غاز الدفيئة الآخر

واشنطن – هاني مكارم

في نيسان (إبريل) 2015، نشرت “مجموعة روديوم”، وهي شركة إستشارية مقرها نيويورك، تقريراً عن أهمية الحد من إنبعاثات الميثان العالمية. ووفقاً للتقرير، نحو 3.6 تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي – تتألف أساساً من الميثان – تسربت إلى الغلاف الجوي في العام 2012 من عمليات النفط والغاز. إن تسرب غاز الميثان هو سيىء للإقتصاد والبيئة – السابق لأن الغاز المهدور ترجم إلى حوالي 30 مليار دولار من العائدات المفقودة، والأخير لأن غاز الميثان هو 84 مرة أكثر فعالية من ثاني أوكسيد الكربون في العقدين الأولين بعد إطلاقه.
تقرير “روديوم” الذي هو بعنوان “إمكانات غير مُستَغلّة: خفض إنبعاثات الميثان العالمية من أنظمة النفط والغاز الطبيعي”، يخلص إلى أنه بإستطاعة البلدان القضاء على تسرب غاز الميثان بتكلفة قليلة، والحد في وقت واحد من الإنبعاثات وتنقيد النفايات إقتصادياً. “لأن غاز الميثان هو المكوّن الرئيسي للغاز الطبيعي”، وفقاً للتقرير، “فإن إلتقاط وإستخدام الميثان المتسرّب يمكنهما أن يزيدان إيرادات المبيعات. ويمكنهما أن يعوِّضان بعض، إن لم يكن كل، تكلفة إكتشاف وإصلاح التسرّب”. وقد أكدت هذه النتيجة “وكالة حماية البيئة” والمنظمات غير الربحية مثل “معهد الموارد العالمية”.
ويشير تقرير “روديوم” إلى أن البلدان يمكنها أن تحدّ من تسرب غاز الميثان من خلال “الأهداف الوطنية المُلزِمة” بشأن الإنبعاثات، وهي تعهدات المناخ التي وافقت البلدان على تحقيقها قبل إنعقاد مؤتمر تغيّر المناخ الذي تنظمه الأمم المتحدة في باريس في وقت لاحق من هذا العام. عندما تم تصميمها في العام 2013، كان من المفترض أن تشجع”الأهداف الوطنية الملزمة” البلدان على إتخاذ خطوات نحو الحد من غازات الإحتباس الحراري من دون إجبارها على توقيع إتفاقات أكثر صرامة، والتي فشلت تاريخياً.
ولكن نموذج “الأهداف الوطنية الملزمة” إبتلى بالضعف. لمرة، قلَّة إعتقدت بأن التعهدات ستؤدي إلى عمل فعلي بما فيه الكفاية للحفاظ على ظاهرة الإحتباس الحراري ضمن الحدود التي وضعتها إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، التي إعتُمدت في العام 1992. وفي شباط (فبراير) من هذا العام، قالت كريستيانا فيغيريس، أرفع مسؤولة عن المناخ في الامم المتحدة، للصحافيين في بروكسل أن الأهداف الوطنية الملزمة “لن توصلنا إلى مسار الدرجتين المئويتين”، في إشارة الى الإتفاق العالمي للحفاظ على زيادة في درجات الحرارة أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية.
وقد ردد خبراء آخرون كلام فيغيريس، مشيرين إلى أن الدول تصمّم تعهداتها بشكل مستقل ومن دون شفافية. لا توجد وسيلة لمحاسبتها على أهدافها، ولا يوجد نظام طرف ثالث للتحقق الذي من خلاله يمكن لهيئة مركزية التحقق مما إذا كانت الدول قد خفّضت إنبعاثاتها، كما أن إتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لا توجد لديها آلية تنفيذ. الواقع إن الطبيعة الطويلة الأجل للإلتزامات المتعلقة بالمناخ تسمح للسياسيين بتأخير العمل الحقيقي، وتوريث المشكلة لخلفائهم.
لا يجب لأوجه القصور في نموذج “الأهداف الوطنية الملزمة” أن يمنع مفاوضي المناخ من السعي إلى الحد من إنبعاثات الميثان. على العكس من ذلك، ينبغي على البلدان تطوير إتفاقات ثنائية أو بين مجموعة صغيرة من الدول تكمّل “الأهداف الوطنية الملزمة” وتدفع العمل إلى الأمام في المدى القريب. البرامج التي توفّر فوائد متعددة، مثل تلك التي تربط تحسين نوعية الهواء مع النمو الإقتصادي، مرشحة مثالية، لأنها لن تُدفع فقط من طريق أهداف المناخ.
يجب على الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة في بدء مثل هذا الإتفاق الذي يهدف إلى الحد من إنبعاثات غاز الميثان في قطاع النفط والغاز. إن أميركا في وضع جيد لهذا الدور نظراً إلى مكانتها في طليعة ثورة الصخر الزيتي والغاز. إن إتفاقاً ثنائياً أو إتفاقاً بين مجموعة صغيرة من الدول يمكن أن يبني مصداقية للرئيس باراك أوباما والكونغرس الأميركي بإستثمار مالي صغير نسبياً. وشركات الطاقة الأميركية، التي تواجه بالفعل ضغوطاً داخلية لتصبح عملياتها أكثر ملاءمة مع المناخ، يمكن أن ترى توسع نموها العالمي نتيجة لصفقة غاز الميثان مع مجموعة صغيرة من الدول.
وتشارك أميركا في مجموعة متنوعة من مبادرات الطاقة والمناخ، بما في ذلك الشراكات المباشرة مع الصين والهند وبرامج الأمم المتحدة مثل تحالف المناخ والهواء النظيف للحد من ملوثات المناخ القصيرة الأجل. لكن بعض هذه المبادرات، مثل هذا التحالف، هو كبير جداً وغير عملي في التركيز على أهداف معينة. إن إتفاقاً مصمماً تصميماً جيداً ينبغي أن يكون صغيراً بما يكفي ليكون عملياً ويجب أن يوفر الحوافز الكافية لجميع الأطراف.
تصوَّر إتفاقاً بشأن المناخ إفتراضياً بين الولايات المتحدة وبلد، مثل الأرجنتين أو نيجيريا، يحتل أعلى 30 في المئة من إنبعاثات الميثان العالمية. البلد الشريك — في هذه الحالة الأرجنتين أو نيجيريا – سوف يلتزم الحد من إنبعاثاته إلى أقل من نسبة معينة والسماح لطرف ثالث من التحقق. في المقابل، فإن واشنطن توفّر التمويل والتكنولوجيا والخبرة المهنية في قطاع النفط والغاز. وبالنسبة إلى البلد الشريك، تشمل الجزرة زيادة مبيعات الغاز، وتحسين نوعية الهواء، وتطبيق أفضل الممارسات في مجال تصميم البنية التحتية، وتعزيز السمعة الدولية. وبعد ذلك هناك العصا: إذا فشل البلد في تحقيق هدف الحدّ المحدد، فإنه سيتعين عليه أن يسدّد للولايات المتحدة إستثماراتها.
ينبغي على الأمم المتحدة الدعم بحماس هذه الأنواع من الصفقات. إن النقد المشترك لهذه الإتفاقات هي أنها تقوّض قيادة الأمم المتحدة. ليس الأمر كذلك. يمكن للإتفاقات الأصغر أن تكمّل “الأهداف الوطنية المُلزمة” من خلال توفير حوافز أكبر للبلدان من أجل الوفاء بإلتزاماتها الدولية. وتنفيذ شراكة دولية قابلة للتطبيق توفّر لبنات بناء لمفاوضات مستقبلية، وهذا هدف آخر للأمم المتحدة. ونظراً إلى الفوائد الصحية والإقتصادية العامة للحد من إنبعاثات غاز الميثان، فإن مثل هذه التفاهمات أيضاً تحدّ من الهروب وغض الطرف عما يجري بالنسبة إلى المناخ فيما يكون المزيد من البلدان مدفوعاً للمشاركة.
إذا أرادت الولايات المتحدة إصلاح سمعتها البيئية، وتأكيد مكانتها كرائدة عالمياً، وتعزيز صناعتها، ينبغي عليها الإستفادة من نافذة ستفتحها مفاوضات باريس المقبلة والبدء في الوصول إلى مجموعة صغيرة من الدول المنتجة للغاز والنفط. وكما يفيد تقرير “روديوم”: “يمكن للحد من تسرب غاز الميثان اليوم تقديم منافع مناخية فورية في حين تسعى الدول إلى إستراتيجيات طويلة الأجل للحد من ثاني أوكسيد الكربون”. إن عدم الإستفادة من هذه الفرصة سيؤدي إلى مزيد من تآكل الثقة الدولية في قدرة أميركا والأمم المتحدة على هيكلة حلول مناخية فعالة. وإن إهمال الحد من إنبعاثات غاز الميثان في المدى القريب سوف يؤكد من أن الحرارة في العالم سوف تستمر في الإرتفاع إلى مستويات غير آمنة.
واشنطن – هاني مكارم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى