رياح عالمية تغيِّر موقف جنوب أفريقيا لتأييد المغرب في قضية الصحراء

من المعروف أن جنوب أفريقيا لعبت دوراً بارزاً في قضية الصحراء المغربية حيث أيّدت موقف جبهة البوليساريو ودعمت الموقف الجزائري. ولكن مع التحولات الحاصلة على الصعيدين العربي والدولي قد تفاجىء بريتوريا العالم بموقف جديد مؤيد للرباط الأمر الذي يسهّل على المغرب تنفيذ مشروعه بالنسبة إلى قضية الصحراء.

الرئيس جاكوب زوما: موقف جديد قد يؤدي إلى حل نهائي لقضية الصحراء
الرئيس جاكوب زوما: موقف جديد قد يؤدي إلى حل نهائي لقضية الصحراء

بريتوريا – بلال الصبّاح*

ليست هي المرة الأولى.. التي تُشيد فيها حكومة جنوب إفريقيا بدور الشعب المغربي الداعم لشعب جنوب إفريقيا من أجل التحرّر من نظام الفصل العنصري، ولكن هذه المرّة؛ رافقت هذه المُجاملة تصريحات رسمية صدرت عن الوزير الجنوب إفريقي “كودفري أوليفات” المُفوّض لإلقاء كلمة الحزب الحاكم في مناسبة يوم العرش المغربي لهذا العام، وقال أن بلاده على إلتزام بتعزيز العلاقات السياسية والإقتصادية مع المغرب.
خطوة جديدة.. ولا شك أنها جاءت وفق الأوضاع الراهنة التي تمر فيها منطقتا الشرق الأوسط وإفريقيا، وقد تُعتبر مرحلة لما بعد الُمتغيرات على الساحة المُشتركة؛ فجنوب أفريقيا ليست ببعيدة منها طالما جهودها فاعلة للإستحواذ على القارة الإفريقية وقرارت الإتحاد الإفريقي، غير دعمها السياسي الأول ل”جبهة البوليساريو” على الساحة الإفريقية، “والتى تُطالب بالإنفصال عن المملكة المغربية”.
ويَرى المُراقبون للشأن المغربي من الداخل الإفريقي بأن الأحداث الراهنة تحمل مؤشرات جادة نحو تقارب جنوب إفريقي- مغربي، ولاشك أنها خطوة غير إيجابية للجزائر التي تحتضن على أراضيها “جبهة البوليساريو”، بل قد تكون ضربة موجعة للجبهة الصحراوية الإنفصالية، حيث أن تراجع بريتوريا خطوة واحدة نحو الخلف، هو بمثابة تجميد قضية فصل الصحراء الغربية عن المملكة المغربية.
ثمة أحداث مُتسارعة أخذت الساحة العربية، ولحقتها مجموعة من الخطوات قامت بها المملكة المغربية، وما بين الأحداث العربية والخطوات المغربية، شهدت جنوب إفريقيا بعض التحوّلات في سياستها الخارجية، وبعد التوضيح نجد بعض المؤشرات التي تقودنا الى مستقبل العلاقات المغربية مع جنوب إفريقيا على ضوء النزاع بينهما حول قضية فصل الصحراء المغربية.

الجانب الأول: الأحداث العربية

فيما كانت الساحة العربية تشهد جولات “الربيع العربي” التي تراوحت بين المدّ والجزر، كانت جنوب إفريقيا من جهتها تحرص على تحقيق بعض المكاسب لصالح سياستها الخارجية ووفق طموحاتها على الساحتين الإفريقية والعالمية، ولكن:
أولاً: فشلت جنوب إفريقيا في الحفاظ على عرش “ملك ملوك أفريقيا” الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، على الرغم من أنها بذلت جهداً كبيراً من خلال علاقاتها الخارجية لإنقاذه، وتصدير الأسلحة إلى “ميليشياته”.
ثانياً: لم تكتمل التفاهمات من بدايتها بين حكومة الرئيس المخلوع محمد مرسي في مصر وجنوب إفريقيا، فقد تفاءلت حكومة بريتوريا في البداية بفريق مرسي عندما وجدت أن أعضاءه يحملون الإنطلاقة الثورية، وهذا ما تبحث عنه جنوب إفريقيا لتشكيل حكومات الشمال الإفريقي، لعلها تكسب تعاطفاً أكبر لقضية الصحراء، فهي تنطلق من المفاهيم الثورية بغض النظر عن الأمن القومي.
ثالثاً: وعلى الرغم من أن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة هو الحليف الإستراتيجي لسياسات جنوب إفريقيا في شمال القارة، فإن إعادة إنتخابه بهذه الطريقة المُثيرة، أعطت بريتوريا إنطباعاً بأن الفريق الجزائري غير قادر على متابعة سياساتها القارية بعد رحيل بوتفليقة، كما أن فريقه غير متوافق على ما بعد بوتفليقة.
والخلاصة من كل ذلك بالنسبة إلى جنوب إفريقيا، أن الشمال الإفريقي لم يعد بمأمن من الفوضى في ظل حراك سياسي ليس ببعيد من الجانب العسكري، كما أن غياب القيادات الثورية الشعبوية، كالقذافي ومرسي وبوتفليقة، يُقلل من فرص تحقيق طموح جنوب إفريقيا في شمال القارة، حيث تنظر بجدية إلى تحولات “الربيع العربي”، والذي أخذ يميل الى منظومة الأمن القومي العربي المُشترك بعد بداياته الثورية.

الجانب الثاني: التحركات المغربية

قد يكون هذا الجانب هو نتيجة المُتغيرات المُتسارعة للجوار المغربي من الشمال الإفريقي، وهو جانب يتحدث عن تحركات المغرب داخل القارة الإفريقية، لتفيد رسالة المغرب بأنه غير متوتر ويشهد إستقراراً أخذ يؤهله لإنطلاقة جديدة في إفريقيا.
جاءت أهمية التحركات بعد إنشغال الدولة المصرية بترتيب أوضاعها الداخلية، حيث كانت القاهرة مرصداً لأي تحرك إفريقي تجاه دعم جبهة البوليساريو على الساحة الإفريقية، فكان نشاط القاهرة في إفريقيا يغطي غياب المغرب عن الإتحاد الإفريقي.
ومن الجدير ذكره أن عدم وضع الرباط تنظيم “الإخوان المسلمين” على لائحة الإرهاب، وعدم تدخل حكومة “إخوان المغرب” بأحداث مصر وليبيا وتونس أعطى إنطباعاً بأن المملكة المغربية تعمل ضمن إطار العمل الوطني المُستقل بعيداً من التوترات الحزبية في الجوار العربي، وهذا يعني بطلان فرضية هبوب رياح التغيير على المغرب.
وعلى هذا إنطلق العاهل المغربي محمد السادس في جولته لمنطقة غرب إفريقيا، حاملاً رسالة فيها مجموعة من الدلالات المُفيدة من أجل إلتفاف الغرب الإفريقي حول المغرب، والتى إنطلقت من المحاور الثلاثة التالية:
المحور الروحاني: إستندت الجولة الملكية المغربية في الغرب الإفريقي على أهمية توحيد الصف في تلك المنطقة على مذهبية الإسلام السُني، فوجهاء الدين الإسلامي المغاربة لهم إمتداد كبير في غرب إفريقيا، ومنذ قرون، وقد تكون هذه الإنطلاقة الدينية لها دور كبير في توحيد الغرب الإفريقي تحت الرعاية المغربية.
ونتوقع أن ينبثق من هذا المحور إلتفاف أفارقة الغرب حول القيادة المغربية وتحت إطار روحاني جديد، وهو الروحانية الأمنية المشتركة لمكافحة الإرهاب، الذي أخذ يتغلغل في بعض جوانب القارة الإفريقية.
المحور الإقتصادي: يُعتبر المغرب من أكبر المستثمرين في الغرب الإفريقي، وعلى الرغم من ذلك توجه الملك محمد السادس إلى تجديد فكرة الإستثمار مؤكداً لتلك المنطقة على أن بلاده سوف تعمل على جذب الإستثمارات الخارجية الى بلدانها، وأنه لا بدّ من الإنتقال إلى مرحلة إعتماد الأفارقة على الذات، وما يعني هنا هو غرب إفريقيا.
المحور السياسي: وهو نتيجة إنضمام بلدان غرب إفريقيا إلى روحانية المغاربة، والجهود المبذولة لتطوير إقتصاداتها. وعند وصول هذه البلدان الى فكر مشترك وتحت منظومة إقتصادية قوية، سوف تظهر مجموعة من النتائج ذات الأثر السياسي، وما تنظر إليه المغرب ينبثق من النقاط التالية:
أولاً: إعادة هيكلية الإتحاد المغاربي، وخصوصاً بعد التفاهم المغربي التونسي الأخير، والذي خرج بإطار إستراتيجي يدعو الى تطوير العلاقات المغاربية في ظل ما يحدث على الساحة العربية.
ثانياً: ربط الإتحاد المغربي بدول غرب إفريقيا ليكون مقدمة لحوار ثلاثي: مغاربي عربي، وغرب إفريقي، وأوروبي. وقد يكون هذا الحوار هو نقطة إنطلاق عودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي بقوة.
ثالثاً: أن يكون المغرب هو حلقة وصل جديدة بين العرب والأفارقة، ولهذه الحلقة دور في التأثير على قرارات الإتحاد الإفريقي.
وخلاصة القول هنا أن مقومات الأمن القومي العربي المشترك في إفريقيا أخذ بالتنقل ما بين القاهرة والرباط، وأن تحركات المغرب في إفريقيا وهو خارج الإتحاد الإفريقي يضع ريادة جنوب إفريقيا على القارة في حرج، وان هناك فجوات كبيرة غير مُشبعة من قبل جنوب إفريقيا.
كما أن عامل الثقافة المُشتركة بين المغرب وغرب إفريقيا هو إيجابي للرباط، وسلبي لبريتوريا بسبب بعدها الجغرافي والثقافي عن الغرب الإفريقي.

الجانب الثالث: التحولات الجنوب إفريقية

لا يُمكن إرجاع تحوّلات السياسة الخارجية لجنوب إفريقيا كنتيجة لأحداث الشرق الأوسط، أو لتحركات المغرب الجديدة، بل هو نتاج توسع حكومة جنوب إفريقيا في السياسات الخارجية، وإنضمامها إلى تحالفات دولية، والتى تحمل أجندات على المستوى القاري الإفريقي والعالمي. فهذه التحولات ليست إلا لضرورة التفرغ للقضايا التى تشغل إهتمام حلفاء مجموعة بلدان “بريكس”، وخصوصاً روسيا والصين.
فجنوب إفريقيا أخذت تنظر بمنظار غير منظارها الثوري الذي أسسه نيلسون مانديلا، والذي ينطلق من مبادئ التحرر والثورات، وأن المصالح القومية المشتركة بين حلفاء “بريكس” هي المنظار المشترك في ما بينها، وأن العلاقات الثنائية تخرج من نطاق المصالح المتبادلة على وجه الأولى.
ولكن يُمكن القول أن الأحداث العربية والتحركات المغربية لهما دور كبير في وضع جنوب إفريقيا في زاوية تُجبرها على دراسة كافة المُتغيرات، ومدى صلاحية طموحاتها الخاصة في الشمال الإفريقي، وقد يتجلّى مصير قضية فصل الصحراء المغربية في بعض المواقف الجديدة لأصدقاء “بريكس”، ومن له إهتمام واضح في فصل الصحراء المغربية كبريتوريا والجزائر وطهران، وهي كالتالي:
أولاً، بريتوريا: تنازل جنوب إفريقيا المباشر والسريع عن دعمها للرئيس المخلوع محمد مرسي، حيث التقارب الروسي مع حكومة الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، إنتقل مباشرة الى حكومة بريتوريا من دون أن يلتقي الرئيسين جاكوب زوما والسيسي.
ثانياً، طهران: عودة العلاقات الإيرانية المغربية، وإلتزام طهران بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، بل عدم التدخل في شؤون الغرب الإفريقي، والصحراء الغربية هي جزء من الغرب الإفريقي.
ثالثاً، الجزائر: التفاهم المصري مع الجزائر، والشراكة بينهما في مكافحة الإرهاب في شمال القارة الإفريقية، يعني بأن توافق بين المصريين والجزائريين على أن مصير المغرب العربي وأمنه يتمحور في التكاتف في وجه المؤامرات الخارجية.
لا شك أن التغيرات الثلاثة واضحة وليست في صالح جبهة البوليساريو، حيث التقارب بين جنوب إفريقيا ومصر، وتقارب إيران مع المغرب، وتفاهم مصري جزائري على أولويات العمل في الشمال الإفريقي لا تصب في صالح الجبهة الصحراوية، ولكن هذه النقاط الثلاث إنطلقت من ثوابت مُتفق عليها بين بلدان “بريكس” روسيا والصين والهند والبرازيل، وهم جميعاً على علاقات جيدة مع المملكة المغربية، وليست لهم أي تصريحات تتعلق بقضية فصل الصحراء المغربية.
ما يشغل تحالف “بريكس” حالياً هو الإقتصاد العالمي، وكيفية الوصول الى تحالفات منافسة للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وعلى الصعيد السياسي فمال زال “بريكس” غير قادر على تحقيق توازن بين مصالحه ومصالح الغرب في الشرق الأوروبي والشرق الأوسط، والمغرب خارج هذه الحدود.
من جهة أخرى إن بقاء جنوب إفريقيا على موقفها تجاه دعم جبهة البوليساريو من أجل الإنفصال عن المغرب بسبب إرث الأفارقة النضالي فقد يضعها في عزلة عن أصدقائها في تحالف “بريكس”، وكما أن الفكر الثوري الإفريقي يُقلق مصالح الغرب على الساحة الإفريقية، فإن ما يحتاجه العالم اليوم هو إستقرار إفريقيا في ظل ما يحدث على الساحة الشرق أوسطية.
وبالمُقارنة بين قضية فصل جنوب السودان والصحراء المغربية، فإن الأمر يرجع إلى أن جنوب السودان تتميز بثلاث مزايا غير متوفرة في قضية الصحراء المغربية، وهي:
أولاً: قامت قضية جنوب السودان على أسس عرقية، وأن شعب جنوب السودان الإفريقي غير قادر على التعايش مع العرق العربي وحكومة إسلامية. بينما يحمل الشعب المغربي من شماله إلى جنوبه عرقاً واحداً وديناً واحداً.
ثانياً: قبول الرئيس السوداني (البشير) كثرة الوساطات الإفريقية جاء في وقت كانت طموحات حكومة جنوب إفريقيا لا تخرج عن الإطار الإفريقي، فاشتدت همتها حتى قسمت السودان بالتعاون مع الأفارقة.
ثالثاً: رفض المغرب الوساطات الإفريقية، وما زال إلى هذا الوقت متمسكاً بالقوانين الدولية، حيث أنشغلت جنوب إفريقيا بعض الشيء عن إفريقيا، أو يُمكن القول أن القرار الجنوب أفريقي أصبح مرتبطاً بأصدقاء هم من خارج إفريقيا، فالأحداث الجارية والمصالح المُشتركة جعلت كلاً من جنوب إفريقيا والمغرب على قدم وساق مع مجموعة من أصدقاء الخارج.
وهذا ما تؤمن به المغرب أن الخارطة العالمية ومُتغيراتها سوف تقود الأفارقة نحو النظر الى حدود الدول الإفريقية من منظور المصالح المُشتركة دون التدخل في الشؤون الداخلية، بل لم تتقدم المغرب بطلب أي لقاء يجمع النظيرين الجنوب إفريقي والمغربي من أجل التفاوض على ورقة هي جزء من السيادة المغربية. وهنا نقول أن المغرب نجح في الحفاظ على دولية قضية الصحراء في إطار علاقاتها الخارجية، ونزعها تدريجاً من سيطرة الأفارقة.
في النهاية قد نتفق أن جنوب إفريقيا أخذت على عاتقها الكثير من القضايا الإفريقية، ومنها قضية فصل الصحراء المغربية، ولكن لابد أن نتفق أيضاً أن التنازلات الجنوب إفريقية الُمتوقعة خلال الفترة المقبلة للمغرب على حساب جبهة البوليساريو هو نتاج إنشغال حكومة بريتوريا بمصالح خارجية وبالتوافق مع دول كبرى، وبالإضافة إلى تحركات المغرب في غرب إفريقيا التي أخذت تُزعج جنوب إفريقيا في ظل ضعف وعجز الجزائر عن التواصل مع الغرب الإفريقي نيابة عن جنوب إفريقيا.
• صحافي وكاتب عربي مقيم في جنوب أفريقيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى