خفايا النظام الجُمهوري

بقلم ميرنا زخريّا*

يُستخدم مُصطلح الجُمهورية للإشارة إلى الدولة التي تعتمد فيها السلطة السياسية على مبدأ مُوافقة الجُمهور، أي الشعب، في إختيار رأس الدولة المُنتخَب. بحيث يُسمّى رئيس الجُمهورية من خلال: إنتخابات مُباشرة أي عبر الشعب نفسه، أو من خلال إنتخابات غير مُباشرة أي عبر مجلسٍ إختاره الشعب مُسبقاً. وعادةً ما يتولّى هذا الأخير زمام الحُكم لفترةٍ تدوم أربع أو ست سنواتٍ، وبعض الدساتير تُحدد عدد المرات التي يُسمح بها للفائز ذاته بأن يُعاد إنتخابه لدورةٍ ثانيةٍ لا أكثر.
يوجد عدد من الدول العربية التي تتبع النظام الجُمهوري، وهي: لبنان، سوريا، مصر، العراق، تونس، الجزائر، السودان. وهو نظام الحُكم الأكثر شُيوعاً في العالم أجمع في القرن الواحد والعشرين، ذلك أنه يُعتبر الأقرب إلى الحُكم الديمُوقراطي؛ والسبب يعود لإحترامه مبدأ الخيار بدل الإكراه حيث تتبلور سيادة المواطنين في عملية إختيار حُكامهم. إلا أن أشكال الرئاسة ليست واحدة، كما يحلو للبعض أن يعتقد، إذ، وعلى سبيل المثال، تأتي في مُقدمة الفروقات النماذج التالية:
* أميركا هي جُمهورية ذات نظامٍ رئاسيٍ لأن رئيس الجُمهورية هو في الوقت نفسه رئيس الحُكومة. في حين أن لبنان هو أيضاً جُمهورية إنما ذات نظامٍ شبه رئاسي لأن رئيس الجُمهورية يتمتع بمهام محدودة ما يجعل دورهُ شكلياً.
* كما يوجد إعتبارات أخرى قد يؤخذ بها، كما الحال في فرنسا التي هي جُمهورية تعتمد التعايش الحزبي بحيث يكون إنتماء الرئيس السياسي مُضاداً لإنتماء المجلس الوزاري. في حين أن ألمانيا تفرض أن لا يكون الرئيس حزبيّاً.
* كذلك بعض الدول عندها رؤيتها الخاصة بالنسبة إلى قيام الجُمهورية، ففي أوروبا وعلى عكس مُعظم الجُمهوريات، تتفرّد دولة سويسرا من حيث كون رأس الدولة ليس شخصاً واحداً إنما لجنة من أشخاص عدة يشغلون منصب الرئاسة.
نعم، يبدو أنه يوجد إيجابيات بالغة الأهمية للنظام الجُمهوري، شرط ألّا يتحوّل إلى نظامٍ تسلّطيٍ خلال فترة الولاية وذلك بموجب الصلاحيات المُعطاة للرئيس المُنتخب:
1. الرئاسة ليست حكراً على أحد بل يسود نوع من المُساواة المبدئية أقله من حيث الترشّح والفُرص؛
2. السيادة هي في أيدي الجُمهور فهو يُشارك في تحديد مصيره وبمقدوره تغيير الرئيس في نهاية الولاية؛
3. الوسائل السلمية بمُختلف أشكالها مُتاحة في حال أخطأ الرئيس ولمْ يعُد مقبولاً بنظر أكثرية شعبه؛
4. المُساءَلة من خلال صندوق الإنتخاب تُجبِر الرئيس إلى الإنحياز للمصلحة العامة بدل الخاصة؛
5. مَن يأتي بتأييد شعبي واسع مِن مُختلف مكونات المجتمع يُعزّز الوحدة الوطنية لأنه يُصبح رمزاً؛
6. العادل سيُخفف مِن وطأة التشنجات بين الأحزاب ما سينعكس إستقراراً سياسياً وأمنياً وإقتصادياً؛
7. مبدأ الفصل بين السُلطات: التشريعية التي تسنّ القوانين والتنفيذية التي تسيّرها ومن ثم القضائية.
ونعم، يبدو أن له أيضاً سلبيات أقل أهمية، بالأخصّ في حال طُبِّق بحذافيره كما هو أساساً مُقدراً له أن يُنفذ، أي مِن دون تلاعب وتذاكي وتمادي لناحية مبدأ الشفافية:
1. لا يوجد معايير مدروسة تُحدد درجات الكفاءَة والعلم والخبرة المطلوبة أن تتوفر في المُرشّح إلى الرئاسة؛
2. مع أن الشعب يلعب دوراً في إختيار رئيسه إلا أن الشعب قد يُخطئ في خياره بسبب آفتي الجهل والتحيّز؛
3. وُجود فجوة في الدستور تفتح الباب على مصراعيه أمام الإجتهادات وبالتالي أمام مُعاناة الوُقوع في الفراغ؛
4. مُهمّة تغيير الرئيس كل أربع سنوات (أو أكثر) قد تؤدي إلى اللا إستفرار أقلهُ بالنسبة إلى الملفات والقرارات الكبرى؛
5. عندما يتبوّأ رئيس لا يحكم بالعدل بين كافة مُكوّنات شعبه فهذا يؤسّس إلى تهميش جهةٍ على حساب أخرى؛
6. الإهتمام بالمشاريع ذات النتائج السريعة على حساب تلك الطويلة الأمد لأنها لنْ تتحقق خلال وُجوده في الحُكم؛
7. في حال لمْ يكن صالحاً وبقي مُتربِّعاً على سدّة الرئاسة فهو سوف يُتابع تسويق الأضرار طوال فترة ولايته.
يبقى سؤال وجيه وحيد: مِن أينَ نبتت جُذور التغيير التي حرّكت الشعوب منذ القرن السابع عشر في مُختلف القارات نحو المطالبة بِ “سيادة الإرادة الشعبية وتوسيع إطار الحريّة؟” الجواب الحاسم والمُلائم: مِن تسويغ وطُغيان الحُكم المُطلق الذي كان وما زال سائداً في بعض الدول، والذي يُقال أنه يستمد شرعيته من الآلهة مباشرةً ولذا فهو يحكم بإسمها.
جُذور أزهرت لاحقاً تفسيرات وتأويلات عصريّة وحُقوقية حول أسس العلاقة الصحيحة بين الشعب والدولة، تقومُ بالإستناد إلى بناءٍ تعاقدي بين المُواطن والسُلطة، بحيث أصبحت هذه الأخيرة تستمد شرعيتها من المُواطنين أنفسهم لكيْ يحقّ لها أن تحكم بإسمهم وبالتالي أيضاً لمصلحتهم. وبهذا، رست قواعد مُستجدّة لما أصبح يُعرف بالنظام الجُمهوري، والذي يُعتبر مِن أقرب الأنظمة إلى مبادئ الديمُوقراطية، ذلك أن قرار الشعب بات هو المرجع النهائي، كما بات يؤخذ بصورةٍ دوريّة.
إلا أنَّ الملاحظة المُثيرة والمُثارة في علم الإجتماع السياسي هي كون الإنتخابات النزيهة نجحت فقط في الدول المتقدّمة لكنها فشلت في الدول النامية؛ ذلك أن بعض الجُمهوريات مُغلفة من الخارج بجمال الأسس الديموقراطية في حين أنه من الداخل تسود بشاعة الأسس الديكتاتورية.
الفرق ما بين الديكتاتوري والديمُوقراطي يُشبه الفرق ما بين النظري والتطبيقي. وعليه، فإن حُصول الإنتخابات لا تعني بالضرورة سيادة إرادة الشعب لفترةٍ زمنيةٍ مُحددة. فكمْ من رئيسٍ ترأس من خلال الوساطة والرشوة وكمْ من رئيسٍ ترأس طوال حياته لكأنه ملكاً على عرشه!!

• باحثة في علم الإجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى