مستقبل الطاقة المتجدّدة في العالم ينام بين ثنايا المنطقة العربية

تُعتبر أنظمة الطاقة في المنطقة العربية- التي تهيمن عليها أنواع الوقود الأحفوري كما في معظم مناطق العالم- أنظمة غير مُستدامة سواء من الناحية الإقتصادية أو البيئية أو الإجتماعية. وعلى الرغم من أن مستويات كثافة إستهلاك الطاقة وإنبعاثات الكربون بالنسبة إلى الفرد هي من بين الأعلى عالميّاً، فإن نحو 35 مليون عربي لا يحصلون على خدمات طاقة حديثة، وبشكل خاص الكهرباء. وبخلاف الكثير من مناطق العالم، تتمتع المنطقة العربية بإمكانات هائلة من موارد الطاقة المتجدّدة، بما فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح حيث تقع معظم الدول العربية في منطقة الحزام الشمسي، بالإضافة إلى الطاقة المائيّة والطاقة الحرارية الجوفية في بعض المواقع، وهذه جميعاً لم تُستغلّ كما يجب حتى الآن.
ومن شأن هذه المصادر المتجدّدة، بالتوازي مع إعتماد التقنيات الأنظف وتحسين كفاءة الطاقة، أن تساهم في تنويع الطاقة وتعزيز إستدامتها في المستقبل.

محطة شمس -1 ، أكبر محطة طاقة شمسية مركزة في العالم
محطة شمس -1 ، أكبر محطة طاقة شمسية مركزة في العالم

بيروت – مازن مجوز

قد تبدو أشعة الشمس فى عالمنا العربي قاسية، خصوصاً فى فصل الصيف، لكنها قد تصبح أحدث مصادر الثروة فى المنطقة -التى طالما إشتهرت بكونها مصدراً رئيسياً للنفط- وذلك في حال نجحت الدول العربية فى إستغلال الطاقة الشمسية، خصوصاً أن منطقة الشرق الأوسط تتميّز بموقع إستراتيجي يجعلها تتمتع بالشمس على مدار العام، وهي ميزة يفتقدها العديد من دول العالم.
ومن هنا، يفيد أهل الخبرة أنه قد يصبح بمقدور الدول العربية توفير ثلث حجم الطاقة الشمسية فى العالم، ويشيرون إلى أنه فى حال وضعت الخلايا الشمسية على مساحة ١٦ ألف كيلومتر مربع، يمكن توليد طاقة كهربائية توازي ما يزيد على ٥ أضعاف ما يحتاجه العالم العربى من الطاقة الكهربائية في حالة الإستهلاك القصوى.
وفي الوقت الذي تشهد المنطقة نمواً مطرداً في إستهلاك الطاقة- إذ إرتفع بنسبة ٢٢% بين عامي ٢٠٠٧ و٢٠١١ – بدأ العديد من الحكومات العربية في إستحداث مشاريع ضخمة لإسـتغلال الطاقة الشمسية، خصوصاً لتوليد الكهرباء، وتشجيع المواطنين على التوجه نحو إسـتغلال الطاقة المتجددة من طريق تقديم تسهيلات وتشجيع ضريبي.
وإذا كان العرب إحتكروا طوال القرن الفائت حصة الأسد من صادرات الطاقة التقليدية، فإن قدراً مماثلاً ينتظرهم على مشارف منتصف القرن الحالي حيث سيُعقد لهم لواء تصدير نسبة عالية من الطاقة الشمسية.
فالصحراء العربية تزخر بإمكانات هائلة لإستخدام الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء وتحلية مياه البحر، والتغلب على الأزمات المتوقعة بالنسبة إلى الحصول على الطاقة والمياه فى القرن الحادي والعشرين.
هناك دعوات كثيرة للدول العربية للإفادة من الطاقة الشمسية نشهدها كل عام، وكان آخرها تلك التي وجهها عدد من الباحثين والخبراء الدوليين في مجال الطاقة البديلة في بريطانيا، على إعتبار أن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يُعَدّان من أغنى مناطق العالم بتلك الطاقة.
وجاءت تلك الدعوات خلال المؤتمر العاشر للصناعات العمرانية المستدامة وتكنولوجيا الطاقة المتجددة المصاحبة (إيكو بيلد 2014) ، الذي إنعقد أخيراً في لندن، ويعتبر أبرز حدث عالمي في هذا المجال.
وأفاد الباحثون البريطانيون والعرب في المؤتمر أن متوسط ما يصل الأرض العربية من طاقة شمسية يبلغ ستة كيلوواط في الساعة يومياً، وهو رقم مرتفع بالمقارنة مع باقي دول العالم. ويرى هؤلاء أن هذا الأمر يجعل من الطبيعي على تلك المنطقة من العالم، أن تبدأ في التفكير جدياً في تقنيات الطاقة البديلة.
من جهته، يوضّح الباحث العربي وخبير تحلية المياه والطاقة المتجددة في مركز تكنولوجيا الطاقة المتجددة بجامعة نوتنغهام في بريطانيا دكتور محمود شتات، أن أفضل التقنيات الواعدة هي التي تسخّر طاقة الشمس التي تعتبر مصدراَ للطاقة المجانية والنظيفة ومن دون مخلفات أو أخطار، مضيفا أنه “على الرغم من وجود عقبات في هذا الطريق، التي تتمثل في ضعف القدرة على تحويل الطاقة الشمسية إلى كهربائية وحاجتها إلى مساحات كبيرة نسبيا لتجميع الأشعة الشمسية، فإن الثلاث سنوات الأخيرة شهدت تطوراً كبيراً في رفع كفاءة الخلايا الشمسية المولّدة للكهرباء والتي قد تصل حالياً إلى 20%”.
ووفق شتات، فقد لوحظ في الآونة الأخيرة، أن “دول مجلس التعاون الخليجي تستهلك كميات كبيرة جداً من الطاقة في مجال تحلية المياه وتكييف وتبريد المنشآت والمباني السكنية، واليوم بات ضرورياً إستبدال محطات التحلية وأنظمة التبريد التقليدية بأنظمة تعمل بواسطة الطاقة الشمسية في هذه البلاد”.
في المقابل ترجّح التقديرات نفاد نفط الشرق الأوسط خلال المئة عام المقبلة، وهي توقعات يتفق معها رئيس الجمعية الدولية لتكنولوجيا الطاقة المستدامة البروفيسور صفا رفعت، الذي يعتبر أن “إستهلاك الطاقة الحالي في جميع أنحاء العالم في إزدياد مضطرد، نتيجة للنمو الإقتصادي والسكاني”.
ويؤكد: “يجب ألّا يفوِّت العرب فرصة خلق تكنولوجيات عربية لإستغلال الطاقة الشمسية وهي لا تزال في بداية تطورها، كصناعة الخلايا الفوتوضوئية والمجمعات الشمسية، إضافة إلى أهمية إستثمار وفرة مساحات الأرض الصحراوية في المناطق العربية، التي تنعم بسطوع الشمس على مدار العام، من طريق إنشاء مزارع لإنتاج الطاقة الكهربائية وتصديرها إلى دول الإتحاد الأوروبي”.
في الآونة الأخيرة، أدّى التلوث البيئي الذي يسببه حرق الوقود الأحفوري بمصادره الثلاث (النفط والفحم والغاز الطبيعي) إلى التفكير بإيجاد مصادر طاقة بديلة تكون صديقة للبيئة، وتساهم في التخفيف من ظاهرة تدهور المناخ العالمي، خصوصا بعدما عُقدت العديد من الإتفاقيات العالمية التي تطالب الدول بالحد من ظاهرة التلوث البيئي.
وتُعدّ الطاقة المتجدّدة من أقدم مصادر الطاقة التي إستخدمها البشر، فأيا كان العمل فكرياً أو عضلياً فإنه يتطلب لإنجازه كمية ملائمة من الطاقة. وتطورت مصادر الطاقة مع تطور وسائل العمل التي إبتكرها الإنسان لسد إحتياجاته المختلفة (المادية والمعنوية) على مدى تاريخه الطويل.
وتتضمن الطاقة المتجددة مصادرعديدة كالشمس، والرياح، والمياه، وغاز الهيدروجين والمصدر البيولوجي وغيرها.
وفي نظرة سريعة على أهم مميزات الطاقة المتجددة نجد أنها:
1- متوفرة في معظم دول العالم؛
2 – مصدر محلي لا ينتقل، ويتلاءم مع واقع تنمية المناطق النائية والريفية وإحتياجاتها؛
3 – نظيفة ولا تلوّث البيئة، وتحافظ على الصحة العامة؛
4 إقتصادية في كثير من الإستخدامات، وذات عائد إقتصادي كبير؛
5 ضمان إستمرار توافرها وبسعر مناسب وإنتظامه؛
6 لا تحدث أي ضوضاء؛
7 تحقق تطوراً بيئياً، وإجتماعياً، وصناعياً، وزراعياً على طول البلاد وعرضها؛
8 تستخدم تقنيات غير معقّدة ويمكن تصنيعها محلياً في الدول النامية.
ومن الضروري قبل إحتساب تكلفة وإقتصاديات الطاقة المتجدّدة أن نعلم نوع التطبيق بالنسبة إلى هذه الطاقة بالإضافة إلى مواصفات المكان، أي هل هو منطقة نائية أو قرب مدينة أو في داخل المدينة ؟ ويجب معرفة فترة التشغيل اليومية، وهل هناك حاجة إلي تخزين الطاقة أم لا ؟ وهل هناك حاجة إلى الصيانة ومدى تكرارها؟
من المعلوم بأن غالبية البلدان العربية تدعم أسعار الكهرباء المولَّدة بالمشتقات النفطية لمواطنيها، ولا بد من أخذ هذا العامل بالإعتبار عند مقارنة تكلفة توليد الكهرباء بإستخدام الطاقة المتجددة.
هذه العوامل، مع إتباع الطرق الصحيحة لإستغلال وإستخدام هذا النوع من الطاقة بشكل إقتصادي ومحاولة تطويرها إلى الشكل الأفضل قد يؤدي إلي إنخفاض تكلفة الواط الواحد المنتج منها.
وفيما تطوّرت سوق الطاقة المتجددة في المنطقة العربية بسرعة، فإن بلداناً عدة لا تزال تعمل وتكشف عن مشاريع وسياسات في هذا المجال. وهذا التوسع الحديث في سوق الطاقة المتجددة في المنطقة، بالإضافة إلى تنوّع الدول المشاركة فيه، ناجم عن الحاجة إلى تعزيز أمن الطاقة وتلبية الزيادة الكبرى في الطلب ومعالجة مشكلة ندرة المياه.
ويشير تقرير حول “حالة الطاقة المتجددة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” إلى أن قيمة الإستثمارات في قطاع الطاقة المتجددة تجاوزت 2,9 ملياري دولار في العام 2012، بزيادة بلغت 40% عن العام 2011 و650% عن العام 2004.
ومع دخول أكثر من 100 مشروع حيّز التطوير بحسب ما تضمن التقرير الصادر في 24 حزيران (يونيو) 2013، من المتوقع أن تزداد قدرة المنطقة على توليد الطاقة المتجدّدة غير المائية بواقع 450% خلال السنوات القليلة المقبلة.
كما أعلنت حكومات المنطقة إلتزامها بزيادة قدراتها الإنتاجية من هذه المصادر بواقع 50 غيغاوات بحلول العام 2020 و107 غيغاوات بحلول العام 2030 ، وذلك بالمقارنة مع نحو 1,7 غيغاوات في العام 2011.
في نهاية العام 2012، كانت لدى سبع دول عربية على الأقل، في مقدمتها مصر، قدرات للتوليد بطاقة الرياح. كما يُنتظر أن تزيد محطات الطاقة الشمسية المركّزة مساهمة هذا النوع من الطاقة في قدرات التوليد في المنطقة، علماً أن أكثر من 30 في المئة من البلدان التي تشغّل محطات طاقة شمسية مركّزة في العالم هي بلدان عربية، وبالتحديد الجزائر ومصر والإمارات والمغرب.
وتعمل المنطقة على وضع الكثير من مشاريع إنتاج الطاقة الهوائية والشمسية أو على التخطيط لها، ففي آذار (مارس) 2013، أصبحت الإمارات ذات دور فاعل في سوق الطاقة الشمسية المركّزة، حين بدأت تشغيل محطة “شمس 1” التي تعد أكبر محطة طاقة شمسية مركّزة في العالم بقدرة مركّبة تصل إلى 100 ميغاواط. بالإضافة إلى حقل شمسي يتضمن 768 مجمعًا من عاكسات القطع المكافئ. والذي بلغت كلفته 600 مليون دولار حيث ستمتد على مساحة 2.5 كلم مربع. وفي الوقت الذي وضعت السعودية هدفاً طموحاً لتلبية 33 في المئة من إحتياجاتها “الطاقوية” المحلية من مصادر متجددة بحلول سنة 2032، يُخطط الأردن من جهته لإنتاج 300 ميغاواط من حاجته إلى الكهرباء في العام 2020 من الطاقة الشمسية. فيما تسعى مصر إلى إفتتاح أول معمل لإنتاج الطاقة الشمسية جنوب القاهرة في نهاية السنة، مقروناً بإنتاج الطاقة بإستخدام الغاز.
ويبدو أن دول المتوسط العربية ودول الخليج العربية باشرت بتطوير سياسات تدعم فعالية الطاقة، وهي تميل اليوم نحو دراسته بشكل علمي موضوعي جدّي، إلّا أن نجاح محاولات دول المنطقة أو فشلها في تنويع مصادر الطاقة هما رهن بقدرة هذه الدول على رفع الكثير من التحديّات الإستراتيجية.
من المعروف أن السياسات الصحيحة تساعد على النجاح في زيادة حصص مصادر الطاقة المتجدّدة في مزيج الطاقة، وهذا يعطي ثماره على صعيدي الإقتصاد والبيئة. ولقد أصبح لدى 20 من الدول العربية سياسات ذات أهداف واضحة، فيما أقرّت 16 دولة منها مستوى معيناً من السياسات الملائمة للطاقة المتجدّدة مثل التعرفة التفضيلية والحوافز الضريبيّة والتمويل العام.
على كل حال، كما أشار تقرير حالة الطاقة المتجددة للمنطقة الآنف الذكر: “يبقى أن نرى إلى أي مدى ستؤدي الطموحات الحكومية التي يدعمها التمويل العام حاليّاً إلى سياسات وآليات تشجيعية شفافة وطويلة الأجل ومرتبطة بالسوق؟ ممّا يشجّع القطاع الخاص على المشاركة في توسيع قدرات التوليد بالطاقة المتجددة”.
ويلاحظ خبراء السياسات والإستثمار والأعمال، على حدّ سواء، أن إقتصاد الطاقة النظيفة آخذ في البروز كأحد أهم الفرص الإقتصادية والبيئية العالمية في القرن الحادي والعشرين. وأخذ القادة، على جميع المستويات المحلية والوطنية في أرجاء العالم، يدركون أن إستخدام الطاقة المأمونة والموثوقة والنظيفة يمكّنهم من خلق الوظائف والأعمال، وتحسين أمن الطاقة، ورفع مستوى جودة الهواء والصحة العامة، والتخفيف من حدة تغيّر المناخ.
وفي وسع البلدان العربية- إذا كان ثمّة إلتزام طويل الأجل وإذا وُجدت السياسات والإستثمارات المناسبة- أن تنضمّ إلى نادي الطاقة النظيفة العالمي، وأن تخلق بذلك فرص عمل جديدة عالية الأجور وتصدّر الطاقة المتجدّدة، إلى جانب النفط والغاز.
هناك تحدّ رئيسي يواجه الحكومات في معظم البلدان العربية، يتمثّل في تخصيص الأموال الكافية لدعم النموّ المتوقع في الطلب على الطاقة. وفي لغة الأرقام تبلغ قدرة التوليد المركّبة للتوليد في الدول الـ 22 الأعضاء في جامعة الدول العربية 202 جيغاواط، وهي بذلك لا تتجاوز نسبة 4 في المئة من إجمالي قدرات التوليد المركبة على مستوى العالم، وفقاً لما ورد في إحصاءات البنك الدولي والمرصد العالمي للطاقة في العام 2013.
وبلغ متوسط إستهلاك الفرد العربي للكهرباء سنويّاً 2396 كيلوواط ساعة في العام 2010، متراوحاً بين 18319 كيلوواط ساعة في الكويت و248 كيلوواط ساعة في اليمن. وتراوحت معدلات نموّ الطلب خلال العقد المنصرم بين 5 و10 في المئة سنويّاً، ويُتوقّع أن تستمرّ في المراوحة بين 4 و8 في المئة خلال العقد المقبل. لذا فإنّ تلبية الطلب على الطاقة الكهربائية من قاعدة المستهلكين، الآخذة بالنموّ من حيث الحجم ومعدّل الإستهلاك للفرد، تحتاج إلى مواصلة إضافة قدرة توليد بنحو 24 جيغاواط سنويّاً على مدى السنين العشر المقبلة. وهذا يعني ضرورة توفير إستثمارات جديدة تفوق 31 مليار دولار في كل عام، أي ما يوازي 1,5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية.
تُضاف إلى هذه المتطلبات المالية إستثمارات رأسمالية في البنية التحتية لشبكات النقل والتوزيع، وكذلك نفقات التشغيل والصيانة والأموال اللازمة لدعم أسعار الوقود. ووفقاً لسيناريو إستمرار النمو الإقتصادي والتطوّر الإجتماعي والإقتصادي، فإن التمويل اللازم لتنمية ودعم البنية التحتية لإمدادات الطاقة سيفوق قدرة القطاع العام على الإنفاق وإدارة المشاريع الرأسمالية بفعالية. لذا لا بد من إجتذاب التمويل من مصادر أخرى، عبر مقاربات إبتكارية تعزّز الأموال العامة المحدودة وتمكّنها من جذب إستثمارات ضخمة من القطاع الخاص.
كان نموذج منتجي الطاقة المستقلّين أبرز أسلوب للشراكة بين القطاعين العام والخاص في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. ففي العام 2010، حيث بلغت قدرات مشاريع شركات إنتاج الطاقة المستقلة نحو 40 جيغاواط، شكّلت ما يزيد على 50 مليار دولار من إستثمارات وتمويلات القطاع الخاص. وتمثّل خبرة السعودية وأبوظبي وقطر وعُمان والمغرب خلال العقد الفائت نموذجاً يُسَجَّل لمشاركة القطاع الخاص في تطوير قدرات التوليد.
وفي الآونة الأخيرة، نجح مطورو إنتاج الطاقة المستقلون والمصارف في هذه البلدان في بناء قدرات كافية للقيام بدور قيادي في تمويل وتنفيذ مشاريع توليد واسعة النطاق في أنحاء المنطقة العربية وخارجها.
والسؤال الذي يطرح هنا: لماذا يجب أن تطوّر مصادر الطاقة المتجدّدة في منطقة تملك إحتياطياً كبيراً من الوقود الأحفوري؟
تعاني صناعة الطاقة المتجدّدة في معظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من قلة التمويل أو عدمه. لكن هناك سبعة أسباب على الأقلّ يجب أن تدفع المنطقة لإتخاذ دور ريادي في تطوير هذا القطاع وفق ما ورد في مقال بعنوان “إستخدام الطاقة المتجددة في دول الخليج” نشر على موقع مركز البيئة للمدن العربية الإماراتي:
1) تتميّز المنطقة بميزات جغرافية ومناخية ملائمة، ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تتمتّع بأكبر قدرة في العالم على إنتاج الطاقة الشمسية.
2) تفيد غالبية الدراسات أن الطاقة المتجددة ستساهم في خفض غازات الإحتباس الحراري و مواجهة التغيّر المناخي إذ أن العديد من دول المنطقة تُعتبر من بين البلدان التي تبعث أعلى كمية من غازات الإحتباس الحراري في العالم بحسب نصيب الفرد.
3) من جهة أخرى، يمكن لمصادر الطاقة المتجددة أيضاً أن تساعد على حلّ مشاكل المنطقة البيئية الأخرى. فالمنطقة تواجه إرتفاعاً سريعاً لمستويات التلوّث الذي ترافقه تكاليف عالية وتدهور لنوعية الحياة؛ وهي تعاني حالياً من ثاني أعلى مستوى من التلوّث الهوائي في العالم.
4) يمكن لمصادر الطاقة المتجددة أن تخفّض من كميات النفط والغاز المستعملة في إنتاج الكهرباء محليا،ً و بالتالي يمكن الاستفادة من هذه الكميات بمجالات تدرّ ربحاً أكبر.
5) يمكن لصناعة الطاقة المتجددة أن تساهم في التنوّع الإقتصادي وتوفيّر الوظائف. فقطاع النفط والغاز ينتج 47 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في دول الخليج العربي إلاّ أنّه لا يشكلّ أكثر من واحد في المئة من الوظائف.
6) “أمن الطاقة” حيث تشير غالبية التوقعات إلى أن تضاؤل إحتياطات البترول والغاز وإزدياد الإستهلاك العالمي الحالي للطاقة، سيؤديان في النهاية إلى زوال هذا المصدر الحيوي للطاقة.
7) كلفة الطاقة المتجددة التي ما فتئت تتقلص منذ عقود عدة. ومن المنتظر أن تستمر تكلفة أنواع معينة من الطاقة المتجددة في الإنخفاض نظراً إلى تحسن تكنولوجيات إنتاجها.

بدورها، قالت المهندسة جميلة مطر، مديرة إدارة الطاقة في جامعة الدول العربية، في كلمة لها في منتدى بيروت الخامس للطاقة الذي إنعقد من 17 إلى 19 أيلول (سبتمبر) 2014: “لم تكتفِ الجامعة بتفعيل وتأكيد إهتمامها بالطاقة المتجدّدة على المستوى العربي فقط، بل إنطلقت باحثة عن سبل التعاون الدولي من خلال المبادرات الإقليمية والدولية، كما إستشعر المجلس الوزاري العربي للكهرباء المخاوف التي شعر بها المواطن العربي بشأن الطاقة، ممثلة بإرتفاع أسعار الوقود وإرتفاع فاتورة الكهرباء التي أصبحت تشكّل عبئاً ثقيلاً عليه، ما دفعه نحو إعتماد سياسات تساهم في تعزيز دور الطاقة البديلة، حيث يركز حاليا على موضوعات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة”.
وتشرح المهندسة مطر أن الامين العام للجامعة كان أطلق مبادرة بشأن الطاقة المتجدّدة عرضها على القمة العربية في آذار الفائت، وتهدف إلى تعزيز إنتشار تقنيات الطاقة المتجدّدة على مستوى في المنطقة، وتطوير قدرات الدول العربية لتمكينها من الإستفادة من مصادر الطاقة المتجددة لديها بمشاركة القطاع الخاص بشكل أكثر فعالية في الإستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة، مع إقتراح مصادر مناسبة للتمويل تساهم في بناء سوق عربية للطاقة المتجددة.
أما آفاق إستخدام الطاقة الشمسية في الوطن العربي، فتحدثت عنها دراسة منشورة على الموقع الالكتروني لوزارة الطاقة الإماراتية، ومن أبرز ما تضمنته:
إن البحث والمثابرة في إيجاد بدائل من الطاقة، ما هو إلا جزء مكمّل لإستمرارية دور الدول العربية كدول مصدرة للطاقة والحفاظ على المستوى الإقتصادي الذي تنعم به هذه الدول الآن، ومن أجل مواكبة بقية دول العالم في هذا المجال، نقترح مراعاة ما يلي:
• الدعم المادي والمعنوي وتنشيط حركة البحث في مجالات الطاقة الشمسية؛
• القيام بإنشاء بنك لمعلومات الإشعاع الشمسي ودرجات الحرارة وشدّة الرياح وكمية الغبار وغيرها من المعلومات الدورية الضرورية لإستخدام الطاقة الشمسية؛
• القيام بمشاريع رائدة وكبيرة نوعاً ما وعلى مستوى يفيد البلد كمصدر آخر من الطاقة، وتدريب الكوادر العربية عليها بالإضافة إلي عدم تكرارها بل تنويعها في البلدان العربية، للإستفادة من جميع تطبيقات الطاقة الشمسية؛
• تنشيط طرق التبادل العلمي والمشورة العلمية بين البلدان العربية، وذلك من طريق عقد الندوات واللقاءات الدورية؛
• تحديث دراسات إستخدامات الطاقة الشمسية في الوطن العربي، وحصر وتقويم ما هو موجود منها؛
• تطبيق جميع سبل ترشيد الحفاظ على الطاقة، ودراسة أفضل طرقها إلى جانب دعم المواطنين الذين يستعملون الطاقة الشمسية في منازلهم؛
• تشجيع التعاون مع الدول المتقدّمة في هذا المجال، والإستفادة من خبراتها على أن يكون ذلك مبنياً على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة.
وفي الختام لا بدّ من التوقف عند البيان النهائي ل”المنتدى العربي الثاني للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة”، الذي إنعقد في مدينة الغردقة – جنوب مصر في 18 و19 حزيران (يونيو) 2014، والذي شدّد على أهمية توسيع إستخدام الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة فى الدول العربية والإتفاق على ذلك، مشيراً إلى الرغبة فى دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للإنخراط فى هذين المجالين على نطاق أوسع، كخيار إستراتيجي من اجل القضاء على الفقر والبطالة والمساهمة فى التنمية المستدامة.
ويأتي هذا المسعى إتساقاً مع مبادرة القمة العربية الاولى للتنمية الإقتصادية والإجتماعية في الكويت في كانون الثاني (يناير) 2009، لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية من خلال صندوق خاص يدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة كوسيلة لخلق فرص العمل، وتشجيع مهارات تنظيم المشاريع بين الشباب العرب وجذب الإستثمار لتطوير وتعزيز أسواق الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة.
ووفق البيان فإن هذه الأهداف دونها عدد من الصعوبات منها على سبيل المثال: “ضعف الرؤية الإستراتيجية الطويلة المدى حول دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تطوير البيئة الإقتصادية والإجتماعية، ومحدودية التكامل والتقارب فى السياسات المتّصلة بالصناعة ونظيرتها المرتبطة بالطاقة، وغياب التفاعل بين البنيتين التنظيمية والتشريعية من جانب، وأهداف وإحتياجات التطور فى صناعات وخدمات الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة من جانب آخر”.
ويضاف إلى هذه العوامل: “عدم ملاءمة مناخ الأعمال والقوانين والتشريعات، صعوبة النفاذ إلى الخدمات المصرفية والمالية، نقص المعلومات وغياب الشفافية فى القطاعين المالي والمصرفي”.
كما عوَّل المنتدى على نقل أفضل الممارسات والدروس المستفادة من خبرات دول أخرى نجحت فى هذا المجال، وطرح الحلول الممكنة للتغلب على هذه التحديات مما يساعد على توطين تقنيات الطاقة المتجدّدة ودعم برامج وخدمات كفاءة الطاقة، داعياً جامعة الدول العربية إلى تبني مجموعة إجراءات وتطبيقها فى الدول العربية بالتعاون مع المنظمات والهيئات العربية والدولية لتأسيس خارطة طريق يمكن تسميتها “من الأفكار إلى الإبتكار”، تبدأ أولاً بالاتفاق على تعريف محدد للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
واللافت أنه من ضمن تلك الإجراءات من أجل تكامل وتقارب سياسات الطاقة والصناعة والاستثمار والبيئة بما يضمن تهيئة مناخ أعمال جاذب للإستثمار، تطوير أدوات تمويل مبتكرة تؤدي إلى توزيع المخاطر بشكل أكثر توازناً بين جميع المتعاملين فى سوق الإقراض، وتنمية القدرات الوطنية ونشر الوعي العام وثقافة الأعمال الخاصة بين الشباب.
ولم يغب عن بال المجتمعين إبراز أهمية تطوير خدمات تقديم المعلومات وتطوير الجدارة الإئتمانية للمقترضين، فضلاً عن تخصيص برامج مساعدة تقدم الدعم الفني واللوجستي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وتحسين النفاذ إلى المعلومات والمعرفة وتشجيع الشفافية في قطاع المال والأعمال العربي والإستفادة من مصادر التمويل العربية المتاحة.
ويقابل ذلك التنسيق على الصعيد الإقليمي من خلال المنظمات القائمة والفاعلة في ما يعزّز تبادل الخبرات والخروج بنقاط تكاملية تمكّن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من المساهمة في تحقيق أهداف الإستراتيجية العربية للطاقة المتجددة.
كما دعا إلى وضع آليات لبلورة الشراكة بين المؤسسات الصغرى والمتوسطة من القطاع الخاص والهيئات الحكومية من جهة والمؤسسات الكبيرة من جهة أخرى، ودراسة إمكانية وضع آلية للتعاون وتبادل الخبرات بين الدول العربية والعمل على تطوير قدرات التصنيع العربية، وأخيراً تطوير قاعدة البيانات العربية للطاقة المتجددة، والتي تتعاون فيها الجامعة العربية مع المركز الاقليمي للطاقة واللجنة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا “الاسكوا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى