حملة أميركا الجديدة في الشرق الأوسط: خطة حرب

بقلم زياد خليل عبد النور*

وأخيراً، إستجمع الرئيس باراك أوباما شجاعته بعد طول إنتظار ورسم علناً خريطة هجوم مضاد ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف ب”داعش”)، الأمر الذي يحدونا بالسؤال: أين كنت طوال هذا الوقت سيدي الرئيس؟ يجب أن يُقضَى على هؤلاء “الوحوش” قبل أن يستفحل شرّهم أكثر، ومن الواضح أن الولايات المتحدة هي الوحيدة فقط التي يمكنها القيام بذلك. إن الغياب الصارخ للإدارة الأميركية الحالية عن فعل أي شيء، وعدم رغبتها في الرد السريع لإيقاف هذه الجماعة الإرهابية، ترك المسرح خالياً وسمح لهواةٍ متشرذمين كي يتحوّلوا فجأة إلى تهديد للأمن وكل ما هو أخلاقي في العالم الحديث.
في غياب واشنطن، ستكون دول الجوار لسوريا والعراق (لبنان، والأردن، وتركيا …) من أكبر الخاسرات حيث فشلت حتى الآن في تنظيم حملة خاصة لهزيمة ذلك الجنون الذي يحمله تنظيم “الدولة الإسلامية”. الواقع تبدو دول الشرق الأوسط بحد ذاتها فاقدة التوازن ومختلة جداً للعمل معاً لحماية أنظمتها ومصالحها الخاصة.
لذلك ينبغي على أميركا إطلاق النار أولاً، وبناء تحالف دولي لاحقاً. لا يمكنها أن تدير ظهرها عن قطع الرؤوس والإبادة الجماعية وقوة منظمة تكفيرية شريرة تتعهد علناً بإبادتنا. على الولايات المتحدة أن تدمّر هذا التهديد مع أو من دون دعم دولي.
كان يمكن للرئيس أوباما أن يتصرّف الآن من دون الحاجة إلى موافقة من الكونغرس؛ لقد قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر أخيراً: “كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تتحرّك ضد “داعش” منذ فترة طويلة”.
ولكن، ومع ذلك، أن يأتي القرار متأخراً أفضل من ألّا يأتي أبداً.
بإعتراف الجميع أنا لست ديبلوماسياً. لكنني ولدت ونشأت في لبنان، وهاجرت إلى أميركا في أوائل ثمانينات القرن الفائت حيث أصبحت مواطناً فيها، وأنشأت شركة خاصة مالية وإستثمارية وهيدروكربونية مهمة في “وول ستريت”، الأمر الذي يسمح لي بالوصول إلى مصادر إستخباراتية كجزء من عملي في مراقبة أسواق النفط العالمية التي تشكّلها منظمة “أوبك” ودول الشرق الأوسط. لذا من هذا المنطلق أدلي بدلوي ببعض النصائح بعدما قرّر رئيس البلاد أخيراً تسديد ضربته:

1. إعرف أعداءك.

النظام السوري الحالي ليس صديقاً لأميركا إنه عدوّها. يجب التوقف عن التخيّل بأن االرئيس بشار لأسد لا غنى عنه، وأن الشراكة معه ضد “داعش” هي خطوة ذكية ومتطورة. الأمر ليس كذلك.
النظام في سوريا وتنظيم “الدولة الإسلامية”، حسب رأيي، هما، بمعنى ما، شيء واحد: مهاجمة الثاني تعني مهاجمة الأول. فقد رحّب الأسد بمساعدة “داعش” اذا كان الأمر سوف يمكّنه من هزيمة المتمرّدين الذين يريدون الإطاحة به. وهما بالتالي “وحشان” متكافلان حيث يحافظ كلّ منهما على تغذية الآخر بكل ما هو شيطاني وسيىء. إن تدمير “داعش” يعني تدميراً لكليهما.
على هذا النحو، ينبغي أن تبدأ واشنطن بتسليح الجماعات المعارضة المعتدلة و”الجيش السوري الحر” الذي يحارب نظام الأسد والإرهابيين في “داعش” معاً إضافة إلى “جبهة النصرة” التابعة لتنظيم “القاعدة”. إن تردّد أوباما حتى الآن بالقيام بذلك جعل “داعش” والأسد أقوى بكثير، الأمر الذي خلّف للولايات المتحدة وحلفائها وضعاً أمنياً أسوأ بكثير.
الشيء عينه ينطبق على إيران: إنها عدوة أميركا. لا يجب ان تفعل واشنطن أي شيء بالتعاون مع طهران على الرغم من أنه ينبغي أن تتابع المناقشات الجارية معها. إنها، في المدى الطويل، ستولّد مشكلة للعالم أكبر بكثير من “داعش”.
لدى ايران فرصة لإعادة بناء الإمبراطورية الفارسية القديمة – في هذا الزمن من طريق إنشاء الخلافة الشيعية. وربما قد تستطيع بلاد فارس في نهاية المطاف إنتاج أسلحة نووية، نظراً إلى المعارضة العاجزة والضعيفة لإدارة أوباما حتى الآن.

2. تصعيد الهجمات الجوية الأميركية

لم يعد يكفي إستخدام القوة الجوية لماماً بإعتبارها تدابير دفاعية مضادة لصد قوات تنظيم “الدولة الإسلامية”، مثلاً، في سدّ الموصل. يجب على الولايات المتحدة أن تقوم بالهجوم وتوسيع الغارات الجوية وإستخدام أقمار التجسس لكشف بُقَع نشاط “داعش”— حتى لو كان ذلك يتطلب العمل في مجال جوي أجنبي من دون إذن مُسبَق.
في الواقع، ينبغي على القاذفات الأميركية حتى قصف حقول النفط في سوريا والعراق التي يسيطر عليها الأسد أو تنظيم “الدولة الإسلامية”. هذا هو المصدر الذي يستمد “داعش” منه معظم قوته وتمويل خدماته اللوجستية. وبشلّ تلك الحقول وتدمير طرق الإمداد، سوف يقترب هذا التنظيم الإرهابي من الإنهيار في وقت أقرب مما يعتقد الكثيرون. علماً أن هذا سوف لن يؤثر في أسعار النفط العالمية، لأن توقف الإنتاج في تلك الحقول صار في الحسبان، كما أن أصول النفط التي تسيطر عليها “داعش” الآن هي في حدّها الأدنى.

3. قطع حبل التمويل على “داعش”

أحد الأهداف الرئيسية لتنظيم “الدولة الإسلامية” يكمن في السيطرة على أصول النفط والإستيلاء على البنوك. وهذا يعطي الولايات المتحدة نقاط قوة إضافية لخنق الجماعة الإرهابية وتجفيف مصادر تمويلها. لذا ينبغي فرض عقوبات على هذا التنظيم الإرهابي وأفراده، وتجميد حساباتهم المصرفية، وحظر جميع التعاملات معه ومعهم، ومقاطعة أي مؤسسة مالية مرتبطة بالتنظيم التكفيري ولو بطريقة غير مباشرة. إضافة إلى إستخدام التجسس تكنولوجياً والتسلّل الإلكتروني لتتبع تدفقات الأموال لمعرفة الأطراف التي تقوم بتحويل أموال إلى الجماعة الإرهابية ومعاقبتها.
من الواضح أن “اللاعبين” الذين يهيمنون على “داعش” يخططون للبقاء في هذا الصراع لفترة طويلة ويسعون إلى تركيز حكم الشريعة في الأراضي التي إحتلوها وتوسيع سيطرتهم على أراض جديدة وتمديد نفوذهم. لذا كلما سرّعت واشنطن في تجفيف أموالهم سوف تقلّص جهودهم وتقضي على أهدافهم.

4. العثور على أصدقاء جدد

على وجه التحديد، بين الأكراد في العراق، وفي الجيش اللبناني في لبنان، وقطر والمملكة العربية السعودية.
واشنطن بحاجة إلى تعميق علاقاتها بحكومة إقليم كردستان في العراق، وهي حليف رئيسي في الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. أي تقدم عسكري ضد “داعش” في العراق يتطلب تحالفاً بين االجيش العراقي الذي يهيمن عليه الشيعة، والحكومة المركزية الوطنية في بغداد وحكومة إقليم كردستان. ليست هناك شهية لتكرار أخطاء 2003 وإعادة الإحتلال العسكري الأميركي الكامل؛ فإن أي تدخل للقوات الأميركية اليوم يجب أن يكون خفيفاً وفي الوقت عينه فاعلاً.
من جهة أخرى، على الولايات المتحدة أيضاً أن تقدّم دعماً جديداً للجيش اللبناني وجعله القوة الوحيدة القادرة للدفاع عن الدولة اللبنانية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” و”جبهة النصرة”.
يمكن للبنان أن يكون حليفاً جيداً للولايات المتحدة إذا مُنِح الفرصة المناسبة، بعد تعرّضه لأكثر من 30 عاماً لهيمنة سوريا و”حزب الله”.
أما بالنسبة إلى قطر والمملكة العربية السعودية ينبغي على واشنطن توثيق علاقاتها أكثر مع الحكومتين، وإستخدام الحوافز التجارية والاقتصادية للحصول على الموارد والإستخبارات الضرورية للهجوم المضاد ضد “داعش”.

5. عن ذلك التحالف …

شيء واحد كبير يعمل لصالح الولايات المتحدة: ظاهرياً (على الأقل) لا أحد يحب تنظيم “داعش” أو “الدولة الإسلامية”، ذلك أن لديه سجلاً دموياً حافلاً بقطع الرؤوس، والصلب، والرجم، ناهيك عن الذبح على نطاق واسع للأقليات المسيحية والمسلمين الذين لا يلتزمون تفسيراً صارماً للإسلام.
ولما كان إعلان “الخلافة الإسلامية” وتعيين “الخليفة إبراهيم” يعنيان أن التنظيم التكفيري لا يلتزم بالحدود الوطنية، ينبغي على أميركا أن تستغل ذلك وتبدأ بالتحالف مع الدول التي تقع على الحدود السورية، مثل الأردن ولبنان وتركيا. بعد ذلك، يجب ضمّ دول ذات كثافة سكانية سنية كبيرة مثل المملكة العربية السعودية ومصر اللتين لديهما سبب للقلق من تأثير التنظيم التكفيري.
إن القضاء على هذه المجموعة التكفيرية يتطلب “جنوداً على الأرض”، الذين يجب أن يأتوا من دول الشرق الأوسط المهدّدة بشكل مباشر من تمدّد “داعش”.
مع وجود جنود هذه الدول على الأرض، ودعم قاذفات وصواريخ أميركا وأسلحتها العالية الكفاءة، قد تستطيع واشنطن وحلفاؤها تدمير هذه المجموعة فعلياً قبل أن تتمكن من القيام بضرر دائم في منطقة الشرق الأوسط.
لا شيء يمكنه تركيز العقل مثل التهديد بالقتل. وبالنظر ليس فقط إلى وحشية “داعش” ولكن قدرته على قلب الأنظمة والتمدّد عبر الحدود، لا شك أن الجميع يوافقون على أنه يجب إيقاف هذا التنظيم الشرير وتدميره، جنباً إلى جنب مع أي أنظمة أو وكلاء يمولون هذا التنظيم أو الإستفادة منه.
يبقى القول أنه ينبغي على الولايات المتحدة وحدها قيادة هذا الجهد من دون تردد، حتى لو لم تنضم إليها أي دولة أخرى، ذلك أن الأمن القومي الأميركي صار على المحك.

زياد خليل عبد النور هو رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “بلاك هوك بارتنرز” (Blackhawk Partners, Inc)، ومؤسس ورئيس “مجلس السياسات المالية”، ومؤلف كتاب “الحرب الإقتصادية: أسرار تكوين الثروات في عصر سياسة الرفاه” (Economic Warfare: Secrets of Wealth Creation in the Age of Welfare Politics).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى