المخرجات التونسيات يعرّين المجتمع من ورقة التين!

فيما تتحول تونس إلى الديموقراطية رويداً رويداً وفي خطوات ثابتة بعدما جرت الإنتخابات النيابية أخيراً وتستعد لإنتخابات رئيس الجمهورية، بدأ أهل الفن السابع في تلك الجمهورية يخططون للقيام من ثباتهم بعدما عثّرت الأحداث الأخيرة مشاريعهم السينمائية. ولكن هل هناك من مستقبل لهذه السينما؟

بيروت – جوزف قرداحي

المخرجة مفيدة التلاتلي: النقاد هاجموها بسبب فيلمها "صمت القصور"
المخرجة مفيدة التلاتلي: النقاد هاجموها بسبب فيلمها “صمت القصور”

الثورة التي أشعلها محمد البو عزيزي في تونس في العام 2010 عبر إضرام النار في نفسه، يبدو أنها لم تُشعل الحرارة في شرايين وعروق السينما التونسية المتوقّفة عن الإنتاج الحقيقي والمتعثّرة لأسباب عديدة منذ سنوات. ذلك أن هناك من يتهم المخرجين الشباب أصحاب النفس الغربي، أنهم يبالغون في إستخدام مشاهد الجنس على حساب المعالجة الدرامية، وإبتعادهم من الواقعية في طرح مواضيعهم السينمائية، الأمر الذي تسبب في خيبة أمل الجمهور الذي إبتعد رويداً رويداً من أي إنتاج محلي تونسي.
لكن هذا لا يمنع أن ثمة محاولات جادة من قطاعات عديدة لإعادة الروح إلى عجلة السينما التونسية التي وإن بدأت في العام 1896 على أيدي الفرنسيين وتحديداً الإخوة لوميير الذين ساهموا على ما يبدو بتأسيس هذه الصناعة في معظم بلدان الشرق الأوسط. غير أن تونس لم تعرف السينما الناطقة فعلياً إلا في العام 1927، حين عُرض لأول مرة فيلم “مُغنّي الجاز” لآلان كروسلاند، الذي كان حافزاً لصدور أول مجلة سينمائية متخصصة تحت إسم “أفلام المجلة السينماتوغرافية الإفريقية الشمالية”.
أما أول محاولة جادة لإنتاج فيلم تونسي ناطق كانت في العام 1937 تحت عنوان “مجنون القيروان” لمحي الدين مراد، وهو فيلم غنائي إستعراضي، حظي بإقبال جماهيري واسع.
تأثّرت السينما التونسية بالثقافة الفرنسية، على الرغم من جميع المحاولات للتحرر من مخلفات هذا الإستعمار الذي انتهى في العام 1955 بعدما منحت الحكومة الفرنسية الإستقلال لتونس، معترفة للشعب التونس بالحكم الذاتي الأمر الذي حفّز السينمائيين التونسيين على تنشيط حركتهم الثقافية فبادروا إلى إنشاء جمعية تأسيسية للسينما التونسية، ليتبعها إفتتاح مكتب للسينما في وزارة الشؤون الثقافية والإعلام، تولى الإشراف عليه مؤسس مهرجان أيام قرطاج المخرج المعروف الطاهر شريعة، “الذي يعدّه النقاد أب السينما التونسية” ولا سيما أنه كان وراء العديد من الأفلام التونسيىة التي وصلت إلى العالمية مثل فيلم “جحا” (إخراج الفرنسي جاك بارنييه) الذي ساهم في بروز نجمين عالميين هما الممثل ‏العالمي عمر الشريف والممثلة الإيطاليّة ذات الجذور التونسيّة كلوديا كاردينالي.
ساهمت حركة التحرّر من الإستعمار الفرنسي في تونس في إزدهار الحركات الفنية والثقافية، التي كانت نتيجتها تأسيس جمعية السينمائيين ‏التونسيين الشبان في العام 1962. وتأسيس مهرجان قليبية للسينمائيين الهواة في العام 1964، كما تم تأسيس مركز للتدريب السينماتوغرافي. فضلاً عن بدء التلفزيون التونسي إرساله في العام 1966، الذي عرض أول فيلم طويل، أنتجته تونس بعد الإستقلال حمل عنوان “الفجر”، وهو من إخراج عمار الخليفي.
نتيجة إفتتاح التلفزيون التونسي، توالت النشاطات السينمائية فإفتتح في العام 1968 المجمع السينماتوغرافي، الذي إستهل إنتاجه بفيلمي “مختار” و”الضائعون” (إخراج صدوق بن عيشة) وفيلم “خليفة الأقرع” (إخراج حمودة بن حليمة)، وفيلم “الموت يقلق” الذي تولى إخراجه كل من التونسي فريد بوغدير والفرنسي كلود دانا. وإستمرت عجلة السينما ناشطة في العام 1969 فتم إنتاج فيلم “قصة غاية في البساطة” للمخرج عبد اللطيف بن عمار، وفيلم “أم عباس” للمخرج علي عبد الوهاب.
¬¬أما في العام 1970 فقد إقتصر الإنتاج على فيلم “الفلاقة” لعمار الخليفي، وفي العام 1971 إشترك كل من حمودة بن حليمة والهادي بن خليفة وفريد بوغدير في إخراج فيلم “في بلاد الترنني”، وهو فيلم يتكون من ثلاثة أجزاء مقتبسة من ثلاث قصص للأديب التونسي علي الدوعاجي .وأخرج إبراهيم باباي في العام نفسه فيلم “وغدا” في حين أخرج عبد اللطيف بن عمار فيلم “سجنان”.
أمام ما تقدم، نكتشف أن الحكومة التونسيّة كانت الداعم الأول في مرحلة النهضة الثقافية السينمائية تلك، من أجل إبراز صورة النضال التونسي أيام الإستعمار الفرنسي، وفي هذا المجال يقول الناقد التونسي محمود الجمني: “ما بين سنوات الإستقلال وبداية الثمانينات، عرفت السينما التونسية أكثر من منحى مشترك في فيلم واحد، فنجد مثلاً ‏‏”سينما النضال الوطني، التي برزت خصوصاً في أفلام عمار الخليفي كـ”الفجر” و”الفلاقة”.
من ناحية ثانية برزت في تونس “سينما الواقع ‏الاجتماعي”، التي تعكس صورة المجتمع التونسي بطبقاته الشعبية مثل فيلم “وغدا” لإبراهيم باباي، و”شمس الضباع”، لرضا الباهي. وأيضا سينما الهجرة كفيلم “السفراء” للناصر القطاري الحائز على التانيت الذهبي لأيام قرطاج السينمائية في العام 1976، وفيلم ‏‏”عبور” لمحمود بن محمود”.
وتُعتبر مرحلة تسعينات القرن الائت مفصلاً مهماً في تاريخ السينما التونسيّة وعلامة فارقة، لا سيما أنها تميّزت بتوافر شرطين أساسيين نادراً ما إلتقيا في سينما واحدة، وهما سينما المؤلّف والمخرج الأمر الذي ولّد سينما نخبويّة، وسينما جماهيريّة شعبيّة حقّقت لمنتجيها إيرادات ضخمة، ويمكن أن نذكر في هذا الخصوص فيلم “عصفور سطح” انتاج العام “1990” و”صيف حلق الوادي” إنتاج العام “1996” لفريد بوغدير، و”صمت القصور” لمفيدة ‏التلاتلي إنتاج العام “1994” وهو الفيلم الذي أطلق نجومية هند صبري في سماء القاهرة، وواجهه النقاد بعاصفة من الهجوم الشرس لما تضمنه من مشاهد جريئة خرجت عن الخطوط الحمر للمجتمع التونسي المحافظ. و”بزناس” “1992”، و”آخر فيلم” 2007 للنوري بوزيد، و”السيّدة” لمحمّد الرزن. وهي أفلام بمجملها تعكس الواقع التونسي بكل تفاصيله وخفاياه وتناقضاته، كاشفة الستر عن جميع المحرّمات الإجتماعيّة، الأمر الذي جعلها تلامس وجدان المواطن التونسي الذي تقبلها بإيجابية وإنفتاح.
لكن على الرغم من نجاح معظم هذه الأفلام جماهيرياً، إلا أنها تعرّضت لإنتقادات قاسية من نقاد السينما، وطاولت مخرجات وممثلات تلك الأفلام الهجوم الجارح، فإتهم بعض كتاب الصفحات الثقافية في الصحافة الفنانات التونسيات بانجذابهن إلى “لعبة العري والتعري لأنها الطريق الأقصر لتحقيق الشهرة، ولأن تحقيق النجومية يحتمل في أغلب الأحيان تقديم الكثير من التنازلات، لذلك فالعديد من الأسماء استطاعت إلى الآن تحقيق نجاح لافت، لكن على حساب القيم الإجتماعية”.
وقد نعتت تلك الإنتقادات الفنانات التونسيات بأبشع النعوت حتى أن بعض المنتقدين تساءل عن السبب الذي يدعو المخرجين المصريين إلى إختيار فتيات تونسيات لأداء أدوار العري والإغراء، بدلاً من اللجوء إلى الفتيات المصريات البارعات أكثر في تجسيد هكذا أدوار تعتمد على الإيحاءات الجنسية والإثارة؟
وبعيداً من إختلاف نظرة النقاد القاسية في ما خص القيمة الفنية للكثير من هذه الأفلام، فاللافت أنهم إتفقوا في نظرتهم إلى أهمية الآفاق البعيدة التي فتحتها أفلام الشباب للسينما التونسية، الأمر الذي يبشر بمستقبل واعد يمكنه أن يعيد إلى السينما التونسية ألقها لتتفاعل مع محيطها الاجتماعي والثقافي، على الرغم مما يراه بعض النقاد في جرأتها على أنه إنحراف يمكن أن ينسحب على تفصيل آخر من السينما التونسية متمثلة في السينما النسائية، بقيت حتى وقت قريب مع الرائدات من المخرجات الشابات أسيرة المواضيع النسائية التي تقارب حرية المرأة كما طرحتها مفيدة التلاتلي في “صمت القصور” و”موسم الرجال”، وأيضا كما قدمتها المخرجة رجاء العماري في “الستار الأحمر” والمخرجة سلمى بكار في “رقصة النار”، و المخرجة كلثوم برناز في “كسوة الخيط الضائع”.
يبدو أن مستقبل السينما التونسية سيزدهر ويتطور مع الجيل الجديد من المخرجات التونسيات اللواتي غامرن وإقتحمن ميداناً في سينما المرأة بقي مقتصراً على الرجال فترة طويلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى