هبوط أسعار النفط لن يؤثر في المشاريع الكبرى في الخليج

على الرغم من الإضطرابات الإقليمية وإنخفاض أسعار النفط، لا يزال من المتوقع أن تنفق دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 755 مليار دولار على مشاريع الطاقة خلال السنوات الخمس المقبلة.

الرئيس التنفيذي لشركة "أرامكو" خالد الفالح: سنعيد التفاوض على العقود
الرئيس التنفيذي لشركة “أرامكو” خالد الفالح: سنعيد التفاوض على العقود

لندن – هيكل مهدي

قد يقول أصحاب نظرية المؤامرة أن شروع المملكة العربية السعودية في عملياتها العسكرية في اليمن في 26 آذار (مارس) الفائت كان محاولة لدفع أسعار النفط الواهنة إلى الإرتفاع، حيث كانت تتراوح بين 55 إلى 60 دولاراً للبرميل.
إرتفع نفط خام “برنت” إلى ما يقرب من ستة في المئة بعد الضربة السعودية ضد المتمرّدين الحوثيين إذ خشي التجار والمستوردون أن يكون الهجوم الجوي علامة على أن القتال في المنطقة سيتصاعد وأن إيران قد تتدخل مباشرة.
الواقع إن هبوط أسعار النفط لمدة تسعة أشهر من 115 دولاراً للبرميل في حزيران (يونيو) الفائت إلى نحو 60 دولاراً قد تسبّب به العرض الفائض من النفط في جميع أنحاء العالم، جرّاء الإرتفاع الحاد في إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، في حين بقي الطلب ضعيفاً.
وقد ترك هذا التراجع في الأسعار بعض الدول الصغيرة المنتجة للنفط تترنّح وأجبر عدد من شركات النفط إلى خفض موازناتها الإستثمارية.
ومع ذلك، يشير تقرير “الشركة العربية للإستثمارات البترولية” (أبيكورب)، التي أسستها منظمة “أوابك” في العام 1975، ومقرها الخبر – الدمام، الذي نشرته في وقت سابق من هذا العام، أنه على الرغم من إستمرار الإضطرابات الإقليمية، فضلاً عن إنخفاض أسعار النفط، فإن الإستثمارات الرأسمالية في حقل الطاقة خلال السنوات الخمس المقبلة ستبلغ 658 مليار دولار بالنسبة إلى الخليج العربي، وما يقدّر ب755 مليار دولار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
في المملكة العربية السعودية، أدّى الإعتماد الكبير على الهيدروكربونات بالنسبة إلى عائدات التصدير وإيرادات الموازنة إلى وضع إستدامة مواقفها الخارجية والمالية تحت دائرة الضوء. وقد رصدت البلاد إيرادات، حسب الموازنة، 190.7 مليار دولار في العام 2015، في حين قّدرت النفقات ب229.3 مليار دولار.
ويظهر تقييم “أبيكورب” أنه مع تغطية صافي الأصول الأجنبية لأكثر من 33 شهراً من الواردات، فإن الموقف الخارجي للمملكة العربية السعودية واضح ومباشر.
يقول البنك بأن السؤال الحقيقي ليس ما إذا كانت المملكة يمكن أن تتحمل أسعار النفط منخفضة، ولكن كم هو حجم الوسادة المالية العازلة التي تم بناؤها والى متى يمكن أن تستمر.
“يمكن للمملكة العربية السعودية أن تتحمّل إلى حد كبير النفقات المالية الحالية، في أسوأ سيناريو، لمدة تصل إلى أربع سنوات. وهو عامل مهم في قدرة الإقتراض الكبيرة غير المستغلة والقوة المالية للبلاد التي تبدو بأنها لا تنضب تقريباً”، قال فارون سوذوليا كبير المحللين في الشركة الإستشارية “نيرفانا” والتي مركزها دبي. مضيفاً: “وهذا يعني أن هذا اللاعب النفطي المهيمن لديه بالفعل الوسائل الضرورية لدعم سياسته الحالية”.
مع ذلك، طالما بقيت أسعار النفط مكتئبة، فإن المخزون السائل سينضب أكثر، وعلى الأرجح ستصبح الجهود الرامية إلى الحفاظ على الإستدامة المالية معقّدة للغاية. لقد تم التوقّع بأن الإستثمارات السعودية سوف تنخفض إلى 127 مليار دولار في 2015-2019 من أكثر من 170 مليار دولار في 2014- 2018. وأفاد التقرير بأن “الإنخفاض يُعزى إلى الإنتهاء من مشاريع المنابع النفطية الكبرى وتضاؤل الفرص لمزيد من المشاريع الضخمة المصبّ”.
“أرامكو”، أكبر شركة منتجة للنفط في العالم، أوقفت موقتاً أنشطتها للتنقيب عن النفط والغاز والحفر في المياه العميقة في البحر الأحمر، وعلّقت خططاً لبناء محطة وقود نظيف التي ستكلف ملياري دولار في أكبر مصفاة نفط في رأس تنورة، كما يفيد التقرير.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة السعودية خالد الفالح في كانون الثاني (يناير) الفائت بأن “أرامكو” سوف تعيد التفاوض على بعض العقود وتأجيل بعض المشاريع بسبب النفط الرخيص.
ومع ذلك، أعلن مدير تنفيذي آخر في الشركة، عبدالحميد الرشيد، في المؤتمر التاسع عشر للنفط والغاز في الشرق الأوسط، الذي إنعقد في البحرين في آذار (مارس) الفائت، أنه “في حين أن عصر النفط السهل قد إنتهى، جرّاء البيئات الصعبة بشكل متزايد وآفاق الإنتاج الصارمة، فإن صناعة المنبع تواصل مسيرتها لتلبية الطلب العالمي على الطاقة”.
الكويت التي شهدت إنخفاض عائداتها النفطية بنسبة 20 مليار دولار منذ بداية السنة المالية في نيسان (إبريل) 2014، تمضي قدماً في خطط لزيادة الإنتاج من قدرتها الحالية بحوالي 3.2 ملايين برميل يومياً. وقال هاشم هاشم، الرئيس التنفيذي لشركة نفط الكويت الرسمية للصحافيين، على هامش مؤتمر البحرين، أن “الشركة تريد زيادة إنتاج النفط الخام وتطوير بعض حقولها النفطية، بما في ذلك حقل برقان، ثاني أكبر حقل نفطي في العالم”.
الخطة هي جزء من الجهود لإستهداف أربعة ملايين برميل يومياً بحلول العام 2020. وتنتج الكويت حالياً نحو ثلاثة ملايين برميل يومياً، وتصدّر حوالي الثلثين منها.
“لدينا خطة ونحن نتقدّم في تنفيذها. إن إنخفاض سعر النفط كما نراه هو شيء مؤقت”، قال.
على الرغم من إنخفاض أسعار النفط، فإن قطر ماضية في مشاريع التنمية المخطّط لها، محدّدةً أولوياتها في تلك المتعلقة بالصحة والتعليم والنقل وكأس العالم 2022، كما قال وزير المالية القطري علي شريف العمادي. ويفيد مسؤولون قطريون بأنهم يخططون لصرف ما يصل الى 200 مليار دولار على النقل وتوليد الكهرباء وإمدادات المياه والإسكان وغيرها من المشاريع بين عامي 2013 و2018.
وفي كانون الثاني (يناير) الفائت أعلنت الشركة المملوكة للدولة “قطر للبترول” وشركة “شل” أنهما قرّرتا تأجيل مشروع الكرعانة للبتروكيماويات البالغ تكلفته 6.4 مليارات دولار في قطر. ومع ذلك، فإن أكبر مصدر للغاز في العالم هو بلد غني إلى حدّ أن الإقتصاديين يعتقدون أنه سيكون قادراً على الحفاظ على الإنفاق بشكل كبير، وسوف يستمر في تسجيل فائض في الموازنة في 2015 و2016.
من جهتها أصدرت دبي موازنة متوازنة بقيمة 11.2 مليار دولار، وهي الأكبر لها منذ الأزمة المالية العالمية، مما يعني نمواً قوياً بنسبة تسعة في المئة مقارنة مع العام 2014. وتُبرز الموازنة زيادة في الإيرادات الحكومية قدرها 11 في المئة عن العام الفائت.
على جانب النفقات، تم تخصيص 13 في المئة من الموازنة لتطوير البنية التحتية، ونحو ستة في المئة لتمويل ديون حكومة دبي.
في الوقت عينه، تقوم موازنة سلطنة عمان للعام 2015 على أساس إيرادات إجمالية تبلغ 30.1 مليار دولار، أي بإنخفاض نسبته واحد في المئة من إيرادات العام 2014، أي ما يعادل ثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للسلطنة. من ناحية أخرى، بالنسبة إلى النفقات من المتوقع أن تكون 36.6 مليار دولار، بزيادة 4.5 في المئة عن خطة الموازنة الأصلية في العام السابق. علماً أن الإنفاق الإستثماري سيكون أساساً لتمويل مشاريع البنية التحتية ومشاريع النفط والغاز والمشاريع التي تنّفذها الشركات المملوكة للدولة.
ومن بين المشاريع البارزة التي من شأنها جذب الإستثمارات تشمل الجزء الأول من مشروع السكك الحديدية الوطنية بين مدينتي صحار والبريمي، ومجمع متكامل لمصائد الأسماك في الدقم، والبنية التحتية الإضافية في ميناء الدقم. وعلى جانب الإيرادات، من المتوقع أن تتشكّل من 79 في المئة من عائدات النفط.
أما مملكة البحرين، التي هي خارج منظمة “أوبك”، فهي تتابع إعتمادها إعتماداً كبيراً على النفط، مع سعر تعادل في الموازنة كبير، على الرغم من الدفع الهائل لتنويع الإقتصاد. وتقدّر وكالة التصنيف الدولية “ستاندرد آند بورز” أن النفط الخام في البحرين يشكّل 65 في المئة من العائدات المالية، مع أن إحتياطاتها النفطية تساوي أقل من 0.1 في المئة من إحتياطات المملكة العربية السعودية المجاورة.
وتفيد خدمة المستثمرين في وكالة “موديز” في تقريرها، نقلاً عن بيانات الحكومة، أن لدى البحرين أصولاً إحتياطية تقدر بحوالي 5.4 مليارات دولار، بما في ذلك الذهب والعملات الأجنبية، مقارنة مع 745 مليار دولار للسعودية. وتضيف “موديز” بأن عجز مملكة آل خليفة قد تتسع لأكثر من سبعة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل.
ومع ذلك، قال وزير الطاقة البحريني الدكتور عبد الحسين ميرزا، أمام مؤتمر النفط والغاز في الشرق الأوسط في المنامة، أن “تقلب أسعار النفط في المدى القصير في الأسواق العالمية لن يؤثر في مشاريع البحرين المستقبلية. ومن المتوقع توسيع مصفاة النفط في سترة الذي سيكلف نحو 5 مليارات دولار، مع توقّع تسليم المرفق في العام 2019”. مضيفاً: “أن تمويل المشروع سيتم من خلال الإقتراض”.
وتخطّط المملكة الصغيرة لإستثمار “يصل الى 30 مليار دولار” في المشاريع العامة على مدى السنوات المقبلة عبر مجموعة من الصناعات، بما في ذلك النقل، والإسكان، والصناعة التحويلية، والطاقة، والرعاية الصحية، والتعليم، وفقا ليارمو كوتيلين، كبير الإقتصاديين في مجلس التنمية الإقتصادية في البحرين .
وتعتقد “ستاندرد أند بولز” أن البحرين وعُمان سوف تستفيدان من المبالغ المصروفة من صندوق تنمية دول مجلس التعاون الخليجي، والتي توفّر 10 مليارات دولار لكل بلد على مدى فترة 10 أعوام، والتي من شأنها أن تعوّض أي تخفيضات في النفقات الرأسمالية والعمل كمساهم رئيسي في النمو.
إن الوسادات المالية العازلة المتراكمة في السنوات الأخيرة، فضلاً عن المشاريع الإستثمارية التي هي جزء من المبادرات الإستراتيجية مثل معرض دبي في العام 2020، ودورة كأس العالم في كرة القدم في قطر في 2022، من المرجح أن تظل بمنأى عن تصاعد الضغوط على الموازنات الحكومية أيضاً.
على خلفية إرتفاع أسعار النفط والغاز، حققت قطر والمملكة العربية السعودية فوائض مالية بلغت في المتوسط نسبة 13.4 في المئة من إجمالي الناتج المحلي و6.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، على التوالي، على مدى السنوات الثلاث الماضية.
تقدر “ستاندرد أند بورز” صافي الأصول العام للحكومة القطرية عند 118 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015، والمملكة العربية السعودية عند 135 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وأبو ظبي على ما يقرب من 300 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتتوقع وكالة التصنيف الأميركية الدولية أن الأصول السائلة السيادية في معظم الدول االمصدّرة للنفط في مجلس التعاون الخليجي سوف تظل متاحة للمساعدة في تمويل عجز محتمل.
مشاريع البنية التحتية الكبيرة تنفذ على قدم وساق حالياً في دول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك في أبو ظبي (90 مليون دولار في مشاريع التنمية)، وقطر (200 مليار دولار في برنامج إستثمار رأس المال)، و دبي (دبي -إكسبو 2020)، كما أفادت “ستاندرد أند بورز”.
وهذا ما يعطي سبباً للصناعة في أن تكون متفائلة.
“إن التوقعات التجارية تبدو جيدة. في حين كانت أسعار النفط هابطة، بالكاد لاحظت أي تأثير في الأسواق الرئيسية في دول مجلس التعاون الخليجي. النمو يحدث في جميع القطاعات – التجارية والصناعية والخدمات اللوجستية في دول مجلس التعاون الخليجي”، قال حاتم التركي، مدير المبيعات والتسويق في “كيربي لأنظمة المباني” (Kirby Building Systems) في الكويت، الشركة الرائدة عالمياً في أنظمة الحديد المسبقة لهندسة المباني.
وفي الوقت عينه، من المتوقع أن يستمر تقلب أسعار النفط في المدى القصير حسب ألدو فلوريس-كيروغا، الأمين العام لمنتدى الطاقة الدولي، الذي قال أنه “يجب أن يكون هناك المزيد من الحوار والشفافية بين الدول المنتجة والدول المستهلكة لهذه الصناعة لكي تستطيع مواجهة التقلبات بشكل أفضل”.
وأعلن في مؤتمر صحافي في مؤتمر التفط والغاز في الشرق الأوسط الذي عقد في البحرين أن “ما نشهده من حيث توازن العرض والطلب للنفط يعكس القرارات التي إتخذت قبل خمس إلى 10 سنين … والقرارات التي تتخذ الآن ستكون لها تداعيات بعد خمس أو 10 سنين من الآن”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى