الإستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة تُخرِج مصر من الظلام والعتمة

لم تخرج مصر من الظلام بعد ، ولكن هناك سبباً للتفاؤل والأمل. لقد فازت إصلاحات سوق الطاقة في البلاد والتسديد الثابت للديون بإهتمام وموافقة شركات الطاقة العالمية والمستثمرين اللذين تترجما إلى إستثمارات كبيرة في قطاع الطاقة المصري. إن إرتفاع عقود التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما، والزيادة الأخيرة في مشاريع الطاقة المتجدّدة، وعشرات الإتفاقات المبدئية الإضافية في القطاع الهيدروكربوني والمرافق هي دليل على تحسن مناخ الإستثمار في مجال الطاقة في جمهورية عبد الفتاح السيسي.

مؤتمر التنمية الإقتصادية في مصر: أعاد الثقة بمستقبل الإستثمار في الطاقة
مؤتمر التنمية الإقتصادية في مصر: أعاد الثقة بمستقبل الإستثمار في الطاقة

القاهرة – هدى أحمد

على الرغم من إحتياطاتها الهيدروكربونية الواسعة، فإن مصر واجهت دائماً صعوبة في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة المحلية، وهي مشكلة تفاقمت أكثر بسبب إضطرابات 2011 التي تلت إنهيار نظام الرئيس حسني مبارك. لقد تسبّبت الفوضى بإنخفاض سريع في إحتياطات النقد الأجنبي، الأمر الذي أدّى إلى عدم القدرة على دفع واردات الغاز، وإجبار القاهرة على تحويل الغاز المخصّص للتصدير الخارجي إلى السوق الوطنية لتلبية الطلب المحلي. ونتيجة لذلك، توقفت البنية التحتية للمرافق التابعة لشركات أجنبية عن العمل، وعانت الشركات المستثمرة مليارات الدولارات من الخسائر، وإرتفع عدد الدعاوى أمام المحاكم المُقامة ضد الدولة المصرية، وبالتالي تلاشت ثقة المستثمرين بمصر.
مع ذلك، ساعدت هباتٌ منحتها دول الخليج العربية إلى القاهرة على دفع مليارات الدولارات من ديون الطاقة. لذا فإن إستجابة المستثمرين القوية على سداد هذه الديون، إلى جانب التصريحات القوية للحكومة بشأن التعويض الكامل للدائنين وإصلاحات سوق الوقود، قد تكون إشارة إلى أن الأسوأ قد انتهى بالنسبة إلى أزمة الطاقة في مصر.

69

تخفيض الدعم وزيادة الإستثمار

على الرغم من إستيرادها معظم مواردها الهيدروكربونية، فإن مصر حتى وقت قريب كانت توفّر لمواطنيها بعضاً من أدنى أسعار الوقود في العالم، على حساب سياسة إقتصادية سليمة وإحتياطات البلاد النقدية. لكن إطلاق خطة خفض دعم الوقود على مدى خمس سنوات في تموز (يوليو) 2014 سوف تلغي تدريجاً الدعم كله تقريباً بحلول العام 2019 إذا ما نُفِّذت بنجاح. وبموجب هذه الخطة، من المتوقع أن يرتفع سعر الوقود بنسبة حوالي 20 في المئة سنوياً حتى العام المالي 2018/2019، على الرغم من أن إنخفاض أسعار النفط حالياً يمثّل فرصة نادرة لخفض دعم الوقود حتى في وقت أبكر من ذلك التاريخ.
الواقع أن إصلاحات الدعم، التي تجنَّبتها الحكومات السابقة لفترة طويلة لأنها كانت تخشى من الإضطرابات المدنية كرد فعل على إرتفاع أسعار الوقود، هي من الأمور الأساسية التي يحتاج إليها قطاع الطاقة والإقتصاد في مصر. من العام 2010 إلى العام 2014، أنفقت مصر ما يقرب من 5 إلى 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي على دعم الوقود؛ وفي العام 2014، شكّل دعم الطاقة 20 في المئة من إجمالي الإنفاق العام. إن المال الذي أنفق على الدعم كان يمكن إستخدامه بدلاً من ذلك على سداد الديون، والإستثمار في الخدمات الإجتماعية أو البنية التحتية الحيوية، أو كان يمكنه المساعدة في الحفاظ على الإقتصاد واقفاً على قدميه خلال الإضطرابات التي أعقبت إنهيار نظام مبارك.
وقد أعطت خطة خفض دعم الوقود، التي أطلقتها إدارة الرئيس عبد الفتاح السيسي، تفاؤلاً في المجتمع الدولي. وقدّر صندوق النقد الدولي أن يسجّل الدعم فقط نسبة 1.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في نهاية السنة المالية 2015/2016، أي بإنخفاض حوالي 80 في المئة من أعلى نسبة سجّلتها الإعانات في الناتج المحلي الإجمالي منذ خمس سنوات في السنة المالية 2012/2013.
عاكسةً الإصلاحات الأخيرة، بما في ذلك “تخفيضات دعم الوقود” وتخفيض “المدفوعات المتأخرة لشركات النفط”، رفعت وكالة التصنيف الدولية “فيتش” الجدارة الإئتمانية لمصر من “B-” إلى “B” (لا تزال دون درجة الإستثمار) في كانون الاول (ديسمبر) 2014. إن خفض الدعم الحكومي وتسديد الدائنين مرتبطان بشكل مباشر، لأن رفع الدعم يحرّر رأس المال الذي يمكن للحكومة إستخدامه بدلاً من ذلك لتعويض الدائنين.
من جهتها خفّضت مصر ديونها لشركات النفط والغاز العالمية بما يقرب من 50 في المئة منذ كانون الاول (ديسمبر) 2013، عندما كانت ديون البلاد تبلغ 6 مليارات دولار. وتشمل الشركات الدائنة “بريتش بتروليوم”، مجموعة “بي بي”، و”دانة غاز”. لكن لا تزال القاهرة تواجه ديوناً في مجال الطاقة قدرها 3.1 مليارات دولار، على الرغم من أن وزير النفط تعهّد بدفع جميع الشركات الدائنة بالكامل بحلول منتصف العام 2016.
ويبدو أنه لإعادة الثقة إليها وجذب الإستثمار من جديد فقد إتخذت مصر تدابير لضمان أن الشركات سوف تُكافأ إذا لم يتم دفع الديون لها كما هو مخطط. وفقاً لمقابلة مع صحيفة “وول ستريت جورنال” مع مسؤول تنفيذي كبير في “دانة غاز”، وهي شركة غاز طبيعي إماراتية، فإن “دانة” يمكنها إسترداد الديون المستحقة لها والبالغة 185 مليون دولار إذا فشلت مصر بالوفاء بالجدول الزمني للدفع المخطط. إذا لم تعوَّض الشركة الإماراتية بحلول العام 2018، يمكنها بيع حصتها وحصة الحكومة من مكثفات الغاز الطبيعي (خليط من الهيدروكربونات السائلة أُزيلت من الغاز) إلى السوق الدولية، والحصول على التعويض عن أي متأخرات متبقية. الواقع أن خيارات بديلة ووثائق تأمين مُبتكَرة للدائنين لإسترداد ديونهم بالكامل ستجعل من السهل على هذه الشركات للإستثمار في مصر في إنتظار التعويض، مما يساعد مصر على دفع هذه الديون والحفاظ على الزخم الإقتصادي.

70

تأمين الإمدادات

أدّت الإصلاحات في مصر إلى بيئة مالية مستقرة بشكل متزايد في البلاد حيث أعادت الثقة إلى أسواق رأس المال، وخصوصاً الشركات المستثمرة في الطاقة. وتتراوح إستثمارات الطاقة الجديدة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى النفط والغاز الطبيعي. ويمثِّل الأخيران أكثر من 90 في المئة من إستهلاك الوقود في مصر، ونقص الغاز في السنوات الأخيرة قيَّد التنمية الإقتصادية. إن صفقات النفط والغاز وترتيبات إستيراد الغاز الطبيعي المسال بالتالي تحمل ثقلاً وأهمية كبيرين في وقت تسعى مصر إلى تأمين إحتياجاتها من الطاقة الملحّة الآنية.
وقد حصلت مصر على 17 عقداً للتنقيب وإنتاج النفط والغاز منذ كانون الثاني (يناير) 2015، كما وقّعت على 56 إتفاقية مماثلة منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2013. وتُقدَّر الإستثمارات بما لا يقل عن 2.9 ملياري دولار، مع مبلغ إضافي قدره 431 مليون دولار مكافآت التوقيع للدولة المصرية.
نتيجة لذلك، تتزايد ثقة الحكومة بشكل واضح، مع وزير البترول المصري شريف إسماعيل مؤكداً أخيراً في مقابلة مع “رويترز” أن مصر تخطّط لوقف إستيراد الغاز بحلول العام 2020. إذا كان هذا الأمر هو هدفاً قابلاً للتحقيق أم لا، فإن الكلام عن الأهداف الكبيرة والصعبة سيساعد على جذب إنتباه المستثمرين ودفع مصر إلى مسافة أقرب من سوق الطاقة المستدامة والمربحة.

الطاقة المتجدّدة

بالإضافة إلى زيادة إمدادات المحروقات، فإن مصر بدأت تجذب الإستثمارات في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. في حين أن الطاقة التاتجة من الرياح والشمس مجتمعة شكّلت أقل من واحد في المئة من الطاقة المستهلكة في البلاد في العام 2013، وعلى الرغم من أن هذه الطاقة المتجددة من غير المحتمل أن تسجّل حجماً كبيراً من إستهلاك الطاقة في مصر في المستقبل القريب، فإن التطورات في إستثمارات معيَّنة تشير إلى إمكانية حقيقية لمصادر الطاقة المتجددة. وتتمتع مصر فعلياً بصناعة طاقة متجددة متقدمة بشكل معقول، وقد أنتجت 10 في المئة من طاقتها من مصادر هذه الطاقة (الطاقة الكهرومائية في الغالب) في العام 2013. وتخطط لمضاعفة هذا الرقم وزيادة القدرة الشاملة لتوليد الكهرباء إلى 60 جيغاوات بحلول العام 2020، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على دفع الإستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة إلى أبعد من ذلك.
في شباط (فبراير) 2015، إقترحت مجموعة “تيرا سولار ” (Terra Solar Group)، التي تتخذ من البحرين مقراً، إطلاق مشاريع للطاقة الشمسية في مصر بقيمة 3.5 مليارات دولار. ويصر الرئيس التنفيذي للشركة أن المشاريع “سوف تساعد على خلق أكثر من 1،250 شركة صغيرة ومتوسطة الحجم التي ستتولى دوراً رئيسياً في بناء صناعة دعم في مصر تقوم على بناء الظواهر الكهروضوئية كألواح الخلايا الضوئية الجهدية ومحركات حرارية أو محوّلات فولتوضوئية”. ويتوقع من أن تؤدي هذه المبادرة إلى خلق 50،000 فرصة عمل، على الرغم من أنه ليس من الواضح كم من هؤلاء سيكون محلياً أو دائماً. وقد أعربت العشرات من الشركات الأخرى أيضاً إهتمامها في قطاع الطاقة الشمسية في مصر. على سبيل المثال، فقد أُعلِن عن صفقات موقَّعة وإتفاقات مبدئية للإستثمار في طاقة الرياح والطاقة الشمسية تقدر بعشرات المليارات من الدولارات في مؤتمر التنمية الإقتصادية الذي إنعقد في شرم الشيخ في مصر في منتصف آذار (مارس) الفائت.
وسيتم إستكمال هذه الإستثمارات بتشريعات مصرية صدرت في العام 2014 التي تسمح وتخلق إطاراً قانونيا ل”تعريفات التغذية”، والتي تتيح للعملاء من الطبقات السكنية والتجارية توليد الكهرباء الخاصة بهم بإستخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح وبيع الكهرباء إلى الشبكة، وبالتالي تحويل مستخدمي الكهرباء فعلياً إلى منتجي طاقة مستقلين. إن مخططات تعرفة التغذية هي علامة على أن الحكومة جادة في الإستفادة من صناعة الطاقة المتجددة.

المستقبل مجهول

نظراً إلى تدفق مبالغ كبيرة من الإستثمارات المخطط لها في قطاع الطاقة في مصر، فإن الإثارة الحالية في ما يتعلق بكلٍّ من القطاع والمستقبل الإقتصادي العام في البلاد أمرٌ مفهوم. ويوضِّح إقبال المستثمرين الدوليين إمكانات هائلة لمصر، التي إذا عرفت إدارة السيسي الإفادة منها كما يجب، تستطيع بشكل مستدام أن تلبي إحتياجات الطاقة إلى ما يقرب من 90 مليون مواطن.
ومع ذلك، فيما أدّى تحسين السياسة الإقتصادية إلى وضع الأساس للإستثمارات التي تتصدّر العناوين اليوم، فإن الخطط الكبرى لتنمية قطاع الطاقة، التي هي الآن قيد المناقشة، سوف تعتمد إلى حد كبير على نجاح تنفيذ التشريعات ووضع سياسات جيدة محفزة. من خلال مواصلة الإصلاحات الهيكلية فقط، بما في ذلك العزم على متابعة العمل المثير للجدل بالنسبة إلى خفض دعم الوقود، فإن مصر يمكن أن تلبي هدفها المتمثل بتخفيض العجز في موازنتها، التي بلغت 12.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2013-2014. إن الحفاظ على دفع الديون بثبات لشركات النفط والغاز العالمية يُعتبَر أمراً بالغ الأهمية أيضاً، وتحسين الوضع الأمني غير المستقر في البلاد هو بالقدر عينه من الأهمية، سواء لتحسين حياة المواطنين في مصر أم لدفع وتشجيع الإستثمار. وقد عززت الإصلاحات الاقتصادية والإستثمارات الجديدة بعضها البعض في حلقة حميدة، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كان التفاؤل والدينامية أخيراً سيؤديان إلى عودة الإنتعاش إلى قطاع الطاقة والإقتصاد العام وإستدامته في المدى الطويل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى