أزمة اليمن، ظاهرها مذهبي وباطنها نفط

بقلم البروفسور جاسم عجاقة*
تُعتبر الأزمة اليمنية إمتداداً لصراع قائم على خلفية مذهبية عمرها فاطمي وإتجاهها كربلائي. وهذا الصراع أدّى إلى تشرذم الأمة العربية وتقسيم دول كبيرة منها كالعراق وسوريا وليبيا واليمن. ويعتبر العديد من المحللين السياسيين أن الطموح الإيراني الذي يفرض نفوذه في المنطقة هو السبب الأساسي لهذا التشتت. وإذا كان هذا الأمر صحيحاً في المشرق العربي إلا أن أبعاداً أخرى يجب أخذها بعين الإعتبار في دول كاليمن وليبيا.
منذ وصول شاه إيران محمد رضا بهلوي إلى السلطة في خمسينات القرن الفائت وإيران تعمل على الإكتفاء الذاتي العسكري. لقد كان يحلم بجعل إيران دولة كبرى الذي ترجمه بإنشاء صناعة عسكرية مهمة أدّت إلى نجاحها الى حد مُعين بصنع ترسانة شبه كاملة من الأسلحة الخفيفة وصولاً إلى الأسلحة الثقيلة. وبُعيد وصول نظام الإمامة إلى الحكم، إستمر العمل على صناعة الأسلحة حتى وصلت إلى طائرة وغواصة من صناعة إيرانية بحتة (لسنا هنا بصدد تقييم نوعية هذه المعدات).
وفي عهد الشاه، قامت بريطانيا بتزويد إيران بالتكنولوجيا النووية المُتوفرة في ذلك الوقت وتمّ نقل المعرفة إلى مئات المهندسين النوويين الإيرانيين الذين إستمرّوا بنقلها إلى الألاف من المهندسين الإيرانيين الأخرين في عهد الإمامة.
لكن الإختلاف السياسي مع الغرب، دفع هذا الأخير إلى فرض عقوبات على إيران تخوّفاً من طموحات النظام الجديد وتوقف بذلك الدعم الغربي للصناعة النووية.
إن فرض النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط نابع من عوامل عدة وعلى رأسها الإضطهاد الذي تعرض له الشيعة أيام الحكم العثماني. فالسلطان سليمان الأول كان يقول أن قتل شيعي واحد يساوي أجر قتل سبعين مسيحياً في الآخرة. لكن هذا العامل ليس الوحيد، فالوجود الشيعي الكثيف في إيران، دفع بالإستراتيجية الإيرانية إلى العمل على خلق محيط تحت تأثير إيراني يسمح لطهران بتزعم العالم الإسلامي. ويضمن توازن القوى في منطقة يملك فيها السنّي (باكستان) واليهودي (إسرائيل) ترسانة نووية.
وزاد هذا الأمر التباين بين النظام الإيراني من جهة وبين دول الخليج العربية من جهة أخرى. وإزداد معه الإنقسام المذهبي الذي يأخذ جذوره من تاريخ الإسلام والخلاف على الخلافة. وأصبح كل عمل مهما كان نوعه يُفسّر بالبعد المذهبي بغض النظر عن أسبابه الحقيقية والتي كانت تتمثل بالعديد من الحالات بالنفط.
الحرب بين العراق وإيران في ثمانينات القرن الماضي لعبت ضد الجمهورية الإسلامية بشكل لا شك فيه. إلا أن المُعادلة تغيّرت كلياُ مع سقوط نظام صدام حسين الذي وضع الأسس لما يُسمّى ب”القاعدة” اليوم وخلق فكراً متطرفاً متمثلاً ب”داعش”. هذا الفكر تعتبره إيران الشيعية من أكبر المخاطر على وجودها بحيث أن الشيعي يُشكل، بحسب “داعش”، خطراً على الإسلام أكثر من اليهودي.
وفي اليمن، كان لتنظيم “القاعدة” دور كبير في خلق الفوضى في هذا البلد، وقام الغربيون بدعم نظام علي عبد الله صالح ومعه الحوثيين. وزادت قوة الحوثيين مع زيادة تسليحهم لدرجة أن علي عبد الله صالح خاف من زعيمهم وقام بتقوية” القاعدة” لكي يلعب دور الحكم ويُطيل من عمر عهده ويُسلّم الوراثة إلى نجله.
ووجد الحوثيون أنفسهم أقوياء لدرجة أنهم قاموا، وبحسب رأينا بإيعاز من إيران، بمحاولة لقطع طريق بواخر النفط بين الخليج العربي وقناة السويس حيث يمرّ أكثر من 40% من النقل البحري للنفط. هذا الأمر جاء بهدف دفع أسعار البترول العالمي إلى الصعود مما يخدم مصالح إيران من جهة ومصالح روسيا من جهة أخرى.
والحوثيون الذين يُسيطرون على 80% من الواجهة البحرية لليمن على البحر الأحمر، يسعون بعمليتهم إلى السيطرة على كامل هذه الوجهة وصولاً إلى عدن مما قد يؤثر على الملاحة البحرية في البحر الأحمر وبالتالي يضرب الاقتصاد المصري. هذا الأمر دفع بالمصريين إلى التحرك بسرعة والإنضواء تحت راية التحالف العربي ضد الحوثيين بقيادة المملكة العربية السعودية التي أصبحت مصالحها مهددة بشكل مباشر. وما ضرب عدن والحماية المُشددة على المنشأت النفطية في المملكة إلا دليل على هذا السيناريو الذي كان يهدف الحوثيون إلى تحقيقه.
من هذا المُنطلق نرى أن الأحداث اليمنية التي أخذت ابعاداً مذهبية عبر إيرازها كحرب سنية – شيعية، ما هي إلا صراع على النفط وعلى طرق الإمدادات. لكن بسبب طبيعة اليمن العشائرية، وتركيبته المذهبية فقد أُعطي للأزمة بعدٌ مذهبي إقليمي تَمثَّل بإنضمام 10 دول عربية ذات غالبية سنية إلى التحالف ضد الحوثيين، ودعم طهران العلني لنظام الحوثيين.
إن كل ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من حروب تحت تسميات متعددة (“الربيع العربي”، الحرب على “داعش”، الحرب على الحوثيين) ما هو إلا ضربة لتهديم المجتمعات العربية التي ستبقى لعهود طويلة في مكانة الشعوب غير النامية وذلك على الرغم من الثروة النفطية التي تمتلكها. فإلى متى هذا الإنقسام يا عرب؟
• خبير إقتصادي وإستراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى