هكذا تجني العائلة المالكة البريطانية أموالها

“نحن لسنا عائلة، نحن شركة”، عبارة أطلقها الملك جورج السادس في فيلم “خطاب الملك” في العام 2010. ووفقاً للأسطورة، فإن إبنته الملكة أليزابيث الثانية تستخدم أحياناً التعبير عينه في جلساتها الخاصة. وقد إستخدمه على الأقل أحد الكتّاب كعنوان لكتابه – بيني جونر في “الشركة: الحياة المضطربة لآل وندسور” (2008). وهذا الكتاب لم يكن بأي حال من الأحوال منفرداً أو شاذاً مقارنة بما كانت تبدو عليه الملكية سابقاً، لأن العائلة المالكة البريطانية هي في هذه الأيام عملية تجارية جدية للغاية.

الأمير ويليام وقرينته كايت: مصاريفهما تأتي من دوقية كورنوال
الأمير ويليام وقرينته كايت: مصاريفهما تأتي من دوقية كورنوال

لندن – سمير الحلو

منذ وصولها إلى العرش البريطاني منذ 63 عاماً، تطورت حاشية الملكة أليزابيت الثانية من مبنى كبير يعود إلى أواخر العصر الإدواردي، يكتنفه الغموض والإحترام، إلى مؤسسة واعية إعلامياً وشفافة نسبياً والتي يمكن وصفها في المصطلحات التجارية بتكتل للعقارات والترفيه مع علامة تجارية متميزة بالتراث والحس العالي بالمسؤولية الإجتماعية للشركات.
قد يبدو ذلك بعيد المنال وأمراً لا يُصدَّق بالنسبة إلى بعض الملكيين القدامى، ولكن التجانس بين النظام الملكي الحديث وإدارة المحاصيل هو في كل مكان في هذه الأيام. لقد قُيَمت “الأصول الملموسة وغير الملموسة” للملكة في الآونة الأخيرة (من طريق “براند فاينانس” (Brand Finance)، وهي شركة إستشارية تهتم عادة بالمنتجات والخدمات الإستهلاكية) حيث بلغت 44 مليار جنيه إسترليني – في حين تم تحذير المدير المالي للقصر الملكي من قبل لجنة برلمانية ل”تشديد قبضته وجعلها أكثر حزماً” والسعي إلى تحقيق” أكبر كفاءة في الوفورات”.
مثل الدستور البريطاني عينه، لقد تطورت الترتيبات المالية التي يقوم عليها العرش عضوياً منذ تقييد الحق الملكي الأول في ال”ماغنا كارتا” قبل ثمانية قرون. الواقع إن الكشف عن التدفق النقدي الملكي، في الماضي والحاضر، يتطلب فهم الإختلافات بين المحفظة الخاصة، والقائمة المدنية والمنح الملكية، بين عقارات التاج والدوقيتين الملكيتين التي تعود إلى القرون الوسطى في لانكستر وكورنوال، وبين ثروة الملكة الخاصة والأصول والإستحقاقات التي تأتي مع هذا الدور. في النهاية، فإن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان “المال العام” ضُيِّع وأُهدِر أو أُنفِق بشكل جيد. كمؤسسة، يمثّل النظام الملكي ركيزة من ركائز الحياة البريطانية الذي أفتن وأُعجِب به الجميع في كل أنحاء العالم – ولكنه أيضاً يشكل مركز تكلفة، حيث يراه معارضو الملكية أنه يهدر أموال الدولة التي يمكنها أن تذهب خلاف ذلك للإنفاق على الرعاية الصحية أو المدارس. على الرغم من أن التكلفة هي مجرد نقطة في دلو الموازنات العامة للقطاع العام – 35.7 مليار جنيه إسترليني في السنة المالية 2013 – 2014 أو مجرد 56 بنساً لكل فرد من السكان، أي أقل من تكلفة طابع بريدي من الدرجة الأولى – فإن دافعي الضرائب من المواطنين يتوقعون اليوم قيمة وأداء وحكماً رشيداً، ومعرفة إلى أين تذهب أموالهم. ولكن كيف تحقق هذا التحوّل في النظرة في عهد الملكة أليزابيت الثانية؟
عندما توفي الملك جورج السادس في 6 تشرين الثاني (فبراير) 1952، لم يكن حدث أي تغيير يُذكَر في طريقة عمل الديوان الملكي – إذا نحّينا جانباً صدمة تنازل شقيقه الأكبر في 1936 – منذ وصول والده جورج الخامس في العام 1910 إلى العرش. لقد ورثت الملكة الجديدة أليزابيت الثانية إتفاقاً مع البرلمان يعود تاريخه إلى 1760، في عهد الملك جورج الثالث، حيث تنازل الملك آنذاك عن جميع إيراداته من العقارات الملكية في مقابل دفع قائمة مدنية سنوية – قُدِّرت يومها ب475،000 جنيه إسترليني في السنة – لتغطية تكاليف عمل الملك وعائلته وجهازه.
كما أنها ورثت عقارات عائلية خاصة في ساندرينغهام في نورفولك وبالمورال في أبردينشاير، وثروة خاصة بقيت سرية حتى يومنا هذا – على الرغم من أن قائمة الأثرياء التي تضعها سنوياً صحيفة “صنداي تايمز” خمّنت مجموع ثروتها في العام 2014 ب330 مليون جنيه استرليني، حيث يتضمّن ثلثها “إلى حد كبير أسهماً في شركات بريطانية ممتازة”.
هبطت هذه العباءة على أليزابيث في وقت التقشف في مرحلة ما بعد الحرب، عندما كان توزيع الحصص الغذائية لا يزال في مكانه وتناثر مواقع الإنفجارات يعمّ أحياء لندن. وكانت ما تُسمّى “القصور الملكية المأهولة” – باكنغهام، سانت جيمس، كنسينغتون في لندن وقلعة وندسور – قديمة العهد وتحتاج إلى إصلاحات كبيرة. وكانت فعلياً المرأة المؤهلة لهذا المنصب والدور.
نتاج تنشئة ونشأة في زمن الحرب على أيدي والدين عاقلين مسؤولين، فإن الملكة نفسها هي مُقتَصِدة بطبيعتها ومُنضبطة في مكتبها: وفقاً لأحد حاشية البلاط الملكي الذي نقل عنه الإعلامي “أندرو مار” في الذكرى الماسية للملكة: “تُرسِل إليها مذكرة الآن وستعود إليك مع الجواب في اليوم التالي”. إن إهتمامها بالتفاصيل ينطبق أيضاً على العناصر المرئية من إنفاق قصورها: لقد زعم تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” في العام 2013 أنها قامت بتوبيخ أفراد الشرطة في القصر لتناولهم وجبات خفيفة مُخصَّصة للضيوف، وحتى أنها وضعت علامة على الأوعية بإعتبارها خضعت للمراقبة. وبالمثل، فإن زوجها دوق أدنبره الأمير فيليب لديه عين ضابط بحري للكفاءة. لقد نُظِر دائماً إلى الزوجين على أنهما مسؤولان موثوقان وحارسان آمنان على المحفظة الملكية – ولكن في خمسينات القرن الفائت لم تكن أموالهما مسألة للمناقشة العامة، ونادراً ما ناقشها البرلمان.
إن أي إقتراح بتنظيم البيت الملكي كمركز للأعمال كان سيفشل في البداية بسبب وجود رجال البلاط الذين ورثتهم الملكة أيضاً – أمثال لورد تشامبرلين (مدير البلاط)، إيرل سكاربورو، وهو جندي سابق ومن كبار الماسونيين، وأول سكرتير خاص لها سير آلان “تومي” لاسيلس، لاعب أساسي في القصر منذ العام 1920 الذي كان (يقول كاتب سيرته) “رجل يقين بالعالم القديم، يحذر ويخاف من الإبتكار”. بإنتسابهم إلى أسر لديها تقاليد طويلة من الخدمة العسكرية والعامة، تشارك مثل هؤلاء الرجال في إزدرائهم للطبقة العليا بسبب التجارة والمبادلة: علماً بأن لاسيلس عندما كان شاباً فقد عمل مُكرَهاً فترة قصيرة في مجال الوساطة المالية.
كان على التغيير الإنتظار إلى العقد المقبل، عندما كانت تهب نسمات جديدة من كل جوانب المجتمع البريطاني. وبحلول منتصف ستينات القرن الفائت صار المبلغ الثابت للقائمة المدنية المُثبت منذ فترة طويلة والبالغ 475،000 جنيه إسترليني في السنة غير كاف لتغطية النفقات الرسمية، مما إضطر الملكة الى اللجوء إلى إحتياطاتها – الأمر الذي أثار تكهنات عامة في البلاد حول ثروتها الخاصة، والتي قدرتها صحيفة “تايمز” في العام 1969 ب60 مليون جنيه إسترليني. وأخيراً في العام 1971 زادت لجنة برلمانية البدل إلى 980،000 جنيه، ووافقت على إستعراض ومراجعة عادية للتضخم.
في الوقت عينه، كان البلاط يُقدِم على إتخاذ خطوات مبدئية نحو الحداثة. إستُبدِل لورد سكاربورو كلورد تشامبرلين (مدير البلاط) بلورد كوبولد، الحاكم السابق لبنك إنكلترا الذي جلب معه معرفة مالية جديدة الأمر الذي وضع منصبه، بشكل صادق، “مماثل لرئيس غير متفرِّغ لشركة كبيرة مع مساهم ناشط واحد”. وقد تحدث أيضاً في العام 1968 عن “تحويله مؤسسة عريقة تحظى بالإحترام، إلى مزيد من الحداثة” – وهو هدف قُدِّم في العام التالي في فيلم وثائقي تلفزيوني تحت عنوان “العائلة المالكة”، الذي صوَّر وراء الكواليس لمحات من قصر باكنغهام لأول مرة، وقيل أن ثلثي السكان البريطانيين قد شاهدوه في ذلك الوقت.
وكان تعيين مراسل هيئة الإذاعة البريطانية الملكي السابق رونالد أليسون كسكرتير صحافي للملكة في العام 1973 علامة بارزة أخرى نحو الإنفتاح. ولكن تزايد سحر الجمهور بالحياة الخاصة للعائلة المالكة – خصوصاً أفرادها المؤهلون للزواج والسلوك الضال لشقيقة الملكة الأميرة مارغريت – رافقه تزايد التدقيق في المالية الملكية، وخصوصاً من اليسار السياسي العدائي. كان من بين الأكثر صراحة النائب العمالي ويلي هاملتون، الذي وصف الأميرة مارغريت خلال مراجعة مالية العائلة المالكة في 1971 بأنها “إمرأة باهظة التكاليف” بالنسبة إلى زيادة راتبها في القائمة المدنية إلى 35،000 جنيه إسترليني، وحافظ على تعليقاته التي تنتقد “التكلفة الملكية “حتى تقاعده في ثمانينات القرن الفائت.
تدريجاً إكتسب القصر الملكي المعرفة المالية التي يحتاج إليها سواء لإبعاد الإنتقادات وتغطية نفقاته في حدود نظام القائمة المدنية. كان اللورد تشامبرلين بين 1984 و1997 “إيرل أوف إيرلي”، الرئيس السابق لبنك الإستثمار شرودرز – الذي كان أول قراراته إستدعاء شركة المحاسبة “بيت مارويك ميتشل” (الآن KPMG) لإجراء مراجعة مالية شاملة. ووقعت المهمة على مايكل بيت، الذي، وفقاً لمصدر، دخل إلى مالية العائلة المالكة “مثل السكين في الزبدة” لتحديد وفورات، في حين أجرى إيرلي نفسه معركة سرية لإستعادة السيطرة على شؤون العائلة المالكة من موظفي الخدمة المدنية في “وايت هول”. وما لبث المحاسب بيت (الآن سير مايكل) أن إنضم في الوقت المناسب إلى البلاط كأول “مدير للخدمات المالية والممتلكات”؛ وتوسعت مهمته لييصبح حارس المحفظة الملكية، والمُستقبِل العام لعوائد دوقية لانكستر وأمين الصندوق للملكة، وأخيراً السكرتير الخاص لولي العهد وأمير ويلز تشارلز.
في حين أن إلتزام الملكة الخاص بالواجب وأسلوبها في ضبط النفس أبقياها فوق النقد، فإن التدقيق في قيمة الملكية بالنسبة إلى التكاليف وصل إلى الذروة في بعض الأحيان عندما كان أفراد الأسرة المالكة يجتذبون العناوين السلبية في الأخبار، وهذا تكرّر جداً. كان العام 1992، في العديد من النواحي، “بالعام المروّع” بالنسبة إلى الملكة – كما وصفته بنفسها. عرف هذا العام تفكك زواج دوق يورك الأمير أندرو من سارة فيرغسون، وتسرُّب أشرطة ما يسمى ب “فضيحة كاميلا” التي سجّلت محادثات بين أمير ويلز وكاميلا باركر بولز، ونشر الكاتب أندرو مورتون كتاب “ديانا: قصتها الحقيقية”، الذي إستند فيه على مقابلات سرية مع أميرة ويلز. ثم في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1992 جاء الحريق الكارثي في قلعة وندسور، مما تسبب في أضرار قُدِّرت ب36 مليون جنيه إسترليني، أكثرها غير مؤمَّنة. عندما أعلن وزير الداخلية، من دون تشاور مع أحد، بأن دافعي الضرائب سوف تقع عليهم الفاتورة، كان رد فعل الجمهور عدائياً واضحاً – وقد ساهم في بؤس الملكة، وجعل الأمر أسوأ الإعلان الرسمي، بعد أيام، للإنفصال بين الأمير تشارلز ووألميرة ديانا.
وجرت مناقشة الشؤون المالية الملكية فعلياً بين القصر والحكومة المحافظة لرئيس الوزراء جون ميجور – وكانت النتيجة لهذه الفترة غير السعيدة إتفاقاً على جبهتين. أولاً، تدفع الملكة نحو 70٪ من تكاليف ترميم “وندسور” من خلال فتح كلٍّ من قلعة وندسور وقصر باكنغهام إلى الجمهور للمرة الأولى من طريق رسم دخول، فضلاً عن تقديم مساهمة مليوني جنيه إسترليني من حسابها الخاص. ثانياً، تدفع الملكة من الآن فصاعداً طوعاً ضرائب على حد سواء على دخلها الخاص، وعلى الفائض من المحفظة الملكية (الإيرادات من عقارات دوقية لانكستر) فوق ما هو مطلوب لتلبية نفقات الأسرة الرسمية التي لا تشملها القائمة المدنية. وبالمثل، فقد وافق أمير ويلز (الذي كان قد بدأ دفع بعض الضرائب طوعياً منذ العام 1969) رسمياً على دفع ضريبة على فائض دخله من دوقية كورنوال على ما يزيد على تكاليف إدارته الرسمية.
وعرفت شروط هذا الإتفاق لاحقاً تغييرات مرات عدة، ولكن مبالغ الضريبة المدفوعة بقيت سرية. وقد منحت مدفوعات القائمة المدنية السنوية الملكة فائضاً في بعض السنوات، ولكنها كانت تأخذ من إحتياطاتها في بعض السنوات الأخرى. وكانت مدفوعات القائمة إرتفعت إلى 13.6 مليون جنيه استرليني بحلول السنة المالية 2011 -2012، ولكن كان لا بدّ من إستكمالها ب18.7 مليون جنيه استرليني من “منحة المساعدات” من الدوائر الحكومية لتغطية تكاليف السفر والإتصالات وصيانة الممتلكات – وحلّت محلها في تلك السنة منحة الملكة، وهي دفعة واحدة وُضِعت كنسبة مئوية (في البداية 15٪) على الأرباح من العقارات الملكية، التي يعود تاريخها إلى فتح النورمان ولكن في هذه الأيام تصف نفسها بأنها “عمل تجاري مستقل”.
الواقع أنها تمثل عمل تجاري كبير جداً، بعيداً من مالك وراثي سلبي كما قد يوحي إسمها. برئاسة سير ستيوارت هامبسون، الرئيس السابق لمجموعة متاجر “جون لويس”، تضم العقارات الملكية كل “ريجنت ستريت” ومعظم سانت جيمس في قلب “ويست إند” في لندن، حيث تشارك في برنامج إعادة تطوير بقيمة 1.5 مليار جنيه إسترليني. كما أنها تمتلك وتدير 139،000 هكتار من الأراضي الزراعية والغابات، فضلا عن نصف شاطئ المملكة المتحدة وكل ما في قاع البحر خارج ال12 ميل من الحد البحري – الذي يجلب المصالح في القطاعات الصناعية المتطورة: طاقة الرياح والأمواج والمدّ والجزر، وإلتقاط الكربون وتخزينه، وإستخراج المعادن وتمديد الكابلات وخطوط الأنابيب. برأس مال يقدر ب 10 مليارات جنيه إسترليني تقريباً، فقد جنت العقارات 267 مليون جنيه إسترليني من الأرباح في السنة المالية 2013 – 2014 – والتي كان العائد الملكي منها 36.1 مليون جنيه إسترليني، مع توفير فائض صغير على النفقات بلغ 35.7 مليون جنيه إسترليني.
ودوقية لانكستر – التي جنت 13.6 مليون جنيه استرليني للمحفظة الملكية في السنة المالية 2013 – 2014- تشمل بدورها عقارات بقيمة تقرب من نصف مليار جنيه، بما في ذلك 18،500 هكتار من الأراضي – يرجع تاريخها إلى الملك هنري الثالث الذي منح الأراضي لإبنه إدموند في 1256. من ناحية أخرى تتميز تقاريرها السنوية بلهجة تقليدية – ولا يرأسها رجل أعمال ولكن أحد معاوني الملكة في لانكشاير، لورد شاتلوورث. كما أنها أيضاً مالكة كبيرة في لندن، حيث تمتلك عقارات “سافوي” بين “ستراند” و”إنبنكمانت”، ولها مصالح تجارية تتراوح بين بيوت عطلة على ساحل شمال يوركشاير إلى محاجر في جنوب ويلز.
والمحطة الثالثة للأراضي الملكية التي تدر المال هي دوقية كورنوال – التي يعود تاريخها إلى 1337، وتتضمن 53،000 هكتار من الأراضي، وقد ولّدت فائضاً صافياً بلغ 19.5 مليون جنيه استرليني في السنة المالية 2013 – 2014- وهذا المبلغ يموّل بلاط أمير ويلز والمصروفات الرسمية لولديه وليام وهاري. وبرئاسة وريث العرش نفسه من خلال هيئة تسمى “مجلس الأمير”، فهي شركة غير تقليدية التي يقول بيان مهمتها “تعكس تماماً وجهات نظر صاحب السمو الملكي ورغباته” مع التركيز بشكل خاص على “السلامة البيئية “. والمشروع الأكثر شهرة في دوقية كورنوال هو مشروع “باوندبيري”، وهو تطوير حقول خضراء على حافة “دورتشستر” في “دورسِت” الذي سيضم في نهاية المطاف 5000 ساكن – والذي يعبّر بوضوح عن نهج الأمير التقليدي بالنسبة إلى الهندسة المعمارية وتخطيط المدن، وإلى الازدراء من منتقديه. ولا بد من الإشارة أيضاً (على الرغم من أنه يملكها من خلال مؤسسته الخيرية، بدلاً من الدوقية نفسها) إلى “أصول الدوقية”، العلامة التجارية للأطعمة العضوية التي أسسها في العام 1990، والتي تعمل الآن من خلال إتفاق ترخيص مع سلسلة سوبر ماركت “ويتروز”.
آخر قطعة من التكتل المدر للمال، يرأسها أيضاً أمير ويلز، هي مجموعة الأعمال الفنية الملكية التي تقتنيها الملكة (كعاهلة، وليس شخصياَ) وتتاح، إلى حد كبير بعد حريق وندسور، مشاهدتها من قبل الجمهور داخل القصور الملكية أو على سبيل الإعارة إلى المعارض. وقد ساهم نحو 2.7 مليوني زائر ب55 مليون جنيه إسترليني للخزائن الملكية في السنة المالية 2013 – 2014، وتوليد تدفقات نقدية صافية إلى صندوق الإحتياطي الملكي 9.2 ملايين جنيه إسترليني. (نشرت المجموعة أن “صافي الأصول” يبلغ 46 مليون جنيه إسترليني ولا علاقة لهذا السعر بالقيمة السوقية للأعمال الفنية، والتي لن يتم بيعها أبداً). وبلغت هذه المحافظ معاً، وفقاً ل”براند فاينانس” في العام 2012، مبلغ 18 مليار جنيه إسترليني لمجموع “الأصول الملموسة”- التي أضافت إليها شركة الإستشارات 26 مليار جنيه إسترليني ل”الأصول غير الملموسة” لتخرج ب”قيمة العلامة التجارية” البالغة 44 مليار جنيه إسترليني – التي كانت أكثر من شركتي سلسلة السوبرماركت “تيسكو” و”ماركس أند سبنسر” مجتمعتين في ذلك الوقت. وتشمل الأصول غير الملموسة “قيمة إرتفاع الإقتصاد التي تُعزى إلى الحكم الملكي”، إستناداً إلى المساهمة المقدرة ب500 مليون جنيه إسترليني سنوياً في الإنفاق على السياحة والترفيه بالإضافة إلى القيمة الإسمية للأوامر الملكية (“من طريق التعيين إلى …” شارات منحت لتفضيل الموردين) واستخدام الصور الملكية على جميع أنواع البضائع.
عنوان ال44 مليار جنيه استرليني هو بطبيعة الحال مفتوح للتحدي ولكن لا يمكن أن يكون هناك شك في أن العائلة المالكة البريطانية هي مؤسسة مالية معقّدة وواسعة النطاق، وكذلك رمز دستوري يفتخر به البريطانيون. وسوف يستمر دافعو الضرائب بالسؤال: هل هذه المؤسسة تعمل بشكل جيد، وهل ستكون في أيد أمينة مع الجيل المقبل؟
خليفة سير “مايكل بيت” كحافظ للمحفظة الملكية هو سير “آلان ريد”، محاسب آخر سابق في “KPMG”. وقد واجه هو ونائبه مايك ستيفنز إستجواباً عنيفاً نيابة عن دافعي الضرائب – ركّز على الديوان الملكي نفسه، بدلاً من محفظة الأصول الأوسع – من لجنة الحسابات العامة في مجلس العموم في تشرين الأول (أكتوبر) 2013.
وأشارت لجنة من النواب برئاسة النائبة العمالية مارغريت هودج أن البلاط الملكي قد قلّص التكاليف الصافية بنسبة 16٪ خلال خمس سنوات ولكن “يمكن عمل المزيد” – ولا سيما في ما يتعلق على ما يبدو بالإفراط في التوظيف. ومستوى الموظفين في البلاط (أقل من 500 موظف “بدوام كامل”) ظل ثابتاً على مدى ثماني سنوات، وأشارت هودج، على الرغم من أنه “في جميع أنحاء عالم الأشياء التي تمولها الخزينة العامة، فقد كان الناس يبذلون مزيداً أو أقل من الجهد. وعلى العموم، في القطاع العام، هذا يعني عدداً أقل من الناس يعملون أكثر كفاءة. وهذا لا يبدو أنه قد حدث”. وكان النواب مهتمين أيضاً بأن “39٪ من العقارات الملكية” (في اشارة الى “القصور المأهولة”) كانت في “حالة أقل من مقبولة” و في حاجة ماسة إلى تجديد، وأن الصندوق الاحتياطي الملكي إنخفض إلى آخر مليون جنيه. ومن هنا هناك حاجة شاملة ل “قبضة أكثر حزماً بكثير”.
من جهتهم يتشارك مراقبو الشؤون الملكية في قلق أوسع في حال إنتقلت خلافة الملكة الحالية إلى إبنها البكر تشارلز. في عالم الأعمال، غالباً ما أعقب رحيل رئيس تنفيذي مثير للإعجاب عالمياً أمضى فترة طويلة في مركزه إضطرابات داخلية، وأداء مخيب للآمال وتراجع سعر السهم – ويشهد على ذلك تراجع شركة سلسلة السوبرماركت “تيسكو” العملاقة منذ تقاعد سير تيري ليهي منها في العام 2011. لذا السؤال هنا: هل هذا سيكون المصير الذي ينتظر “الشركة الملكية البريطانية المحدودة”؟
لقد حقق أمير ويلز تشارلز أشياء غير عادية من خلال الجمعيات الخيرية التي أسسها، خصوصاً “برنس تراست” التي تفعل الكثير لمساعدة الشباب المحرومين. لكنه يتمتع بسمعة الإسراف في كل من أفكاره وأسلوب حياته، وغرابة الاطوار في طريقة إدارته. لم يقل أحد بأنه “رجل أعمال” كوالدته – لكن في أحد الأيام في السنوات القليلة المقبلة، عندما يكون قد إجتاز بالفعل سن التقاعد التقليدي، فإنه سوف يرث منها تسيير الأعمال التجارية الكبيرة جداً في الواقع، عندها سيعرف الناس خامته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى