هل فكرة تمدّد المملكة الهاشمية إلى سوريا والعراق جدّية؟

فيما تهز منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أحداث وحروب لم تعرفها في تاريخها الحديث وقد تغير خرائطها، يحاول الأردن بكل قواه الداخلية والخارجية إيجاد دور لإقناع العالم بأهمية بقائه وحتى تمدده. ولكن إلى أي حد نجح؟

الملك عبد الله الثاني بن الحسين: هل حقاً يريد تمدد مملكته؟
الملك عبد الله الثاني بن الحسين: هل حقاً يريد تمدد مملكته؟

عمان – هدى الشامي

حتى الآن، وقفت المملكة الأردنية الهاشمية الصغيرة على هامش الأزمة السورية، رغم معاناتها من الصراع الذي كان غالباً من خلال مئات الآلاف من اللاجئين الذين تدفقوا عبر حدودها الشمالية. والمشكل الأشد إيلاماً في هذا الوضع المعقّد أن عَمَّان تبحث منذ فترة عن موطئ قدم لها في المنطقة مع تسارع التغيّرات في قواعد اللعبة لكي تجد دوراً سياسياً إقليمياً ودولياً لها وبالتالي تُقنع اللاعبين الأساسيين بضرورة بقاء مملكتها. فمنذ إنكشاف ظهرها مع سقوط نظام صدام حسين في العراق وهيمنة إيران عليه، وإنغماس سوريا في حمأة حرب أهلية وإقليمية أدّت إلى تقسيمها وتفتيتها، مع بروز لاعب جديد خطر تمثل في “الدولة الاسلامية” (داعش)، والمملكة الأردنية تجهد لحجز مقعد لها في التحالفات الإقليمية والدولية الدائمة التغيّر، بلا جدوى.
لكن هذا الأمر قد يتغير قريباً. خلال شهر حزيران (يونيو) الماضي، مع تحرّك تنظيم “الدولة الإسلامية” بشكل خطير على مقربة من حدودها، فقد أشارت عَمَّان إلى إستعدادها للعب دور إقليمي أكثر نشاطاً، بما في ذلك إقامة منطقة آمنة عسكرية وإنسانية في جنوب سوريا، حيث ستكون منطقة يتدرّب فيها المتمردّون السوريون المعتدلون وتستوعب السكان اللاجئين.
الواقع أن هذه الخطة يمكن أن تؤدي إلى كارثة. إن إنشاء منطقة آمنة في سوريا، والذي سيكون بمثابة تعدٍّ غير مُرَحَّب به على ممتلكات في الأراضي السورية، قد يحرّض نظام الأسد للرد على الأردن. كما قد يفتح ذلك طريقاً للجماعات المتطرفة إلى المملكة.
إن إحتفالات هذا العام التي أقيمت في العاشر من حزيران (يونيو) الفائت بمناسبة يوم الجيش في الأردن، الذي يخلّد ذكرى الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى، كانت رمزية للغاية ولمَّحت إلى الخطة الجديدة للمملكة. خلال المراسم، قدّم الملك عبد الله الثاني بن الحسين إلى الجيش العربي، (إسم القوات المسلحة الأردنية)، العَلَم الهاشمي، الذي رُفِع خلال التمرد الذي قام به أفراد من الهاشميين، الأحفاد المباشرين للنبي محمد. إن النقش على العَلَم، الذي يتضمّن الشهادتين (لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) وكذلك بسم الله (الآية الأولى في القرآن)، يؤكد الدور التاريخي الرئيسي للهاشميين الذي أدّوه في خدمة القضايا القومية العربية والإسلامية.
قد يبدو هذا الأمر غير ضار إلى حد ما، ولكن بعد فترة وجيزة من مراسم يوم الجيش، كتب الصحافي الأردني البارز ماهر أبو طير مقالاً في صحيفة “الدستور” المُقرّبة من الدولة تحت عنوان “مملكة عربية جديدة عاصمتها عمَّان”، حيث نادى بتوسيع جغرافية الكيان الأردني ليصير الأردن الكبير، بزيادة جغرافية تعادل مساحته الحالية، وما بين 15 مليون الى 20 مليون مواطن جديد، وقال فيه أن على الأردن توسيع مملكته إلى المناطق السنية في غرب العراق وجنوب سوريا وكذلك في الضفة الغربية: “ما الذي يمنع أن يكون الاردن نواة لدولة عربية هاشمية جديدة ممتدة، خصوصاً أن الحنين العراقي والسوري والفلسطيني للهاشميين على أشدّه بعدما شاهدوه وعاشوه في دولهم تحت حكم انظمة التصدّي والرفض والغضب، وللهاشمية السياسية جذر في كل دول الجوار؟!. على كثيرين ان يفكّروا ببراغماتية، فالنظام السوري على وشك الإنهيار، وشظاياه سوف تصلنا، والدولة العراقية الحالية على وشك الإنهيار الكلي، وما تبقى من الضفة الغربية والقدس ينازع من أجل الإستمرار، وصياغات الدول وإعادة الصياغة لا تخضع لمزاجات الأفراد ولا لشعاراتهم اللاهبة التي لا وزن لها في نهاية المطاف عند التخطيط للمستقبل”.
وإدّعى أبو طير على أن الحدود الإقليمية تتغير جذرياً. وللتعامل مع هذا الواقع الجديد، يحتاج الأردن إلى ضبط حدوده وفقاً لذلك لضمان بقائه.
وكان قبل نحو ثلاثة أشهر، تحدّث رئيس الوزراء السابق طاهر المصري (بإختصار) في ندوة مُغلقة في مركز الرأي للدراسات في عمّان، عن سيناريوات دولية لتغيير الخريطة السياسية في المنطقة وأن المملكة الهاشمية تعي ذلك جيداً، ليأتي بعده رئيس الديوان الملكي ومستشار الملك سابقاً عدنان أبوعودة ليفصّل الأمر أكثر بالقول إن المملكة تُدرك أن عليها القيام بأمرين، أولهما الحفاظ على كيانها السياسي، والآخر التمدّد، وهو ما فُهمَ بالتمدد شرقاً نحو الأنبار في العراق وشمالاً نحو محافظتي درعا والسويداء في سوريا.
وفي منتصف حزيران (يونيو) أعلن العاهل الأردني عبدالله الثاني، خلال زيارة لقبائل البادية الشرقية والشمالية، أن “من واجب المملكة دعم العشائر (السنية) غرب العراق وجنوب سوريا”، في إشارة إلى المناطق التي تمدّد فيها “داعش” أو سيتمدد مستقبلاً، من غير ان يوضِّح طبيعة الدعم.
تلت ذلك زيارة رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي اللبناني وليد جنبلاط للأردن حيث طالب الملك بتوفير الحماية للدروز في محافظة السويداء من سطوة “داعش” التي صارت على تخوم مناطق الدروز السوريين، وصرّح السياسي اللبناني بعدها بأنه سمع كلاماً طيباً من الملك.
في المقابل، أصدر زعماء عشائر سورية جنوبية “من دمشق” بياناً إستهجنوا فيه تصريحات الملك. وكان هذا رسالة رد واضحة من النظام السوري، الذي ما إنفك يُرسل تحذيرات مُعلَنة ومُبطَّنة لعمّان من التدخل وإستمرار التدخل في الشأن الداخلي، في إشارة إتهامية إلى دعم الأردن “الجيش السوري الحر”، وجعل أراضيه قاعدة للتدخل الإستخباري الغربي (والخليجي) وتقديم الدعم والتدريب والتخطيط للمعارضة السورية.
غير أن كثيرين من السياسيين والمحللين الإستراتيجيين والكتاب الصحافيين حذروا من مغبة التورّط في هذا التوجه، وشدّدوا على ضرورة الاكتفاء بحماية حدود البلاد والنأي عن “اللعب بالنار”.
في مقابل ذلك، إنبرى رئيس الحكومة عبدالله النسور والناطق بإسمها وزير الاعلام محمد المومني أكثر من مرة للتأكيد على أن “لا نية للأردن لا اليوم ولا غداً للتمدّد شمالاً أو غرباً”، وتجديد تأكيد الموقف الرسمي الداعي منذ بداية الأزمة السورية إلى “الحل السلمي”.
لكن، في عُرف الأردنيين، “متى كان للحكومة رأي أو قرار في مثل هذه الملفات” التي يعلمون جيداً أن القصر والأجهزة الأمنية وحدها تديرها.
بطبيعة الحال، من غير المحتمل أن يتمدّد الأردن ويوسّع حدوده، ولكن سياسته الخارجية نمت بالتأكيد وصارت أكثر جرأة. أولاً، أعلن عن عزمه إنشاء منطقة آمنة لتدريب المتمرّدين السوريين من جهة ولإستيعاب اللاجئين من جهة أخرى. الحقيقة أن الأردن يريد لهذه المنطقة، التي ستشمل محافظتي درعا والسويداء، أن تخدم وتساعد الثوار السوريين على شن هجمات ضد نظام الأسد في أجزاء أخرى من البلاد، وكذلك لحماية الحدود السورية-الأردنية ضد المتطرفين. وسوف ترعى هذه المنطقة قوات “الجبهة الجنوبية”، وهي تحالف من المعارضين السوريين المعتدلين الذين لا ينتمون إلى الجماعات الأكثر راديكالية (مثل “الدولة الإسلامية”، و”جبهة النصرة”، أو “أحرار الشام”)، وذلك بدعم من المملكة. وفي حزيران (يونيو) الماضي، أطلقت “الجبهة الجنوبية” عملية أُطلق عليها إسم “عاصفة الجنوب” لإحتلال مدينة درعا، لكنها تعثرت، إن لم تكن فشلت في تحقيق أهدافها، وسط أنباء عن خلافات بين فصائل المعارضة، وبينها وبين غرفة العمليات في الاردن المعروفة بالـ”موك”. ويقول المتابعون أنه على الرغم من توقف هذه العملية وتعثّرها منذ ذلك الحين، فإنها لا تزال على جدول أعمال “الجبهة الجنوبية”.
قد تبدو فكرة إقامة المنطقة الآمنة جيدة وأنها وسيلة ذكية لبناء شبكة أمان وتفريغ الآلاف من اللاجئين، لكنها سوف تقوّض الواقع الأمني في المملكة من جهة، ومما لا شك فيه بأنها سوف تثير غضب نظام الأسد، وربما بما يكفي لإستفزازه لشن هجوم ضد الأردن من ناحية أخرى. إن النظام السوري قد كثّف أخيراً قصفه على الجماعات المتمرّدة في درعا وهو يعتبر السيطرة على المدينة أمراً حيوياً لبقائه. إذا إنخرط الأردن هناك، لأنه يدعم وينصح الجماعات التي تقاتل في درعا (ربما حتى إرسال أردنيين إلى هناك)، فإن النظام السوري قد يقرر الهجوم. وعلى الرغم من أن الرئيس السوري بشار الأسد ربما لا يرغب في إضافة المزيد من الأعداء على قائمته، فإن منطقة آمنة قريبة جداً من دمشق قد يكون أمراً من المستحيل بالنسبة إليه تجاهله.
ثانياً، إن جماعات المعارضة الراديكالية هي قوية في جنوب سوريا، ومن الممكن أن يزج الأردن نفسه وينخرط عن غير قصد في سياساتها المعقّدة. واحدة من الجماعات المتمردة الرئيسية العاملة في محافظة درعا هي “جيش الفتح”، وهو تنظيم “مظلة” يضم جماعات متشدّدة مثل “جبهة النصرة”، التابع لتنظيم “القاعدة”، و”أحرار الشام”، وهي مجموعة تتشكّل من متمردين سلفيين محافظين جداً. ولكن في الجنوب فإن الجماعات المتطرفة ليست قوية كما في أماكن أخرى في بلاد الشام، كما أن غرفة العمليات في عَمَّان، والمعروفة باسم “قيادة العمليات العسكرية” (أو الموك)، التي تؤمّن وترسل الأسلحة والأموال إلى “الجبهة الجنوبية”، حاولت منع التعاون بين هذه الأخيرة و”جيش الفتح” والجماعات المتطرفة الأخرى.
ولكن كمجموعة “مظلة”، فإن “الجبهة الجنوبية” تعاني بدورها من إنقسامات داخلية التي قد تدفع بعض فصائلها للدخول في شراكة مع “جيش الفتح”. وإذا إستطاعت “الجبهة الجنوبية” الإنتصار والسيطرة على درعا في نهاية المطاف، فإن “جيش الفتح” سوف ينتهي إلى إنشاء مخيم في المنطقة الآمنة؛ وسوف يثير وجود “جيش الفتح” في درعا غضب دمشق التي تتهم عمّان بدعم الجماعات الإرهابية. الأهم من ذلك، إن الأردن يتعرّض لضغوط من الولايات المتحدة لمنع المتطرفين من العمل في المنطقة. ومع ذلك، إذا حاول الأردن منع هذه المجموعات من إستخدام منطقة التدريب التي يقيمها كنقطة إنطلاق، سواء من خلال مهاجمتها بشكل مباشر أو غير ذلك، فإنها قد تقرّر الإنتقام من المملكة.
أخيراً، يمكن لمنطقة آمنة أن تؤدي إلى خطر إنزلاق الأردن مباشرة إلى الصراع السوري. للتأكيد، لقد أدّى القصف أحياناً عبر الحدود إلى سقوط ضحايا من المدنيين، ولكن ظلت الحدود الأردنية آمنة نسبياً خلال الحرب الأهلية. مع ذلك، قد تكون المنطقة الآمنة جذابة جداً لكي تكون هدفاً للجماعات المتطرفة مثل “الدولة الإسلامية” و”جيش الفتح”، مما سيجبر الأردن على إرسال قوات برية خاصة إلى جنوب سوريا. إذا حدث هذا الأمر، فإن مشاركة الأردن في الحرب الأهلية سوف تقوّض بشدة إستقرار المملكة.
حتى الآن، حافظت القيادة الأردنية بشكل رائع على أمن وإستقرار البلاد على الرغم من الأوضاع الأمنية المتردية في العراق وسوريا. ولكن مع الهجوم المستمر في درعا، فإن الأردن سيواجه مخاطر متزايدة، والذي لهذا السبب لا ينبغي أن يُقدِم على تغيير مغامر في سياساته.
من ناحية أخرى، هناك طريقتان تستطيع الولايات المتحدة من خلالهما أن تساعد الأردن لكي يتجنَّب التورط في بلاد الشام. يمكنها أن تعمل مع روسيا وإيران لإجبار الأسد على الموافقة على وقف لإطلاق النار في الجنوب. وهذا من شأنه أن يقلّل من حدة الصراع بالقرب من الحدود الأردنية وسيقلّل من حاجة المملكة إلى التورط في الأزمة. كما تستطيع واشنطن أيضاً دعم االمملكة الهاشمية من خلال المساهمة في منحها المزيد من الأموال لمساعدة اللاجئين السوريين وتشجيع المجتمع الدولي على أن يحذو حذوها. وهذا من شأنه أن يقلّل من الضغط على المملكة للبحث عن بدائل لإستيعاب اللاجئين. إن هذين الخيارين قد يسمحان للأردن تأمين حدوده من دون الحاجة إلى إعداد أو إقامة أي نوع من المناطق الآمنة على حدوده، التي من شأنها أن توفّر الأمان بالإسم فقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى