تعزيز الأمن الغذائي في شرق المتوسط وغربه

يُعدّ تعزيز التجارة والإنتاج الزراعي المستدام، إحدى الأولويات الرئيسية للبلدان المطلّة على جنوب البحر المتوسط وشرقه، حيث ينتج معظم هذه البلدان كميات غير كافية من المواد الغذائية الأساسية. ولهذا السبب، شاركت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، والاتحاد من أجل المتوسط، في تنظيم “منتدى القطاع الخاص حول الأمن الغذائي في منطقة جنوب البحر المتوسط وشرقه”​، الذي استمرّ ليومين، بهدف تعميق العلاقات بين القطاعين العام والخاص، بدءاً بالمزارعين وجمعياتهم وحتى مشاريع الأعمال التجارية الزراعية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وتطوير المبادرات الرامية إلى زيادة الاستثمار في النظم الزراعية والغذائية.
افتتح المنتدى الأمين العام لوزارة الزراعة والأغذية والبيئة في إسبانيا، كارلوس كاباناس غودينو، بحضور سياسيين مميزين، ومؤسسات مالية وممثلين من القطاع الخاص ومراكز بحوث ومؤسسات أكاديمية. وناقش المنتدى سبل التعاون بين القطاعين العام والخاص لدعم الأمن الغذائي في المنطقة، من خلال تمتين الاستثمار الخاص المستدام في منطقة تتّسم بالنمو السكاني، ووجود قيود على الموارد الطبيعية، وعجز هيكلي في إنتاج المواد الغذائية الأساسية.
تستورد دول منطقة جنوب البحر المتوسط وشرقه، نصف محاصيلها الأساسية. فقد إرتفعت واردات المنتجات الزراعية والغذائية إلى المنطقة لتصل إلى 69 مليار دولار، أو 63 في المئة بين عامي 2002 و2013. وفي الوقت ذاته، إرتفعت الصادرات بمقدار خمسة أضعاف منذ العام 2000، لتصل إلى 31 مليار دولار، منها الزيادات الكبيرة في شحنات الفواكه والخضار إلى أسواق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
عام 2013، استوردت المنطقة 29 مليون طن من القمح. فهي تعتمد في شكل متزايد، على الواردات من المواد الغذائية الأساسية، مثل الحبوب والسكر والزيوت النباتية، علماً أن نقل الحبوب من الميناء إلى الطاحون قد يكلّف ما يصل إلى أربع مرات أكثر من المعيار العالمي، بسبب بطء تواتر دوران السفن، وتكاليف التخزين، وفقدان كميات كبيرة من المنتج.
ويعود هذا الإرتفاع في الطلب أساساً، إلى النمو السكاني السريع في المنطقة ذات الموارد الطبيعية المحدودة والهشّة، لا سيما من حيث الأراضي والمياه، وشدة التأثر بتغير المناخ. كما تعاني المنطقة من ضعف الاستثمار في الزراعة، وعدم كفاية مشاركة القطاع الخاص.
وتناول المشاركون سبل مواجهة تلك التحديات، خصوصاً كيفية زيادة إنتاج الفواكه والخضار للتصدير، وزيادة تنويع موردي الاستيراد وأسواق التصدير، وتعزيز سياسات المشتريات وإستكمالها بوضع سياسات جيدة التصميم للاحتياط الإستراتيجي، وتحسين هيكلة سلاسل القيمة الغذائية، وزيادة الاستثمار في البحوث والتطوير، وتقليص تكلفة الاستيراد. كما يؤدي التكامل الإقليمي في الأسواق الزراعية الأكثر قوة، إلى مساعدة البلدان في التكيّف مع صدمات العرض، ويخفّف من التغيرات في أسعار المواد الغذائية.
 وقال نائب رئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، فيليب لوويرو: “أصبح الأمن الغذائي في السنوات الأخيرة، من أولويات البنك. فقطاع الأعمال التجارية الزراعية صناعة ديناميكية وتنافسية وشاملة، ويمكن له أن يصبح، بمشاركة القطاع الخاص، قوة فاعلة لتعزيز الأمن الغذائي. ويهدف البنك، في السنوات الثلاث المقبلة، إلى إستثمار أكثر من 300 مليون يورو في الأعمال التجارية الزراعية في المنطقة (…)، لتشجيع دور القطاع الخاص في تعزيز الأمن الغذائي”.
يمكن للبلدان المعنية، التحوّل من نموذج السعي الى تلبية حاجاتها الغذائية، إلى نموذج الاعتماد على الذات في المجال الزراعي، استناداً إلى الاستفادة من المزايا النسبية لديها. وبموجب هذا النموذج، يتم استخدام عائدات التصدير الناتجة من المنتجات الغذائية المناسبة للمنطقة، لشراء الواردات من السلع الغذائية غير المناسب إنتاجها محلياً.
وعلى رغم ما هو معروف عن منطقة المتوسط بكونها قلب الأراضي الزراعية القديمة، إلا أنها تواجه تحديات متزايدة في الموارد الطبيعية. فمن المتوقع نمو عدد سكانها في شكل كبير، ليصل إلى 360 مليوناً عام 2030. وفي الوقت ذاته، تشير توقعات تغيّر المناخ إلى انخفاض مستويات هطول الأمطار في المنطقة ​​بنسبة تتراوح بين 10 و40 في المئة بحلول العام 2050.
وقال المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والزراعة للتعاون الفني، لوران توماس: “كي نحقق أعلى مستوى من الفاعلية، يجب أن تحقق الاستثمارات في القطاع الزراعي الاستفادة المثلى من الموارد الطبيعية الشحيحة في المنطقة. فعلى سبيل المثال، يجب استخدام كل قطرة من الماء بحذر شديد، وتوليد أعلى قيمة ممكنة”.
وأضاف: “تضطلع “فاو” بدور نشط في تقديم المشورة الفنية والسياسية للبلدان الأعضاء التي تواجه ندرة في المياه، كأولوية عامة للمنطقة”.
ويُتوقع أن يُظهر تحليل “فاو” المقبل، أن القيود على الموارد الطبيعية تدعم الميزة النسبية للمنطقة في زراعة المحاصيل العالية القيمة، مثل الزيتون والفواكه والخضار. كما يساعد ارتفاع مستويات تصدير المنتجات، والتي تتمتع فيها المنطقة بميزة نسبية، في تخفيف آثار التضخّم المحتمل لأسعار المواد الغذائية عالمياً، مثل الزيادات التي هزّت الكثير من المناطق عام 2008.
وعلى رغم أن الزراعة في المنطقة ذات طابع دينامي متزايد، إلا أنها تتّسم أيضاً بضمّها عدداً كبيراً من صغار الملاك والمشاريع الريفية الصغيرة، ما يشكل تحدياً خاصاً لصناع السياسات.
ورأى الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط، فتح الله سيجلماسي، “أن عمالة الشباب مسألة ملحّة في المنطقة. وننظر إلى الزراعة على أنها جزء من الحل”. وأضاف: “يجب إدخال المنتجين والمشاريع الصغيرة على النحو الملائم في السلاسل الغذائية الزراعية”.
توضح التجربة أن النمو الاقتصادي الزراعي هو الأكثر فاعلية عندما يكون شاملاً، بما يتيح لصغار الملاك الوصول إلى الائتمان وفرص السوق.
وبحث المشاركون الدور الذي يمكن أن تلعبه التعاونيات في مشتريات المدخلات الرئيسية، واتفقوا على أن من الممكن أن يجلب القطاع الخاص المحلي مجموعة من الحلول المبتكرة لمعادلة الأمن الغذائي في المنطقة.
وللمساعدة في تحقيق ذلك، أكدت “فاو” والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والاتحاد من أجل المتوسط، استعدادها لإيصال أصوات القطاع الخاص وجمعيات المزارعين الى المحافل السياسية على المستويين الإقليمي والوطني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى