تحوّل أكبر مصرف سعودي إلى بنك إسلامي يعيد تشكيل القطاع المالي في المملكة

القرار الأخير لأكبر بنك في المملكة العربية السعودية، البنك الأهلي التجاري، الذي أعلنه في تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، والذي على أساسه سيتحوّل بالكامل إلى بنك يتوافق مع الشريعة الإسلامية، من المرجح أن يعيد تشكيل القطاع المصرفي في المملكة.

بنك الراجحي: أكبر بنك إسلامي في العالم
بنك الراجحي: أكبر بنك إسلامي في العالم

الرياض – سمير الحسيني

الإلتزام المفاجئ للبنك الأهلي التجاري في المملكة العربية السعودية بالتحوّل إلى مُقرِضٍ متوافقٍ مع الشريعة الإسلامية يهدّد بتحويل القطاع المصرفي في المملكة في إتجاه جديد، حيث حتى الآن تتميّز غالبية موجودات البنوك بأنها تقليدية في طبيعتها وليست إسلامية.
إذا إستطاع أكبر بنك في البلاد تطبيق قراره بالتحوّل في غضون خمس سنوات إلى بنك إسلامي، كما إلتزم في إعلانه في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، فإنه يمكنه عندها أن ينمّق حصته الكبيرة وينمّيها أكثر في السوق، نظراً إلى الجذب الإضافي للمستهلكين الذين أظهروا بالفعل تفضيلاً واضحاً لهياكل المصارف الإسلامية.
تشكّل البنوك الإسلامية في المملكة العربية السعودية أقل من النصف – 48.9 في المئة، وفقاً لأحدث تقرير عن التنافسية العالمية للمصارف الإسلامية وضعته شركة الإستشارات “أرنست أند يونغ” – من إجمالي حصة السوق المصرفية، والتي يهيمن عليها بنك الراجحي، أكبر بنك إسلامي في العالم الذي ساهم بنسبة 20 في المئة من صافي دخل القطاع الكلي السعودي في العام 2013. والبنوك المنافسة له في مجال التمويل وفق الشريعة هي صغيرة نسبياً وتتمثل في “بنك الجزيرة”، الذي يضم فقط 16 مليار دولار من الأصول، فضلاً عن مصرف الإنماء وبنك البلاد.
من ناحية أخرى، إن الحجم الكبير للبنك الأهلي التجاري، الذي يضم أصولاً ب116 مليار دولار، و500 فرع في المملكة، وصافي أرباح في العام 2013 بلغ ملياري دولار، يعني بأنه في وضع جيّد للسطو والسيطرة على حصة السوق من المنافسين التقليديين، على الرغم من أنه سيكون عليه تصفية ثلث أصوله على الأقل إذا أراد ضمان الإمتثال الكامل للشريعة.
ويتوقّع المحلّلون أن يكون البنك الأهلي التجاري رابحاً كبيراً صافياً من خطوته، حتى لو كان تحوّله إلى بنك إسلامي الآن، لم يظهر أبداً في برنامجه وإستراتيجيته على المدى الطويل. “من المتوقع أن يزيد التحوّل في جاذبية البنك بالنسبة إلى السوق خصوصاً في الخدمات المصرفية للأفراد، وبالتالي فإنه سيكون من الأسهل عليه جذب عملاء تجزئة جدد وهذا سيؤثر سلباً في مصرف الراجحي، الذي ولّد وجنى 44 في المئة من إجمالي الأرباح المصرفية للأفراد في القطاع”، يقول تركي فدعق، المحلل في شركة “البلاد المالية” في الرياض.
وجاء قرار البنك الأهلي التجاري بإلتزام التحوّل ليثير أسئلة حول عملية إعداده لطرحٍ أولي عام لأسهمه في السوق – بلغت قيمة الإكتتابات فيه 6 مليارات دولار وإنتهى في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي – إذ أن علماء الدين الإسلامي الرائدين في السعودية يعتبرون أن الإكتتاب العام لا يتوافق تماماً مع مبادئ الشريعة الإسلامية. في منتصف تشرين الثاني (أكتوبر)، فيما كان الإكتتاب الضخم للبنك على وشك الإطلاق في السوق، قال مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة بأن الإستثمار في طرح أسهم البنك الأهلي التجاري لا يجوز لأن الكثير من أعماله كانت غير إسلامية.
وهذا في الواقع يتناقض مع الموقف المواتي والمؤيد للجنة الشريعة الخاصة بالبنك الأهلي التجاري بالنسبة إلى عملية الإكتتاب في البنك. “الدين يأتي فوق كل شيء” قال الشيخ عبد الله المطلق، أحد أعضاء اللجنة، للتلفزيون الحكومي في ذلك الوقت.
من حيث المبدأ، لا يتوقع أن تكون عملية التحويل مرهقة للغاية للبنك السعودي. ووفقاً لهيئة الرقابة الشرعية الخاصة به، 78 في المئة من جميع صفقات تمويل البنك الأهلي التجاري هي بالفعل متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، وكذلك 92 في المئة من مطلوباته و 73 في المئة من دخله. علماً أن مصرفاً من الفروع الأجنبية الرئيسية التابعة له، بنك “تركي فاينانس” في تركيا، بات فعلياً مُقرِضاً متوافقاً مع الشريعة الإسلامية.
يقول محلّل الإئتمان والمدير المساعد للقطاع المصرفي في وكالة “ستاندرد آند بورز”، بول هنري بروفوست، إن تصنيفات الوكالة الحالية وتوقعاتها بالنسبة إلى البنك الأهلي التجاري لا يحدّد أو يتطرق إلى تحويل البنك اإلى مؤسسة إسلامية كاملة بإعتباره تهديداً محتملاً لجدارته الإئتمانية.
“بناء على بيانات نهاية العام 2013، كان لدى الأهلي بالفعل 66.1 في المئة من صافي الإقراض الذي كان يمثّل قروضاً إسلامية (مقارنة ب 38.8 في المئة في العام 2005)، وهذا يشمل المصرف التابع له في تركيا، والذي هو بالفعل بنك إسلامي”، يقول بروفوست.
“على جانب الإقراض، فإن معظم الجهود سيكون في المقام الأول على دفاتر المحاسبة للشركات، حيث أن عمليات البيع بالتجزئة، على غرار معظم البنوك المحلية الأخرى، هي أساساً تتوافق فعلياً مع الشريعة الإسلامية. ومع ذلك، فإن نسبة عالية من إقراض البنك الأهلي التجاري هي بالفعل متوافقة مع الشريعة الإسلامية”، يضيف.
حسب رأي “ستاندرد أند بورز”، إن عملاء الشركات السعودية حريصون على الحصول على منتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، وبالتالي فإن تقديم هذه المنتجات سيكون أمراً قابلاً للتحقيق – على الرغم من أنها تتطلب وقتاً إضافياً للتدقيق الداخلي والإختبار من قبل المستهلكين. ويمكن أن تكون الصعوبة الرئيسية بدلاً من ذلك على جانب آخر غير الإقراض، يلاحظ بروفوست.
“نحن نعتقد بأن السلطات السعودية تقدم للبنك الأهلي التجاري تسهيلات مماثلة في البنك المركزي من حيث فرص التوظيف المحلية كما تفعل مع مصرف الراجحي والبنوك المحلية الأخرى”، كما يقول.
“في نهاية المطاف، يضيف، إن الجزء غير المحلي للمحفظة الإستثمارية للبنك الأهلي التجاري هو الذي يحتاج إلى بعض العمل لتحقيق الإمتثال الكامل ضمن الإطار الزمني المحدّد بخمس سنوات. ونحن نعتقد أن نمو الصكوك الإسلامية سيكون مساعداً خلال تلك الفترة عينها لتمكين البنك الأهلي التجاري من تحقيق هذا الهدف تدريجاً، من دون الحاجة إلى اللجوء إلى فئات الأصول الأخرى التي تفضّلها البنوك الإسلامية مثل العقارات”.
قد تطرأ تغييرات على الطريقة التي يتعامل بها البنك المركزي، مؤسسة النقد العربي السعودي، مع التمويل الإسلامي، إذا إنطلق البنك الأهلي التجاري التقليدي في تحوّله. إن الممارسة الحالية التي لا تفرّق بينهما – ببساطة تطالب الإلتزام بعتبات معيّنة – قد لا تكون قادرة على الصمود إذا كانت غالبية الأصول المصرفية هي إسلامية.
حتى من دون ركلة بداية كبيرة ينذر بها تحوّل البنك الأهلي التجاري المفترض إلى بنك إسلامي، فقد أدّى الطلب القوي من العملاء الأفراد والشركات إلى نمو كبير في الإقراض الإسلامي، وفقاً لشركة الإستشارات “أرنست أند يونغ”. تفيد الشركة أن نسبة 54 في المئة من مجموع التمويل السعودي كانت متوافقة مع الشريعة الإسلامية في العام 2013. وعموماً، فإن حصة البنوك الإسلامية تضاعفت تقريباً في الفترة بين 2009 و2013.
وفقاً لشركة الإستشارات، فإن ما يُسمّى مشاركة مصرفية تتحول بسرعة إلى نظام تمويل سائد في المملكة العربية السعودية، وبحلول العام 2019 قد تصل نسبة 70 في المئة من القطاع المصرفي إلى توافقٍ مع الشريعة الإسلامية. وقد أظهرت تلك البنوك الاسلامية بشكل كامل أيضاً أداء أفضل من المصارف التقليدية؛ في حين أن معدل النمو المركب للمُقرضين التقليديين في السنوات الأربع حتى العام 2013 بلغ سبعة في المئة، فإن نسبة المُقرضين الإسلاميين بلغت 17 في المئة في الفترة عينها.
مع ذلك، إن وعد البنك الأهلي التجاري بالتحوّل إلى المصرفية الإسلامية قد لا يؤدّي الى إندفاع فوري لغيره من المقرضين للسعي إلى نسخ قالبه وتوجهه. ويعتقد الكثيرون أن ثمار التحوّل لن تكون كافية للتغلب على عيوب تصفية الأصول التقليدية الخاصة، مع كل ما ينطوي على ذلك من إضطراب وإعاقات. ومع أرباح لا تزال قوية جداً، فإن الإلتزام بالتحوّل إلى الشريعة ليس مطلقاً في الوقت الحالي.
إن أنظمة مؤسسة النقد العربي السعودي التي أُعلنت أخيراً، والتي تعطي البنك المركزي قوة وسلطة للحدّ من الإقراض للأفراد في البنوك وتحديد الرسوم التي يمكن أن تأخذها، من المرجح أن تؤذي البنوك المتوافقة مع الشريعة الإسلامية أكثر من المصارف التقليدية. وفقاً للبنك الإستثماري الإقليمي “إي أف جي هيرميس”، في حين أن أثر إنخفاض الدخل من الرسوم المصرفية للأفراد ينبغي أن يشعر به جميع البنوك، فإنه يقدّر أن البنوك الإسلامية سوف ترى أكبر تأثير سلبي في آفاق نمو دخلها من الرسوم.
ولكن، يتوقع أهل الخبرة مع ذلك أن يخدم البنك الأهلي التجاري بمثابة حالة إختبار لغيره من البنوك التي هي على إستعداد لتحويل عملياتها بشكل كامل، على الرغم من قول المحلل الإئتماني بروفوست بأنه قد يكون من المبكر جداً القول ما إذا كان هناك لاعبون آخرون سوف يحذون حذوه، “ومع ذلك، فإننا نعتقد أن الاتجاه نحو الإمتثال الكامل لأحكام الشريعة بالنسبة إلى الإقراض التجاري قد تصاعدت نسبته بشكل مطرد، وذلك تمشياً مع الرأي الديني للعملاء السعوديين، سواء في قطاعات التجزئة أو الشركات”، كما يقول.
على نطاق المنظومة، كانت هناك نسبة 68.1 في المئة من مجموع صافي الإقراض من البنوك السعودية هي قروضاً إسلامية في العام 2013، مقارنة مع 44.6 في المئة في العام 2005. وكان هناك إتجاه في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي نحو تحويل البنوك إلى الوضع الإسلامي، خصوصاً مع الأزمة المالية التي يمكن القول أنها سرّعت هذا الاتجاه، كما تم تحديد هذا التحوّل على أنه يعني إمكانية إلتقاط الأعمال في بيئة مأزومة.
البنك الأهلي التجاري، في الوقت عينه، من المتوقع أن يظل رابحاً على خلفية إرتفاع إقراض الشركات. وفقاً لفدعق من “البلاد المالية”، إن دخل البنك من قروض الشركات زاد 53 في المئة عاماً بعد عام، ويمثّل 22 في المئة من إجمالي أرباح الشركات المصرفية في المملكة العربية السعودية. ومع نسبة القروض إلى الودائع لديه هي 63.6 في المئة مقابل معدل متوسط للقطاع يبلغ 79.9 في المئة، فهذا ينبغي أن يمهّد الطريق لإقراض أكثر عدوانية في المستقبل، وإتاحة الفرصة للبنك لمزيد من الأرباح. من ناحية أخرى ما زال لديه الكثير من مجالات النمو في مساحات البيع بالتجزئة، حيث تبلغ حصته في السوق 12 في المئة فقط. ووجوده في تركيا – الذي يَعِد بتدفّقٍ قوي محتمل للإيرادات في المستقبل – ينبغي أيضاً أن يوفّر فرصاً لزيادة الأرباح.
إن إعادة ضبط وضع البنك الأهلي التجاري بإعتباره مقرض متوافق بالكامل مع أحكام الشريعة الإسلامية تعد إختباراً كبيراً لهمة وقدرة فريق إدارة المصرف الحالية. ولكن الخبراء الإستراتيجيين في البنك يعرفون أيضاً أنه في نهاية رحلة شاقة ربما سيكون هناك بعض الفضلات الرئيسية للعرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى