ماذا يبقى من المقاومة؟

بقلم راشد فايد*

ذكّرَتني وقائع إطلاق عامر الفاخوري بشريط سينمائي، عن قصة لآغاتا كريستي بعنوان “10 عبيد صغار” تروي قصة رجل غني في عربة قطار تضمه مع 10 اشخاص يتناوبون على قتله، بلا تخطيط سابق، أو تعارف بينهم، سوى مصادفة حقد يكنّه كلٌّ منهم له.

الرابط بين القصة وواقعة الفاخوري هو التعاكس. ففي الأولى كل الشر بينما في المُستجدّة كلّ الود. حل الشعب اللبناني محل القتيل، والطاقم السياسي، تحديداً القوى الثلاث المهيمنة على الحياة العامة (“حزب الله” و”حركة امل” و”التيار العوني) محل القتلة. فلكلّ طرفٍ حسابات أوصلته إلى الدفع لإطلاق الفاخوري، كالحلم بالرضا الأميركي لخلافة العمّ في قصر بعبدا، أو تسهيل حصول طهران على إفادة حسن سلوك أميركية، أو تجنيب الأقارب والأزلام عقوبات واشنطن الإقتصادية.

الضحية الأبرز في هذا التواطؤ هي تعفّف “حزب الله” المزعوم عن التنازلات الوطنية. لكن ذلك ليس بمُستَجِدّ، ويشهد عليه ادعاؤه عدم نيّته استخدام سلاحه في الداخل، الذي كذّبه 7 ايار (مايو) 2008، وغضّ الطرف، قبل ذلك، عن المحاكمات الصورية بين 2001 و2003 لمتعاملين سابقين مع الإحتلال الإسرائيلي. وليست بعيدة محاكمة العميد فايز كرم بتهمة التعامل مع الإسرائيليين، والحكم المُخفَّف عليه بـ”نزهة” سجنية، ما أن انتهت حتى زار الرابية للقاء الجنرال ميشال عون، رئيس “التيار الوطني الحر” حينها.

الخلاصة من هذه الوقائع، ومثلها يزخر به الأرشيف، أن العمالة وجهة نظر، يُحدِّدها انتماء المُتّهم السياسي والطائفي والمصالح الإقليمية لإيران التي تُدير توجّهات الفريق المُهَيمن، والذي يتحمّل القهر السياسي، على زعمه، إذ يضع نفسه في موقع الدفاع عن عميل، كما قال. وما لم يقله هو أنه أخطأ يوم تعاطى مع وصول العميل إلى مطار رفيق الحريري الدولي، على أنه أمرٌ محلّي قابل للإستهلاك في عرض عضلاتٍ داخلي، لكن مصالح طهران أغلب وأوزن. فما الذي يربط بين إخلاء القواعد الأميركية – البريطانية في العراق، وطلب طهران مساعدة صندوق النقد الدولي (خلافاً لرأي “حزب الله” بدور الصندوق الإستعماري في بيروت والنزيه في طهران)، وما الذي يصل الأمرين بإطلاق طهران مُعتقَلاً أميركياً لديها وإطلاق باريس مُعتقَلاً إيرانياً كان مُنتظَراً تسليمه إلى واشنطن؟ وما علاقة كل ذلك بالتوافق العراقي على تكليف صديق واشنطن عدنان الزرفي بتشكيل حكومة جديدة؟ وهل يطلق “الشيطان الأكبر” سراح قاسم تاج الدين لاحقاً؟

واضحٌ أن المنطقة تسير نحو التهدئة لا المصالحة، في ظل استفحال الكورونا، واقتراب الإنتخابات الرئاسية الأميركية وتضييق الخناق على إيران؟

الحدود ساكنة منذ حرب تموز (يوليو) 2006، والحرب بالنظارات مُتقطّعة، والعملاء السابقون “تطهّروا” من الإثم، وغدا اللاحقون، وإشهار عدم إمتلاك الحزب قراره لم يعد سراً، فمن يُعطي المال يُعطي القرار، فماذا يبقى للمقاومة؟

الحقيقة في السياسة غالباً ما تكون أقل أهمية من العواطف التي يسهل حشوها في رؤوس “المؤمنين”.

Exit mobile version