إنقاذ الإقتصاد اللبناني يبدأ من الجامعات

بقلم الدكتور عبد الله ناصر الدين*

وصلت نسبة البطالة في لبنان حسب منظمة العمل الدولية في العام المنصرم إلى ٢٤٪ و نسبة البطالة بين فئة الشباب أكثر من ٣٥٪. إنها أرقام مخيفة ومرعبة تقول الكثير عن الهجرة والفلتان الأمني في البلاد. ولهذه النسب المرتفعة أسباب عديدة منها مرتبط بالداخل أي بتركيبة الإقتصاد اللبناني والفشل المحبط للطبقة الحاكمة في القيام بإصلاحات إقتصادية، بالإضافة إلى مسؤولية تتحمّلها الجامعات. أما في الخارج، لا يمكن أن نتعامى عما يجري في المنطقة والعالم كتأثير نزوح ١٫٥ مليون سوري إلى لبنان، بالإضافة إلى تراجع فرص العمل في بلدان الخليج وأوروبا وأفريقيا حيث كانت تشكل هذه الدول متنفساً للشباب اللبناني الذي ضاقت به سبل العيش في وطنه.

تلك العوامل، سواء منها الداخلية أو الخارجية، لا تُظهر أي نوع من ملامح الإنفراج. كثير هي الجهات الإعلامية الإقتصادية التي دقت ناقوس الخطر لتعبر عن إختناق الإقتصاد وما لهذا من تبعات على فرص العمل للشباب. والأرجح أن الوضع الإقتصادي (والذي كنت أحد المتفائلين بشأنه في النصف الثاني من العام الجاري) سيكون أكثر سوءًا ولبنان اليوم في إنكماش إقتصادي لا لبس فيه. أما الطبقة الحاكمة فإما عاجزة أو غير آبهة بما يجري، فإستنزاف المالية العامة لخدمة ألدين وعجز الكهرباء تشير أن لا أمل في الإنتقال من الإقتصاد الزبائني الحالي إلى إقتصاد التنافسية والشفافية والمراقبة. أما العوامل الخارجية فهي أيضاً لا تُنذر بالخير على الشباب.

من هذا المُنطلق والواقع المأزوم والذي، كما أشرنا، له أثار سلبية على سوق العمل في لبنان، يتطلب الوضع حلولاً جدية وخلّاقة للتخفيف من وطأة الأزمة ذات شقين. في الشق الأول يجب الإعتماد على الداخل من أجل خلق فرص عمل. هذا يعني التوجه أكثر إلى الإختصاصات التقنية و المهنية المتقدِّمة والتي ستساعد في تغيير تركيبة المهارات في البلاد والتي تخلق اليوم هوة شاسعة بين حاجة الإقتصاد الحقيقية والإختصاصات المتوافرة و التي بمعظمها تتوجه نحو الهندسة والطب والحقوق. هذا يتطلب إصلاحاً جدياً لقطاع التعليم المهني في لبنان ليكون رائداً و متقدّماً و جذاباً. أما الجامعات في لبنان و التي باتت كالفطريات المُعدية تنمو، عليها مسؤولية حقيقية. ما فائدة شهادة جامعية لا تُساهم بشكلٍ ملموس في إيجاد فرصة عمل. من هنا أهمية مراقبة خريجي الجامعات بعد ٣ سنوات على تخرّجهم من أجل إيجاد تصنيف رسمي يصنّف الجامعات حسب سهولة إيجاد فرصة عمل لخريجيها وأين تنمو الكثير من الجامعات على شعارات كاذبة تزيد من البطالة في لبنان بدل المساهمة في حلِّها. هذا التصنيف من شأنه خلق روح تنافسية صحية في قطاع التعليم العالي فتتنافس الجامعات في إيجاد إختصاصات جديدة أكثر ملاءمةً لحاجات السوق و تحضِّر خريجيها لسوق العمل المحلية الإقليمية.

من هنا، و في إطار مشكلة البطالة، يجب على الجامعات تحضير الطلاب للشهادات الدولية في المحاسبة، والإدارة، وإدارة المشاريع، وإدارة الموارد البشرية، والإتصالات وغيرها، وربط هذه الشهادات بمتطلبات التخرّج. من دون أدنى شك سيساعد ذلك على رفع تنافسية الخريج اللبناني على ساحة العمل الدولية ويُساهم في خفض نسبة البطالة وكما سيساهم في زيادة الطلب والتوجه نحو الإختصاصات التقنية و المهنية. هذه الحلول تتطلب إصدار تشريع يسمح بدور لوزارة التربية وجهة رقابية مستقلة من جهةٍ أخرى. فقيمة الإختصاص الجامعي والشهادة الجامعية مرتبطة بما تقدمه هذه الشهادة لحاملها.

من دون إصلاح إقتصادي سيكون من الصعب تغيير واقع شباب لبنان العالق بين فوضى الجامعات (وما أكثرها)، وإسترضاء الطبقة الحاكمة للحصول على وظيفة في القطاع العام، وقطاع خاص متردد وقلق. أمّا سوق العمل في لبنان فتحتاج إلى مسح وقاعدة بيانات إحصائية دورية شفافة تساعد على قراءة مكامن الخلل بشكلٍ دقيق. ورغم جهود الإحصاء المركزي في لبنان لسد الثغرات إلا أنه من المعيب أن يكون البلد بهذه الدرجه من التخلف الإحصائي في هذا العصر ألقائم على الأبحاث والمعلومات والتي تزيد من فعالية المجتمع المدني ومنهم الشباب في اللعبة الديموقراطية عبر محاسبة المسؤولين. كما يحتاج قطاع التعليم في لبنان إلى مؤشرات تصدرها جهات مستقلة تزيد الضغط على الجامعات. من شأن هذا المسح وهذه المؤشرات أن تساعد الطلاب على إختيار الجامعات والإختصاصات ومن شأنها إعادة بعض التوازن إلى سوق العمل في بلد الأرز.

• الدكتور عبد الله ناصر الدين خبير إقتصادي؛ وأستاذ الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى