مدن الأندلس القديمة لديها دروس للبنان اليوم

بيروت – رئيف عمرو

على مدى الأسابيع القليلة الماضية، تصدّرت قصة غير عادية عناوين الصحف والأخبار في العالم العربي وفي وسائل الإعلام الدولية. في منطقة حيث يوجد العديد من الصراعات وحالات اليأس التي لا تعد ولا تحصى، كان مذهلاً أن نرى أن عدم قدرة لبنان على إدارة التخلص من النفايات تمكّنت من سرقة الأضواء وشدّ الكثير من الإهتمام. ولكن ما وراء أكوام القمامة هناك مشكلة أعمق.
في أوروبا القرون الوسطى، كان واحداً من الأجزاء الأكثر شهرة في العالم العربي ما هو شائع وصفه ب”إسبانيا المسلمة”. المنطقة تمثل في الواقع معظم ما يشكل في الوقت الحاضر البرتغال وإسبانيا. بغض النظر، لقد كان يُنظَر إليها من قبل المؤرخين على أنها إستثناء في أوروبا في ذلك الوقت لأسباب عديدة، بما في ذلك النهوض الفكري والعالمية.
ولكن الشيء الوحيد الذي غالباً لا يحظى بالتقدير الواجب هو الطريقة التي كانت تُدار بها مدن الأندلس. هناك دروس من ذلك: ليس فقط لبيروت اليوم، ولكن للعالم العربي ككل، بما في ذلك بغداد المعاصرة مع إنقطاعات التيار الكهربائي فيها.
يصف المؤرخون شوارع مدن الأندلس بأنها كانت “مضاءة”، في الوقت الذي كانت الكهرباء غائبة. كان هناك سبب لذلك.
على عكس اليوم، حيث يتوقع جميع سكان العالم على ما يبدو من الدولة توفير إنارة الشوارع، كانت في تلك المدن جماعات مدنية مسؤولة على حد سواء عن تمويل الأضواء والتأكد من أنها تعمل بشكل صحيح.
وذلك يتطلب أمرين: مجتمعات صحية ومؤهلة بما يكفي لتوفير هذه الإدارة، وقيادة وحكم عام يسهّلان عمل هذه الجماعات.
من المألوف الآن تقريباً الإشارة إلى أن الوضع في كثير من بلدان العالم العربي – حيث يجد فيها الكثيرون من أهلها أنفسهم في وضع أسوأ مما كانوا عليه قبل العام 2011 – كان أفضل بكثير قبل الثورات. ولكن هذا ليس النقطة أو الهدف.
وقعت الإنتفاضات نتيجة فشل منهجي. لو أن النظام كان يعمل، فلم يكن هناك أي سبب لحدوث الإنتفاضات.
بعد يوم على خلع حسني مبارك من السلطة في مصر في العام 2011، أتذكّر أنني كنت في ميدان التحرير (في القاهرة)، أساعد الشبان الوطنيين الذين كانوا يقومون بتنظيف الساحة. إنهم ببساطة كانوا يريدون مستقبلاً أفضل لأبنائهم وأحفادهم.
إلتقيت ناشطٌاً شاباً الذي قال لي أنه قبل سنوات قليلة حاول إقامة مركز لجمع النفايات والتخلص منها في الحي الذي يقيم فيه.
قيل له بصراحة من قبل الأجهزة الأمنية أن هذا العمل ممنوع. ضمنياً على ما يبدو كان الإعتقاد أنه إذا كان هذا الشاب إستطاع تنظيم الناس في هذا الشكل من يمكنه التنبؤ كيف سيُنظَّم الناس في المستقبل ولآي هدف. كانت تجربة مفيدة للغاية.
بعضٌ من هذا له علاقة مع الدولة التي يغلب عليها التسلط والتعجرف والخوف من إبداع شعبها. ولكن أحد العوامل الرئيسية الذي يميل كثيرون إلى تجاهله هو الضعف المقابل للمجتمع المدني في هذا الجزء من العالم – السفر إلى عقود عدة إلى الوراء، حتى إلى قرون. هناك أسباب كثيرة لذلك، مرور الإستعمار وما بعد الإستعمار.
حين يُنظَر إلى المدينة العربية القديمة، فإن مستوى تسوية العضوية هو أمر مذهل. لقد بُنيت المدن بشعور من التماثل. لا يقتصر الأمر على أن المدينة مخطَّطة أو مصمَّمة حول بعض النقاط، مثل ساحة عامة أو مسجد كبير، فإنها قد بُنيت أيضاً بالمواد والأساليب والتصاميم المأخوذة من البيئة المحلية.
هناك شيء عميق جداً بالنسبة إلى ذلك، وهو العامل الرئيسي في فهم كيفية إستمرار الكثير من مباني تلك العصور في البقاء صامدة حتى اليوم. لم يتم الحفاظ عليها فقط بل إنها جزء من البيئة المحيطة بها.
هل يمكن أن يُقال هذا عن المدينة العربية المعاصرة؟
هل من المرجح أنه بعد 200 سنة، كثير من هذه البنايات والهياكل الحديثة سوف تظل قائمة، كما كانت البنايات والهياكل التي بنيت في وقت مبكر من التاريخ العربي وصمدت حتى اليوم؟ أم أنها ستتهدم، إما بسبب كونها خارج الموضة أو لأن المواد التي يتم بها بناؤها لا يُراد لها أن تصمد أمام إختبار الزمن؟
هذه ليست هي القضايا التي تواجه حقاً شباب هذه المنطقة: إنهم بحاجة إلى فرص عمل وأمن وتنمية شاملة.
ولكن فيما يمضي القرن ال21 قدماً، فإنه قد يكون من المعقول أن نتوقف ونتساءل: هل أن كل شيء في العالم العربي الذي تبعناه وإتبعناه وتتبعناه في القرن ال20 يستحق المطاردة؟ أو ربما لنذهب أبعد من ذلك بثقة أكبر، تراه كم كان حجم الخسارة الذي يستحق العالم العربي أن يستعيده؟ في هذه المرحلة من تاريخه، لديه الموارد لممارسة نظرة أعمق في هذه المسألة – وهذا ليس بالضرورة دائماً ما قد يكون عليه الحال. فهل هو فاعل؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى