرياض ضماناتٍ أمنية ثابتة، مثل الالتزام بوَضعِ السعودية تحت مظلتها النووية – أو حتى إنشاءُ تحالُفٍ أمنيٍّ رسمي مُماثِل لتلك الأحلاف التي كانت في السابق تسودُ في أوروبا أو شرق آسيا. وعلى الرُغمِ من وجودِ مُحادثاتٍ جارية حول علاقة دفاعية رسمية، إلّا أنَّ الترتيبات الأمنية بين الولايات المتحدة والسعودية ليست مؤكّدة على الإطلاق، خصوصًا إذا فاز دونالد ترامب بالرئاسة. إنَّ رَفضَ الرئيس السابق الرَدّ على هجومٍ إيراني على منشأة سعودية لمعالجة النفط في العام 2019، حيث تجاوزت طهران ما كان يُفترَض منذ فترة طويلة أنه خطٌّ أحمر أميركي، لم يفعل الكثير لطمأنة المسؤولين السعوديين بأنَّ إدارة ترامب الثانية ستدعم الرياض.

وبعيدًا من التحالف الأمني الذي من شأنه تهدئة المخاوف من إيران نووية، يمكن للولايات المتحدة أن تضغطَ على الرياض للتوقيع على “اتفاقية 123” للتعاون النووي. تسمح هذه الصفقات، التي سُمِّيَت على اسمِ قسمٍ من قانون الطاقة الذرية الأميركي، بالحصول على التكنولوجيا النووية المدنية الأميركية مقابل التزامٍ صريحٍ بالامتناع عن التسليح. وقد تفاوضت الولايات المتحدة على هذه الاتفاقات على أساس كل حالة على حدة مع 47 دولة. بما في ذلك البرازيل واليابان وتركيا. وتتطلّبُ الاتفاقات عادةً من الدولة الالتزام بضمانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتقييد مستويات التخصيب، وإعادة الوقود النووي المُستَهلَك إلى الولايات المتحدة لمنعِ إعادةِ مُعالجةِ مواد الأسلحة. تتضمّن النسخة القياسية الذهبية من اتفاقية 123 حظرًا كاملًا على التخصيب كطبقةٍ إضافية من الحماية.

مع ذلك، فإن إحدى العقبات أمام مثل هذا الاتفاق هي رغبة الرياض المُعلَنة في تخصيب اليورانيوم محلّيًا لتوليد الكهرباء من خلال تفاعلاتِ الانشطار النووي الخاضعة للرقابة، بدلًا من الاعتماد على اليورانيوم المُخصَّب مُسبَقًا من مصادر خارجية. إذا كانت الولايات المتحدة غير قادرة على التفاوُضِ بشأنِ فَرضِ حظرٍ كاملٍ على التخصيب وغير راغبة في تقديمِ تنازلاتٍ أُخرى، فقد تلجأ السعودية إلى دولٍ أخرى، مثل الصين، للحصول على المساعدة في التكنولوجيا النووية، مما يؤدي إلى فقدان الشفافية بشأن الأنشطة والمنشآت النووية، وخسارة نفوذ الولايات المتحدة. وقد حافظت الرياض منذ فترة طويلة على علاقاتٍ ودّية مع بكين، وفي السنوات الأخيرة، أصبحت علاقتهما أقرب. وفي العام 2019، وضعت الدولتان اللمسات الأخيرة على اتفاقيةٍ بقيمة 10 مليارات دولار تهدفُ إلى تطويرِ مجمعٍ للتكرير والبتروكيماويات، وفي وقتٍ لاحق من ذلك العام، ساعد الجيولوجيون الصينيون السعودية على تحديد رواسب اليورانيوم في الجُزء الشمالي الغربي من البلاد. كما قامت بكين بمبادراتٍ ديبلوماسية مع الرياض، بعد أن ساعدت في التوسّط على التقارُب السعودي-الإيراني في العام 2023.

من أجلِ استباقِ التحوّلِ السعودي نحو الصين، قد تحتاجُ الولايات المتحدة إلى تقديمِ تنازلات. يُمكِنُ أن تُفكّرَ واشنطن في عَرضِ بناءِ منشأةٍ لتخصيبِ اليورانيوم في المملكة العربية السعودية، الأمر الذي من شأنه أن يمنَحَ الرياض سيطرةً أكبر على سلسلةِ إمدادها بالوقود النووي ويُقلّلُ من اعتمادِها على المُوَرِّدين الأجانب. إنَّ الخبرة التكنولوجية والاكتفاء الذاتي اللذين قد ينتجان عن وجود قطاعٍ للطاقة النووية يتوافَقُ مع طموحات السعودية لتنويعِ اقتصادها مع تقليصِ العالم اعتماده على النفط. لا يزالُ بإمكان الولايات المتحدة الإصرار على اتخاذ إجراءاتٍ قوية لمنع السعودية من تطويرِ برنامج عسكري؛ يمكنها أن تُطالِب، على سبيل المثال، بإدارةِ أيِّ منشأةٍ للتخصيب من قبل أفراد أميركيين، أو تثبيت آلية إغلاق عن بُعد كإجراءٍ وقائي في حالة الاستيلاء الفعلي. لكن يجب على واشنطن أن تكونَ واضحة الرؤية بشأنِ مثل هذه البنود: فهذه الإجراءات من شأنها بالتأكيد أن تُقلّلَ من خطر الانتشار النووي السعودي، لكنها لن تقضي عليه.

المملكة العربية السعودية كما هي

من الأهمّية بمكان أن تعمَلَ الولايات المتحدة على تقييدِ قُدرةِ السعودية على تطويرِ برنامج الأسلحة النووية الخاص بها منذ البداية. ولا تستطيعُ واشنطن تحمّلَ التأخير؛ وبالعودة إلى العام 2009، أخّرت المخاوفُ المُتَعلّقة بحقوق الإنسان التوصّل إلى اتفاقية 123 مع دولة الإمارات في الكونغرس، ومن المؤكد أنَّ أيَّ اتفاقٍ مع السعودية سيخضع لمزيد من التدقيق. ولكن المخاوف بشأن انتشار الأسلحة النووية في الشرق الأوسط لا بدَّ أن تكون لها الغَلَبة.

وكبديلٍ من التخصيب السعودي، يُمكِنُ لواشنطن أن تعرضَ ضمانَ إمداداتٍ موثوقة من اليورانيوم المُخَصَّب لمفاعلات السعودية، مما يلغي حاجتها إلى منشآتِ التخصيب المحلّية. وتتراوح الاحتمالات بين وَقفٍ طويلٍ للتخصيب المحلي السعودي، وبين إدارة منشآتِ التخصيب بواسطة أفرادٍ أميركيين بدلًا من سعوديين، مع آليات إغلاقٍ عن بُعد في حالة الاستحواذ المحتمل. ويمكن لواشنطن أن تجعلَ حظر التخصيب مشروطًا كجُزءٍ من التعاون الدفاعي الثنائي. وقد يَتَّخِذُ ذلك شكلَ حظرٍ رسمي تُوَقِّعه الرياض، أو وثيقة تكميلية غير مُلزِمة مُصاحِبة لاتفاقيةٍ رسمية تحتوي على بندٍ إضافيٍّ توافقُ فيه المملكة العربية السعودية على عدمِ إنشاءِ بُنيةٍ تحتية لدورةِ الوقود. ومن شأن هذا النهج أن يسمحَ للرياض الاحتفاظ بالحق التقني في التخصيب، على أن توافق مُقَدَّمًا على عدم ممارسته. ونظرًا لموقف إيران الإقليمي العدواني المتزايد، فإنَّ الاتفاقَ الأمني ​​المُعزَّز بين الولايات المتحدة والسعودية سيظل أولوِيّة سعودية قصوى – وحافزاً قويًا للرياض للحدِّ من طموحاتها النووية.

يجب على الولايات المتحدة أن تتذكّرَ أيضًا أنَّ إدارةَ البرنامج النووي الإيراني أمرٌ بالغ الأهمية لمَنعِ انتشارِ الأسلحة النووية السعودية وغيرها من الدول الإقليمية. إنَّ البرنامجَ الإيراني خطير في حدِّ ذاته، ولكنه خطيرٌ أيضًا باعتباره مُحَرِّكًا مُحتَمَلًا للانتشار النووي في أماكن أخرى. يجب على واشنطن إعادة النظر في مجموعة أدواتها الديبلوماسية وفن الحكم حتى لو لم يكن من الممكن إحياء الاتفاق النووي الإيراني – الذي فرض قيودًا على المنشآت النووية الإيرانية، والذي انسحب منه الرئيس ترامب آنذاك في العام 2018.

لا يُمكنُ لواشنطن أن تتخلَّصَ من الطموحات النووية للسعودية؛ وإذا فشلت المملكة في الحصول على الدعم الذي تحتاجه من الولايات المتحدة، فإنها ستلجأ إلى دولٍ أخرى لتمويل برنامجها النووي. ينبغي على صنّاع القرار في أميركا الاستمرار في إقناع نظرائهم السعوديين بمزايا تكنولوجيا المفاعلات الأميركية مقارنةً بالتكنولوجيا الصينية والروسية، مع التركيزِ على الفوائد التقنية والمتعلقة بالسمعة الناتجة عن الالتزام بالمعايير الأميركية للبرامج النووية وتعزيز الشفافية. وتتجاوز هذه الفوائد مجرّد الوصول إلى التقنيات النووية المتقدِّمة ذات الشهرة العالمية للولايات المتحدة. كما إنّها ستؤكد التزامَ السعودية بدعمِ النظامِ الدولي القائم على القواعد والذي يتّسِمُ بالأعراف والتعاون. وإذا فشلت واشنطن في تقديمِ عَرضٍ مُقنعٍ للرياض، فإنها تخاطر بفقدانِ أيِّ تأثيرٍ في القدرات النووية للمملكة العربية السعودية.

إنَّ مخاطرَ السياسة الأميركية تجاه البرنامج النووي السعودي تمتدُّ إلى ما هو أبعد من المملكة نفسها، وحتى أبعد من الشرق الأوسط. ستُشَكِّلُ استراتيجيةُ واشنطن هذه المرة سابقةً يُمكِنُ أن تنطبق على دولٍ أخرى، مثل كوريا الجنوبية وألمانيا، التي قد تسعى إلى توسيع برامجها النووية المدنية. إنَّ قولَ نعم لحليفٍ واحدٍ يجعل من الصعبِ قول لا للآخرين. ويجب على واشنطن أن تمضي قُدُمًا وهي تعلم أن نتائج هذه المفاوضات يُمكِنُ أن تفعلَ أكثر من مجرّدِ قلبِ توازن القوى الإقليمي، فقد يؤدي ذلك أيضًا إلى تغييرِ الحسابات النووية العالمية.

Exit mobile version