فشل سياسة أوباما الخارجية سوف يطارد هذه المنطقة لسنوات

لندن – هاني مكارم

في أعقاب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، سارع المسؤولون الأميركيون لتفسير ما حدث وخططوا للإستجابة المناسبة.
رد فعلهم يمكن تقسيمه إلى مرحلتين. في الأولى، غزت الولايات المتحدة أفغانستان وطردت نظام طالبان الذي إستضاف أسامة بن لادن.
ومع ذلك، بعدها كانت هناك قراءة ثانية، واحدة جاءت لتبرير غزو العراق في العام 2003. المسؤولون الرئيسيون في إدارة جورج دبليو بوش إعتقدوا بأن إزالة نظام صدام حسين، والإستعاضة عنه بحكومة ديموقراطية سوف تنتج صدمة وموجات إقليمية من شأنها أن تغيِّر بشكل إيجابي جيران العراق العرب – قبل كل شيء السعودية، حيث 15 من الخاطفين ال 19 قد أتوا منها.
ضمناً كان في هذا المنطق هو أن الأنظمة غير الديموقراطية في العالم العربي قد سمحت للشباب المشاركة فقط في أمور الدين والتعبئة الدينية، في حين حظّرت النشاط الديموقراطي، حيث أصبح بعض هؤلاء متشدداً على نحو متزايد. ثم تم تجنيد هؤلاء الشباب للإنخراط في الأنشطة الإرهابية ضد الغرب.
كان يُعاب على بوش كثيراً رؤيته الدولية، ولكن في العام 2011، عندما إنتفضت الشعوب العربية ضد القادة المستبدّين، فقد ثبت أن حكمه على الأحداث عموماً كان صحيحاً. وتبين أن المشكلة الحقيقية في الشرق الأوسط هي في عدم قدرة الدول العربية على تجسيد تطلعات مواطنيها. إن العقود الإجتماعية في هذه الدول تُفرَض من أعلى، في حين أن هناك مداخلات قليلة للمواطنين في الواقع السياسي المفروض عليهم.
يمكن للمرء أن لا يذهب بعيداً جداً مع مشروع بوش الديموقراطي. إن حلفاء أميركا العرب المستبدين لم يُدفعوا أبداً إلى التغيير. وعندما أصبح باراك أوباما رئيساً، أصبح من الواضح فوراً من خلال خطابه المُشاد به كثيراً، وإن كان فارغاً، في القاهرة أن الديموقراطية العربية لن تكون أولوية بالنسبة إلى الإدارة الجديدة.
وهكذا، عندما حصل “الربيع العربي” على الزخم في أوائل العام 2011، لم يكن أمام أوباما أي إستراتيجية لإستخدامها. لذا تخبط الرئيس من خلال إنتهاج سياسات مختلفة جداً في مصر وليبيا وسوريا وفي كل مكان، معطياً إهتماماً قصير المدى لذلك، حيث واصل التركيز على برنامجه المحلي.
الواقع أنه كان ساعد نفسه لو ألقى نظرة فاحصة على ما خلص إليه أسلافه. مع ذلك لم يكن أي شيء من شأنه أن يكون معكّراً أو غير سار لأوباما أكثر من إتخاذ صفحة من كتاب بوش – حتى لو كان ذلك يعني القيام بذلك في الإتجاه المعاكس.
كان الرئيس الأميركي السابق يعتقد أن الإستبداد ساعد على ولادة الإرهاب بحيث أن الترياق يكمن في الديموقراطية. لكن التطورات في العالم العربي بعد العام 2011 أظهرت أن الديموقراطية، من دون فكرة واضحة عما تنطوي عليه الممارسات الديموقراطية من طريق التنازلات وبناء التحالفات، يمكن أن تؤدي إلى فوضى يستفيد منها المتطرفون.
وكان هذا مفهوماً بشكل جيد من قبل الطغاة العرب أنفسهم. في ليبيا وسوريا مثلاً، أثار معمر القذافي وبشار الأسد حرباً أهلية، طمعاً بأن العنف الذي يلي ذلك سيسمح للمتطرفين الإسلاميين بالصعود، وبهذه الطريقة يضمنان تصوير أنفسهما كخشبة الخلاص وخط الدفاع الأخير ضد الجهاديين.
وبعبارة أخرى، قد يكون بوش ساذجاً بمقدار النصف، في حين أن أوباما كان سلبياً بمقدار النصف. حيث كان الرئيس السابق يعتقد أن هناك صلة مباشرة بين الديموقراطية وكبح جماح الإرهاب الإسلامي، في حين لم يدرك أوباما أن الفراغ الذي سمح في حدوثه في سوريا سيؤدي إلى نتائج كان قد سعى في البداية لتجنبها: تمكين الإسلاميين المتشدّدين.
تعاطى أوباما مع سوريا بسطحية مذهلة. فقد تردد في تسليح المعارضة، خوفاً من أن تصل الأسلحة إلى الجماعات المتطرفة. لكنه لم يدرك أنه من خلال عدم القيام بأي شيء فإن إدارته كانت تخلق فقط مساحات للمتطرفين لتجميع السلطة.
هذا ما عنته وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون عندما قالت لمجلة “أطلنتيك”: “إن الفشل في المساعدة في بناء قوة قتالية ذات مصداقية من الناس الذين أطلقوا الإحتجاجات ضد الأسد – كان هناك إسلاميون، كان هناك علمانيون، كان هناك كل شيء بينهما- الفشل في فعل ذلك ترك فراغاً كبيراً، والذي ملأه الجهاديون الآن”.
على الرغم من الدفاع عن أوباما الذي قام به فوج من المعلّقين الواقعيين بعد تلك التصريحات، فإن كلمات كلينتون بالتأكيد لسعته. كانت تصرفاته في العراق علامة على أن شيئا قد تغير، ليس أقلها أن أوباما جعل نجاحه في مكافحة الإرهاب عنواناً في حملة إعادة إنتخابه في 2012. مع بقاء عامين له في منصبه، بدأ الرئيس التفكير في إرثه.
مع ذلك، إن شيئاً واحداً سوف تؤدي إليه النزاعات المتكاثرة في العالم العربي، هو إنهاء أي نقاش جدّي حول الديموقراطية. قد يكون بوش قد وصل إلى التشخيص السليم عن طبيعة الخلل الوظيفي في الدول العربية، ولكن لم يكن هناك أي اتفاق على العلاج. العنف والفوضى اللذان إجتاحا المنطقة في السنوات الثلاث ونصف الماضية قد أدّيا إلى شفاء الكثير من الناس من أوهام الديموقراطية المثالية الخاصة بهم.
الحقيقة أن هذا الموقف يمثّل سوء حظ كبيراً، وسوف يطارد العالم العربي لفترة طويلة مقبلة. إذا كان هناك شعور محيطاً بأن العرب غير قادرين بطريقة ما على التكيّف مع الديموقراطية، عندها ما الذي يحمله المستقبل لهم؟ المزيد من عقود القمع، التي سوف تعزّز التطرف والإحباط فقط، وضمان أن الدول العربية ستبقى عالقة في دوامة من الإضطرابات؟
في نهاية المطاف هذا شيء يجب على العرب التفكير به بأنفسهم، من دون إلقاء اللوم على الغرباء. قلة أزعجت نفسها القيام بذلك، تاركة المنطقة في نقطة رمادية – لا ديموقراطية ولا إستقرار- في بحث دائم عن غد لا يزال غامضاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى