محاكمة مبارك: المقطع الختامي للثورة المصرية

بقلم باسم رحّال

صباح السبت في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، رفض قاضٍ في القاهرة، لأسباب إجرائية، مجموعة من الإتهامات الموجّهة ضد الرئيس المصري السابق حسني مبارك الناجمة عن ثورة 2011 – بما في ذلك إتهامات بأنه كان مسؤولاً عن مقتل متظاهرين مصريين برصاص الشرطة خلال إنتفاضة 25 يناير (كانون الثاني) . ولمجموعة معقّدة من الأسباب، من المرجّح أن يُطلَق سراح مبارك من السجن قريباً على الرغم من أنه أُدين في وقت سابق بتهم فساد لا علاقة لها بهذه القضية.
بالنسبة إلى أولئك الذين شوَّشتهم وأربكتهم المجموعة الكبيرة من التهم، ورد الدعاوى، والإدانة، والتبرئة، وإعادة المحاكمات التي أدّت إلى حد كبير إلى بقاء مبارك في السجن منذ ثورة 2011، أود أن أشير إلى معلومات مفيدة جداً من حسام بهجت، المسؤول سابقاً عن مبادرة الحقوق الشخصية المصرية وصحافي في “مدى مصر”:
“لم يفاجىء قرار القاضي أصحاب المهن القانونية في مصر، الذين كانوا على علم لفترة طويلة بنقاط الضعف البارزة في كيفية دفع هذه الاتهامات وهشاشة الأدلة التي قُدِّمت لدعمها. كما أن الأمر لم يفاجىء بدوره الساخرين الذين يرون في “تبرئة” مبارك تتويجاً للثورة المضادة التي بدأت منذ أكثر من عام مع المظاهرات ضد حكم الرئيس محمد مرسي، والإنقلاب العسكري، وإنتخاب المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد. من المهم أن نلاحظ أن هذه النتيجة القانونية ليست حكماً بالبراءة، إذ أنه لم يتم تبرئة مبارك من التهم الموجّهة إليه. وبالنسبة إلى العديد من المراقبين، تمثّل نتيجة هذه المحاكمة رمزية للمسار الواسع لسياسة مصر ما بعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 التي تحوّلت من إنتفاضة شعبية نبيلة إلى مؤامرة أجنبية مظلمة، وإنتقلت السياسة التعدّدية من التعبير عن الإرادة الشعبية إلى خطر على التكافل الإجتماعي، وصار القمع الداخلي خيراً أخلاقياً بعدما كان فضيحة أخلاقية”.
ولكن ربما بشكل ملموس أكثر، تشكّل نتيجة المحاكمة رمزية لنظام عدالة ضعيف مهترىء حيث كثيراً ما تبدو نتائج أحكامه تعسّفية وحيث كثيراً ما يتّبع المدَّعون العامون والقضاة مشاعر الرأي العام – أولاً، إستجابةً لنداءات الثأر والدم، تمّ توجيه إتهامات إلى الرئيس السابق مبنيَّة على أدلّة وُضِعت على عجل، ومن ثم رُفِضت هذه التهم بعد ثلاث سنوات من الفوضى التي جعلت ثلاثين عاماً من ديكتاتورية مبارك تبدو وردية. إن طريقة العمل المنحازة لهذا النظام هي أيضاً واضحة في حقيقة أن هذا القاضي رفض بشكل صحيح التهم الموجهة إلى مبارك لأسباب تقنية وإجرائية، في حين أن أدلّة واهية غير معقولة و/ أو غير ذي صلة قُبلت في المحكمة لإدانة ثلاثة صحافيين هذا العام وإدانة 43 شخصاً من موظفي المنظمات غير الحكومية في العام 2013. في بعض النواحي، إن هذا النظام المكسور هو أحد الأمثلة الصغيرة على الدولة المصرية المهترئة والتي هي من إرث حكم مبارك الطويل. وكما غرّد أحد المصريين بعد صدور الحكم: إن التهم الحقيقية ضد مبارك بعد 30 عاماً في السلطة يجب أن تكون: 35٪ نسبة الأمية، و30% نسبة البطالة، و40% معدل الفقر.
لذا إن خبر رفض التهم تقنياً وإجرائياً ضد مبارك هو تذكير محزن لكثيرين من المصريين الذين يرون أن آمالهم بالنسبة إلى مصر ما بعد مبارك تتبدّد. ولكن ربما التي تأثرت بعمق من هذه النتيجة هي أسر أكثر من 800 مصري قُتلوا في ثورة يناير (كانون الثاني). وغالباً ما يشار إلى هؤلاء الرجال والنساء الشباب بأنهم شهداء لدعوات من أجل “الخبز والحرية والعدالة الإجتماعية” التي قادت الإنتفاضة ضد مبارك. مع قرار 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت، فإن أسر هؤلاء الشهداء تواجه المستقبل من دون الحلم الذي ماتوا من أجله، وأيضاً من دون عدالة لمقتلهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى