عُمان تُنعِش إقتصادَها ب127 مليار دولار

تبدو الخطط الإقتصادية التي تبنّتها سلطنة عُمان أخيراً بأنها واعدة على المدى البعيد. وفي حين سيتم إستثمار الجزء الأكبر من موازنتها في قطاع النقل والمواصلات، إلا أن الدولة تسعى إلى تنويع إقتصادها من خلال تخصيص إستثمارات كافية لقطاعي الصناعة والسياحة. وتأمل الحكومة من المشاريع التي أطلقتها هذه الخطط الإقتصادية المزيد من النضج الإقتصادي.

السلطان قابوس بن سعيد: الإصرار على تنويع الإقتصاد
السلطان قابوس بن سعيد: الإصرار على تنويع الإقتصاد

مسقط – باسم رحال

في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، خلال كلمةٍ ألقاها أمام مُنتدى مشاريع عُمان للعام 2014 في مسقط، أبرز وزير التجارة والصناعة في البلاد الدكتور علي بن مسعود السنيدي نطاق تطوير البنية التحتية الذي يجري الآن في جميع أنحاء السلطنة.
وأوضح في كلمته بأن القيمة الحالية للمشاريع التي يجري تنفيذها في السلطنة تبلغ نحو 80 مليار دولار. إنها في الواقع جزء من مجموعة من المشاريع، تبلغ قيمة كلفتها 127 مليار دولار، والتي سيتم تحقيقها ضمن خطة التنمية الخمسية الثامنة للبلاد، التي لا يزال أمامها 14 شهراً أخرى من العمل (في حينه).
الواقع أن هذه المليارات من الدولارات تغطّي إستثمارات في مختلف القطاعات لتنويع الإقتصاد في السلطنة، حيث توفّر دفعة قوية لمجتمع الهندسة والمقاولات في البلاد. وينصبّ تركيز الحكومة على وسائل النقل (المطارات والسكك الحديدية والموانئ والطرق السريعة)، والسياحة (بما في ذلك عدد من المنتجعات الفاخرة) والمشاريع الصناعية (الإستفادة من الموارد الهيدروكربونية والمعدنية في السلطنة).
ومن بين المشاريع التي سوف تُبنى على القاعدة الصناعية الثقيلة المتزايدة في عُمان مصنعٌ للأمونيا في المنطقة الحرّة في صلالة في جنوب البلاد والذي سينتج 1000 طن يومياً. ومن المتوقع أن يتم منح عقود الهندسة والتوريد وبناء المصنع – حيث لم يعلن عن التكلفة بعد – في النصف الأول من العام الجاري، فيما تمّ تلزيم الهندسة الأمامية والتصميم فعلياً. المشروع – الذي هو مشترك بين شركة تكامل للإستثمار المحلية وشركة النفط العُمانية – سوف يُبنى بالقرب من محطة شركة صلالة للميثانول الحالية، والتي سوف توفّر بدورها المواد الأولية للمشروع الجديد. وقد ذكرت وسائل الاعلام المحلية بأن مصنع الأمونيا سيستغرق بناؤه حوالي 28 شهراً.
وفي الوقت عينه، تمّ توقيع عقود أخرى في أيار (مايو) 2014 لبناء مصنع فولاذ وصلب بتكلفة تبلغ 400 مليون دولار في صور، نحو 200 كيلومتر إلى الجنوب من العاصمة مسقط. سوف ينتج هذا المشروع 2.5 مليوني طن سنوياً من الصلب السائل الذي سيتم تحويله إلى منتجات تامة الصنع مثل الأنابيب الفولاذية المقاومة للصدأ. وفقاً لليومية “عُمان أوبزرفر”، سيتم إنشاء المصنع الجديد بالقرب من التجمّعات الصناعية الثقيلة التي يجري تطويرها من قبل المؤسسة العامة للمناطق الصناعية، حيث تقوم مصانع على مستوى عالمي، بما فيها مصنع للشركة العُمانية الهندية للسماد العملاقة “أوميفكو” (Omifco) ومصنع للشركة العُمانية للغاز الطبيعي المسال.
وعندما يصبح صالحاً للعمل، فإن مشروع صور سيضيف مزيداً من القوة إلى وضع عُمان كبلد منتج للصلب لا يستهان به. إن مجمّعات الصلب الأخرى الموجودة حالياً في البلاد تشمل مصنع “جندال شديد للحديد والصلب” في ميناء صحار، الذي يجاور مصنع كريات الحديد الخام الرئيسي الذي يديره تكتل التعدين البرازيلي “فالي”. أما مصانع الصلب التي هي على نطاق أصغر فتعمل حالياً في أماكن أخرى من صحار، في حين تم التخطيط لبناء مشاريع الصلب الضخمة في الدقم وصلالة.
سوف تكون صلالة أيضاً موقع مشروع جديد مستقل للطاقة يعمل بالغاز. المصنع الجديد، مشروع صلالة 2 للطاقة المستقلة، وفقاً لبعض التقارير، سوف تكون لديه قدرة مركبة تتراوح بين 300 و400 ميغاواط، وسُيقام إلى جوار مشروع الطاقة الحالي الذي تبلغ قدرته 273 ميغاواط وتديره شركة ظفار للطاقة. ومن المتوقع أن يبدأ التشغيل التجاري لمشروع صلالة 2 في العام 2018.
الواقع أن سعي سلطنة عُمان إلى تطوير التجمّعات الإقتصادية في مواقع إستراتيجية في جميع أنحاء البلاد – بهدف خلق فرص عمل للسكان المحليين ونشر التنمية في جميع الأنحاء – يصعّد ويحفّز سرعة التنفيذ. ومع إنجاز كتلة ضرورية من المشاريع فعلياً (وأخرى في طريق الإنجاز) في مجتمعات مثل صلالة (ثاني أكبر مدينة في السلطنة) وصحار (شمال مسقط)، فإن الاهتمام يتحوّل الآن إلى مواقع جديدة.
أحد أبرز هذه المواقع هي الدقم، البلدة الصغيرة بكل المقاييس التي يبلغ عدد سكانها الحالي أكثر بقليل من 10،000 نسمة. ويبدو أن لدى الحكومة خططاً كبيرة لهذه البلدة، التي كانت قرية للصيد سابقاً، مع بعض التقارير يشير إلى أن عدد سكانها يمكن أن يرتفع بسرعة ليصل إلى مئة ألف نسمة بحلول العام 2020، حيث يكون تمّ تطوير قدرات مينائها بشكل كبير وأُنجزت مشاريع صناعية ضخمة على مستوى عالمي فيها. والجدير ذكره، أن مشروع الدقم يُعتبر أكبر مشروع من نوعه تقوم به سلطنة عُمان في تاريخها الحديث.
وتقود حملة الإستثمار في الدقم هيئة المنطقة الإقتصادية الخاصة المعروفة بإسم (SEZAD)، التي تشرف على جميع الأنشطة الإقتصادية في المنطقة، وستكون مسؤولة عن تنفيذ مشاريع البنية التحتية الضرورية لتحقيق أهداف طويلة الأجل. حتى الآن، تم إنفاق نحو 1.7 مليار دولار في الدقم، مع وعد من الحكومة بمتابعة الإنفاق أكثر في الأشهر المقبلة.
ومما يساعد الخطة أن شركة النفط العُمانية المملوكة للدولة قد إلتزمت بمنح 15 مليار دولار لمشاريع في ميناء الدقم هي قيد التنفيذ، الأمر الذي حقن زخماً قيِّماً في الأعمال. وقد إعترف نائب الرئيس التنفيذي للشركة ملحم الجرف في وقت سابق من العام الفائت بأن المنطقة ستكون “التركيز الأساسي” للشركة للعامين المقبلين.
الواقع أن حجم مشاريع شركة النفط العُمانية في منطقة الدقم مثيرٌ للإعجاب. فهي تقوم حالياً ببناء أكبر منشأة لتخزين النفط الخام في العالم في “رأس المركز” الذي يبعد 70 كيلومتراً من البلدة، حيث ستكون لها قدرة تقرب من 200 مليون برميل من النفط. ويضيف الجرف بأن هناك مشروعاً رئيسياً آخر لشركة النفط العُمانية يكمن في بناء خط أنابيب بدائرة 36 بوصة وبطول 250 كيلومتراً لنقل الغاز الطبيعي إلى الدقم من “سيح النهيدة” في وسط عُمان. وسوف يوفّر الغاز اللَّقيم إحتياجات مجموعة من الصناعات المتوقّع أن يكون مقرها في البلدة، التي تهدف في نهاية المطاف إلى أن تكون مركزاً للصلب والفولاذ، وتخزين المنتجات الهيدروكربونية، وتكرير البتروكيماويات. علماً أن هناك 230 ألف برميل تنتجها المصفاة يومياً حالياً بالفعل.
وتأمل السلطات في الدقم بشكل طبيعي في جذب الإستثمار الأجنبي أيضاً. في وقت سابق من العام الفائت قام مسؤولون من هيئة المنطقة الإقتصادية الخاصة في الدقم (SEZAD) بزيارة إلى إيطاليا لشرح الخطوط العريضة للمستثمرين المحتمَلين وعرض الفرص المتاحة في البلاد، والدقم بشكل خاص. وأشارت تقارير محلية إلى أن مجتمع الأعمال الإيطالي قد عبَّر عن رغبته في إستكشاف الإمكانات في مراسي الصيد، وتربية الأحياء المائية، والطرق، والبنية التحتية، والسكك الحديدية، والشركات الصغيرة والمتوسطة في الدقم، وبعض الشركات حدّد إهتمامه بمشاريع قائمة على التصدير التي تستهدف الأسواق الآسيوية الناشئة.
في حين أن الأخبار الآتية من عُمان على جبهة المشاريع هي إيجابية – عشرات المليارات من الدولارات من الإلتزامات الإستثمارية تشكّل بياناً واضحاً للثقة في إقتصدها – فهناك مخاوف من أنها سوف تضطر إلى مواجهة بعض المشاكل. بعد سنوات عدة من إرتفاع أسعار النفط الذي ملأت عائداته خزائن الدولة وغذّت طفرة المشاريع، فإن أسواق النفط العالمية تشير الآن إلى فترة من إنخفاض الأسعار. وبإعتبارها واحدة من دول مجلس التعاون الخليجي الأكثر عرضة لتقلبات أسعار النفط، فإن الحكومة العُمانية قد تضطر إلى مراجعة بعض أولويات إنفاقها.
النشاط التمويلي في سلطنة عُمان، وخصوصاً تمويل المشاريع، مع ذلك، إنطلق في العام 2014 تدريجاً فيما كان عدد من مشروعات البنية التحتية يأتي إلى السوق، وبعد فترة من النشاط القليل نسبياً خارج السوق المصرفي المحلي.
ومن بين صفقات تمويل المشاريع الكبرى التي إختتمت في العام الفائت كانت لشركة مصافي النفط العُمانية والصناعات البترولية (Orpic)، التي وقّعت على قرض تبلغ قيمته 2.8 ملياري دولار مع مجموعة من البنوك في أيار (مايو) 2014 لتمويل مشاريع مختلفة، بما في ذلك خطة توسيع مصفاتها في المدينة الصناعية صحار.
وفي الوقت عينه، تخطّط شركة الكهرباء القابضة، المؤسسة القابضة لجميع شركات الكهرباء في السلطنة، للحصول على 2.1 ملياري دولار من خلال قروض أو إصدار سندات بحلول منتصف العام الحالي، وقد إستخدمت المصرف الأميركي “جي بي مورغان تشايس” وبنك مسقط لتقديم المشورة لها بشأن خيارات التمويل، كما نقل عن لسان الرئيس التنفيذي للشركة المهندس عمر الوهيبي في حزيران (يونيو) 2014.
من ناحية أخرى، فقد تمَّ تحقيق تقدّم آخر على جبهة مهمة تتمثّل في واحد من المشاريع العقارية والسياحية الضخمة في سلطنة عمان. إنه مخطط “أوماجين” الذي من المتوقع أن تبلغ تكاليفه 2.5 ملياري دولار بالقرب من مسقط وسوف يكون، وفقاً للشركة المطوّرة “أوماجين” (Omagine LLC)، “مشروعاً متكاملاً ومتنوعاً يتضمّن نوادٍ وأماكن ثقافية وترفيهية ومكوّنات سكنية تشمل فنادق ومبانٍ للمكاتب ومحالاً تجارية وأكثر من ألفي مسكن سيتم تطويرها للبيع”. ومع توقّع إستثمار نحو 20 مليار دولار في تطوير البنية التحتية للنقل والمواصلات في السلطنة في السنوات المقبلة – حجر الزاوية سيكون شبكة السكك الحديدية الوطنية التي ستمتد على 2244 كيلومتراً وستكلف 15.4 مليار دولار (جرت عطاءات في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الفائت لعقود الهندسة والتوريد والإنشاء) حيث سترتبط بشبكة السكك الحديدية في عموم دول مجلس التعاون الخليجي – إضافة إلى التوسعات في مطاري مسقط وصلالة، فإن حجر الأساس لمستقبل الإقتصاد في سلطنة عُمان يجري وضعه الآن بشكل جيّد وواعد.
بالمثل، فإن المشاريع التي سوف تربط في ما بينها شبكات النقل هذه في جميع أنحاء البلاد ستساعد أيضاً السلطنة على تحقيق قدر أكبر من التنوّع الإقتصادي، وتحمل الإتجاه الذي، وفقاً للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، شهد في العام الفائت “زيادة ملحوظة” في الأنشطة غير النفطية في العام 2014. في كل الأحوال، إذا إستطاع صناع القرار والسياسة في سلطنة عُمان المحافظة على يد ثابتة على مقود الموازنة فيما أسعار النفط العالمية تعرف إنخفاضاً، فإن لدى البلاد كل الأسباب لكي تكون واثقة من القيمة الطويلة الأجل لخط أنابيب مشاريعها وبالتالي لمستقبلها الإقتصادي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى