خط أنابيب الغاز بين إيران وباكستان سيصبح واقعاً

عندما إفتتح الرئيسان السابقان الباكستاني آصف علي زرداري ونظيره الايراني محمود أحمدي نجاد في آذار (مارس) 2013 مشروع خط أنابيب غاز بين بلديهما على الرغم من التحذيرات الأميركية من إمكانية فرض عقوبات على إسلام آباد، توقع العديد من المتابعين حدوث أزمة سياسية وديبلوماسية بين واشنطن وباكستان، ولكن عدم تنفيذ الأخيرة للمشروع في حينه أعاد ترطيب الأجواء الأميركية –الباكستانية. ولكن مع إحتمال نجاح المباحثات النووية الدولية مع إيران فإن الأبواب قد تكون مشرّعة لتكملة وتنفيذ هذا المشروع الذي تنام بين ثناياه مصالح سياسية وإقتصادية كبيرة للبلدين.

الرئيس الصيني شي جينبينغ: دعم المشروع حتى النهاية
الرئيس الصيني شي جينبينغ: دعم المشروع حتى النهاية

طهران – هشام الجعفري

يمكن وصف خط الأنابيب بين إيران وباكستان كمنشأة “بوشهر” ثانية بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية: مكلفٌ، يثير ضجة عالمية، وقد تأخر مراراً بسبب تعرّضه إلى كثير من الضغوط السياسية. ومع ذلك، بعد 20 عاماً على توقيع طهران وإسلام آباد أول إتفاق لبناء خط أنابيب للغاز الطبيعي أو “خط أنابيب السلام”، يبدو أن المشروع في طريقه أخيراً إلى حيّز التنفيذ.
يبلغ طول خط الأنابيب 1682 كيلومتراً، وسينقل الغاز من جنوب إيران الى المدن الباكستانية منها جوادر ونواب شاه. كما أنه سيغذّي أكبر مدينة في باكستان كراتشي، التي يبلغ عدد سكانها 27.3 مليون نسمة، بالغاز عبر أنابيب غاز موجودة اصلاً سيتم ربطها بمشروع أنابيب “السلام”.
من العقبات العديدة لوضع الصيغة النهائية للمشروع هي معارضة الولايات المتحدة الشديدة على وجه الخصوص. لقد ضغطت واشنطن منذ فترة طويلة لبناء خط أنابيب بين تركمانستان وأفغانستان وباكستان والهند، وفي الوقت عينه عملت على تثبيط الإهتمام والعمل لبناء خط أنابيب بين إيران وباكستان، معززةً الغاز الطبيعي التركماني على حساب الإيراني. في السنوات الأخيرة، جعلت العقوبات الغربية المشدَّدة على الجمهورية الإسلامية تنفيذ المشروع حتى أكثر تعقيداً.
الإجراءات العقابية التي تستهدف المشاركة في صناعة الطاقة الإيرانية، جنباً إلى جنب مع القيود المالية والمصرفية، أصابت تمويل القسم الباكستاني من خط الأنابيب، وعقّدت المناقشات على آليات الدفع. على الرغم من الظروف الإقتصادية العصيبة التي واجهتها إسلام اباد، فإن إيران أنهت بناء قسمها من مدينة “عسلوية” في جنوب البلاد الى حدودها مع باكستان. ومن ناحيتها فإن إسلام آباد مُلزَمة تعاقدياً بدفع غرامات باهظة، إبتداء من شتاء 2014، عندما كان من المفترض أن تبدأ شحنات الغاز. ومع ذلك، فإن دفع هذه الغرامات، الناجم عن فشل باكستان في بناء وتشغيل قسمها من خط الأنابيب الذي يبلغ طوله في أراضيها 780 كلم، لم يُنفَّذ – بموافقة إيرانية.
وبصرف النظر عن إستهداف خط الأنابيب بين إيران وباكستان، فقد قطعت العقوبات الغربية أيضاً الطريق على تصدير الغاز الطبيعي المُسال الإيراني. ولما كانت الشركات الغربية تحتكر التكنولوجيا اللازمة للجوانب الحاسمة للبنية التحتية للغاز الطبيعي المسال، فقد أوقفت العقوبات المشاريع الإيرانية الطموحة للغاز الطبيعي المسال. وفي الوقت عينه، إشترت باكستان المتعطّشة للطاقة في وقت سابق من هذا الربيع أول شحنة من نوعها من الغاز الطبيعي المُسال – من قطر. ومن المفارقات، أن هذا الغاز الطبيعي القطري يأتي من حقل قبّة الشمال الواسع، وهو مشروع مشترك مع إيران، التي تدعوه “بارس الجنوبي”، والذي من المقرر أن يتغذّى منه خط أنابيب إيران – باكستان.
الضغوط الأميركية لعبت أيضاً دوراً في إحباط تمديد خط الأنابيب المُزمَع الى الهند. التسعير، والمخاوف الأمنية والديناميات الهندية الباكستانية المضطربة كانت من العوامل المهمة التي أدّت إلى رفض نيودلهي المشاركة. مع ذلك، فإن الضغوط الأميركية على الهند للإمتناع عن الإشتراك في المشروع لا ينبغي الإستهانة بها. في حين أن نيودلهي كانت مدفوعة إلى حد كبير بديناميات منفصلة، فيجدر الإشارة إلى أن الإتفاق النووي المدني بين الولايات المتحدة والهند في 2008 سبق قرار الهند اللاحق للإنسحاب من تمديد خط الانابيب.
من جهة أخرى، إن تزايد إحتمال وضع اللمسات الأخيرة في المدى القريب للمشروع ينبع من تطورين أخيرين: الإختراق في المفاوضات النووية بين إيران والقوى العالمية، وتحرك الصين لتوفير حزمة إستثمارات ضخمة لباكستان قيمتها 46 مليار دولار.
وذكر المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة آموس هوتشتين في 29 نيسان (إبريل) بأنه “ما دام الإتفاق [النووي] [مع إيران] لم يتم التوصل إليه فإن العقوبات ستبقى مفروضة في مكانها، وبالتالي، يجب على باكستان تأجيل القيام بأي مشروع مثل خط أنابيب إيران – باكستان حتى رفع العقوبات”. ومع ذلك، بالنظر إلى إحتمال الوصول إلى إتفاق نووي نهائي بحلول 30 حزيران (يونيو) – وكل ترجيحات الخبراء تؤكد ذلك – فإن طهران وإسلام آباد لديهما سبب للتفاؤل. وعلاوة على ذلك، فقد خصّصت حزمة الإستثمارات الصينية ما يصل الى ملياري دولار لخط أنابيب يمتد من ميناء باكستان الجنوبي في جوادر إلى منطقة نواب شاه. ولما كانت محطة الغاز الطبيعي المُسال المخطط لها في جوادر تأخذ في إعتبارها الإستيراد من دول مثل قطر، فإن هذا الترتيب يضمن للصين وباكستان بشكل واضح عدم إعتراض الولايات المتحدة، بينما يضع الأمر إسلام آباد في وضع يمكّنها من تنفيذ خط أنابيب إيران – باكستان عبر البدء في بناء مسافة قصيرة من خط الأنابيب من جوادر إلى الحدود الإيرانية القريبة. لذا فإن الأنبوب سيُبنى وفقاً لخطّة مدروسة لتلافي خرق العقوبات، إذ ستمدّه الصين كأنّه أنبوب باكستاني “داخلي”، من مرفأ جوادر قرب الحدود الإيرانية الى مدينة نواب شاه في قلب باكستان، حيث يتّصل بشبكة التوزيع الوطنية للغاز ويغذّي كراتشي وحيدر آباد والمدن الكبرى. امّا وصل الأنبوب من جوادر الى الحدود الايرانية، فهو مسؤولية باكستان.
ويرى خبراء عديدون بأن “باكستان تواجه تحدّيات أمنية جمّة لتنفيذ هذا المشروع، حيث أن خط الأنابيب سيمرّ عبر إقليم بلوشستان المضطرب”.
الواقع أن الإنعكاسات الإقتصادية والسياسية الأكبر من تنفيذ خط أنابيب إيران – باكستان واضحة وقد نوقشت على نطاق واسع. بالنسبة إلى باكستان، من المتوقع أن يمنحها خط الأنابيب القدرة على تغطية كامل العجز الحالي البالغ 4500 ميغاواط من توليد الكهرباء. بالنسبة إلى إيران، سيتم فتح وتوسيع أسواق جديدة في الشرق حيث سيمنحها المشروع تنويعاً في إيرادات تصدير الطاقة. وأكد وزير النفط الايراني بيجان نامدار زانجانه في الشهر الفائت ان التركيز الإيراني الرئيسي على صادرات الغاز هو على آسيا بدلاً من أوروبا. وعلاوة على ذلك، فقد ذكر كل من الصين وإيران أن لهما مصلحة في تمديد خط الأنابيب إلى الأراضي الصينية.
ومع ذلك، فإن الأمر الذي يغفله العديدون هو الأثر الذي عزز التجارة والتفاعل بين طهران وبكين مع باكستان وما ستكون تداعياته على سياسة القوة في الشرق الأوسط.
إذا ناورت طهران بشكل صحيح، فإن خط أنابيب إيران – باكستان لديه القدرة على جذب عائدات نفطية ونفوذ سياسي لها شرقاً. بالنسبة إلى باكستان، فإن خط الأنابيب – وسط خلفية من التعاون المتزايد والطويل الأمد الإستراتيجي مع الصين – لن ينوِّع مصادر الطاقة فحسب، ولكنه سيوفّر لها خيارات سياسية لم يكن بالإمكان تصوّرها سابقاً. وهذا الأخير يحدث فعلياً. إن النتائج المشتركة للزيارة الأخيرة لوفد إيراني رفيع المستوى إلى باكستان وإعلان الصين اللاحق عن حزمة الإستثمارات الضخمة هي خير مثال على ذلك: لقد تجرّأت إسلام آباد ورفضت طلب المملكة العربية السعودية بإرسال قوات برية وتورّط عسكري آخر في اليمن.
بينما تمّ التخطيط للزيارة الصينية منذ فترة طويلة مسبقاً، فإن التقارير تفيد بأن “المحاورين الباكستانيين أثاروا أيضاً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ التداعيات الممكنة من” تحدّي” الطلب السعودي”، وبأن “الرئيس شي أكّد لباكستان بأن بلاده ستقف وراء إسلام آباد في حال تردّت علاقاتها مع العالم العربي”. وقد إنتقدت المملكة العربية السعودية وغيرها من أعضاء مجلس التعاون الخليجي باكستان بسبب رفضها الإنضمام إليها في الهجوم على اليمن.
بعدما صُوِّرت باكستان دائماً على أنها تمثل بالنسبة إلى الرياض “الخطة ب” في حال توصلت إيران إلى صنع القنبلة النووية، فإن رفض إسلام آباد الطلب الخليجي التورط في اليمن يضاعف الضغط والتساؤل عن مكانة المملكة العربية السعودية في المنطقة. في الآونة الأخيرة، أكد كبار المسؤولين السعوديين أنهم سوف يسعون إلى الحصول على القدرات النووية عينها التي ستحتفظ بها إيران بموجب الإتفاق النووي مع الدول العالمية (5+1). ومع ذلك، لما كانت المملكة العربية السعودية لا تملك صناعة نووية محلية، ومجموعة الدول المصدرة للمواد النووية قد حظّرت تصدير العديد من المكونات الذرية الضرورية للمنطقة، فإن دولاً وحيدة مثل باكستان وكوريا الشمالية تعتبر أمكنة محتملة لتنفيذ الطموحات النووية السعودية المعلنة. وبصرف النظر عن أعظم العقبات الأكثر وضوحاً أمام التعامل النووي بين السعودية وباكستان، فإن الديناميات التي شهدتها كارثة اليمن تجعل السيناريو الأخير مستبعداً أكثر فأكثر.
بدلاً من أن تكون حريصة على مجرد الإتفاق النووي مع طهران، فإن المملكة العربية السعودية لديها بالتأكيد أسباب للقلق حول تداعيات الجهود الغربية لفك عزلة الجمهورية الإسلامية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى