كلامٌ في السيادة

راشد فايد*

لا يخلو خطابٌ سياسي، أو بيانٌ حزبي، من إبداءِ الاستبسال اللفظي والإستعراضي في الدفاع عن السيادة، فيما المتحدّثون في ذلك باسم لبنان، لم يتركوا “السبعة وزمتها”من دون أن ينهشوا هذه السيادة، ويُشذّبوها كي تُناسبَ اللحظة السياسية التي يستَجْدون تناسبها مع مصالحهم.

جميعهم، وجميع أسلافهم، ووَرَثتهم السياسيين، من نسلهم، أو نسلِ ما شوهوا مما يُسمّى ديموقراطية، أو شورى، نهشوا يومًا من لحم السيادة ليحفظوا سلطانهم، ولا يزالون. حتى الأنظمة العربية التي رفعت رايات التحرّر وعداء الإمبريالية، في فترات حكمها كانت ، تحت الطاولة، غير بعيدة من التفريط ببعض السيادة المزعومة، ومما أوردته روايات المذكّرات السياسية، لا سيما في الشرق الأوسط، أن صدام حسين الذي واجه إعدامه برجولة لا تُضاهى، نقلَ عنه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف في مذكراته عن حرب العالم على العراق، أنه كلّفه نقل رسالة إلى الأميركيين عن استعداده للتعاون والتنسيق معهم إن أوقفوا قتاله. لكن لا الروس أصرّوا، ولا الأميركيون قبلوا. فالهدف لم يكن إسقاط النظام، بل تفتيت المنطقة، كما نرى اليوم من إعادة صياغة الشرق الأوسط، وترسيم مناطق النفوذ.

يُعرِّف القانون الدولي الدولة ذات السيادة بأنها كيانٌ يؤوي سكانًا دائمين، ولها حدودٌ جغرافية معروفة، وحكومة واحدة، وقدرة على الدخول في علاقات مع غيرها من الدول ذات السيادة. هل ينطبق ذلك على لبنان، وسكانه غير دائمين، وحدوده الجغرافية، في  المجمل، غير معروفة وغير معرّفة دوليًا، وحكومته ينطبق عليها من شعارات زمن الحروب “التعدددية في الوحدة” فعلًا؟ ليست هذه كل الأسئلة عن سيادة الدولة. ثم ماهية سيادة الدول؟

يقول الذكاء الاصطناعي إن “سيادة الدولة هي مفهومٌ يُشيرُ إلى القدرة والحق للدولة لتحكم نفسها بشكلٍ مستقل ومن غير تدخّلٍ في شؤونها الداخلية والخارجية من قبل الجهات الأخرى. إنها مبدأ أساسي في النظام الدولي وتعتبر أحد أهم عناصر السيادة الوطنية”. هل للبنان “حصة” من ذلك؟

ليكون الجواب جديًا، يجب أن يتضمن مفهوم سيادة الدولة جوانب عدة، لا يجدها اللبنانيون في دولتهم: من ذلك عدم التدخل غير المشروع في شؤونها الداخلية، ولا في حقّها في إقامة علاقات مستقلة مع دول أخرى. كذلك أن تكون الحاكم المطلق على أراضيها، وأهلها، من ضمن القيم الدستورية.

هذا غيضٌ من فيض تفكيك الدولة اللبنانية، ومن تجلياته أن يُدافِعَ عن السيادة الوطنية من صفّقَ لإعلان الإيراني سيطرته على بيروت مع 4 عواصم عربية ومن انتهكَ السيادة بمجيئه إلى الجنوب من دون أن يدعوه مرجعٌ حكومي، ومن منع الجيش من الاحتفال بدحر “داعش”، ومن اعتدى على الحريات، تحديدًا في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2019، يوم الإنتفاضة الشعبية.

Exit mobile version