النفط اللبناني بين فكي الكمّاشة الإسرائيلية والسورية

بقلم البروفسور جاسم عجاقة*

منذ ما يقارب الخمسة أعوام ومنطقة الشرق الأوسط تعيش في ظل هواجس حرب إقليمية. هذه الهواجس التي تأخذ مصدرها من الثورات العربية والملف النووي الإيراني والحقول النفطية المُكتشفة حديثاً في البحر الأبيض المتوسط، دفعت بالمخططات الجيو-إستراتيجية والجيو-سياسية للدول الكبرى والإقليمية الى أخذ منحى جديد مع تفاعُل هذه العوامل التي تُلهب المنطقة.
في العام 2010، قامت المنظمة العلمية “US Geological Survey” بمسح جيولوجي وتقدير للموارد الهيدروكربونية غير المكتشفة في منطقة شرق حوض المتوسط على مساحة 83,000 كيلومتراً مربعاً. وكانت النتائج إيجابية حيث تم إكتشاف نفط وغاز على عمق 1800 م تحت سطح البحر. وبلغ حجم النفطِ المتوسطي غير المكتشف حوالي 1,689 مليون برميل، أما الغاز غير المكتشف، فحجمه المتوسطي الكليّ 122,378 مليار قدمُ مكعّبة، كما بلغ حجم الغاز السائل المتوسطي الكليّ 3,075 مليون برميل. وبحساب بسيط نسبياً، نرى أن حجم الثروة الغازية والنفطية اللبنانية يتراوح بين 370 مليار دولار أميركي و1,700 مليار دولار أميركي. وهذه الثروة ولّدت مطامع الدول المجاورة في هذه الثروة.
ولا يُخفى على أحد أن إسرائيل لها مطامع في الثروة النفطية والغازية النائمة في البحر مقابل الشواطئ اللبنانية. وهذا الطمع تمثّل بقضم إسرائيل 800 كلم2 من المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان. كما أن أهم الآبار التي تم إكتشافها حديثاً في إسرائيل تقع بالقرب من الحدود مع لبنان، وليس هناك دليل على أن هذه الآبار لا تمتد إلى المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان حيث أن الطبقات الجيولوجية لا تعرف حدوداً وتمتد على طول البحر المتوسط. وتمّ إتهام إسرائيل حديثاً بقيامها بالحفر الموجّه الذي هو نوع من أنواع الحفر الهادف إلى تفادي تكاليف نقل منصة الإستخراج من مكان إلى أخر أو بناء منصة أخرى. ولكن يُمكن إستخدام هذا النوع من الحفر لأعمال غير أخلاقية قد تقوم بها دولة تجاه دولة أخرى. فعلى سبيل المثال إتهم العراق دولة الكويت في العام 1990، بسرقة نفطه من خلال الحفر الموجه، كما أن فضيحة مماثلة وقعت في منتصف القرن العشرين في شرق تكساس. وإذا كان من الصعب الجزم أن إسرائيل تقوم بهذه الممارسات، إلا أن التقدّم التكنولوجي للدولة العبرية ونواياها تجاه لبنان تسمح بالشك في الأمر.
أما من جهة سوريا، فقد وقّع وزير النفط والثروة المعدنية السوري في 25 كانون الأول (ديسمبر) 2013 إتفاقاً ضخماً مع شركة روسية للتنقيب عن النفط في المياه الإقليمية السورية. وهذه الخطوة ستؤجّج الوضع من دون أدنى شك في ظل إلتهاب المنطقة. فكما هو الحال مع إسرائيل، لا يوجد ترسيم للحدود بين لبنان وسوريا (برياً وبحرياً) مما يعني أن وقوع مواجهات مع الطرف السوري هي محتملة خصوصاً مع خلفيات الأزمة السورية وما خلقت من عداء للنظام في المجتمع اللبناني، ومعه هناك إحتمال تأجيج الوضع داخلياً.
وشمل الإتفاق بين وزارة النفط والثروة المعدنية السورية وشركة “سويوزنفتا غاز” الروسية عمليات تنقيب في مساحة 2,190 كلم مربع مقابل الشواطئ السورية، ما يعني أن سوريا مُصمّمة على الإستفادة من هذه الثروة في وقت بدأت هياكل الإقتصاد السوري تتهاوى مع تفاقم المواجهات العسكرية في هذا البلد. ومن المتوقع أن تكون حصة سوريا من الثروة النفطية والغازية بين 123 و567 مليار دولار أميركي.
من جهة أخرى، من الأكيد أن عدم الإتفاق على ترسيم الحدود البحرية للمناطق الإقتصادية الخالصة بين دول الشرق الأوسط سيؤدي إلى حروب إقليمية بارودها المواجهات الحالية وفتيلها النفط. وفي حال بقي النظام السوري، فإنه من المتوقع أن تكون المواجهة بين تركيا وسوريا هي الأقسى إذ بلغ العداء بين نظامي دمشق وأنقرة ذروته مع تصاعد الدعم التركي للمعارضة السورية. كما أن إنتهاء الحرب في سوريا سيُعيد إهتمام “حزب الله” إلى الجنوب للدفاع عن الثروة النفطية والغازية اللبنانية خصوصاً أن العدوان الأخير على غزة أبرز ظاهرة تتمثل بهجوم نوعي لمنظمة “حماس” على المنشأت النفطية في عرض البحر مما يُعطي أفكاراً للمقاومة اللبنانية. وهذا الأمر سيُشعل الجبهة الجنوبية.
إن تحليل الواقع السياسي الراهن في المنطقة، يُظهر أن معظم الدول الإقليمية يُراهن على تطور الأوضاع. فحلفاء النظام السوري يراهنون على صمود النظام بوجه الهجمة الداعشية مما يُغيّر موازين القوى في المنطقة وخصوصاً في لبنان. ومن جهة أخرى، يراهن خصوم النظام على سقوطه وفي هذه الحالة سيتغيّر وجه لبنان الحالي ومعه مستقبل الثروة النفطية. وفي جميع الأحوال إن الأمل في حلّ شامل لهذه المشكلة ضئيل وذلك بسبب الإنقسامات الحادة التي خلّفتها الأزمة السورية بين دول المنطقة (سوريا وتركيا مثلاً) وبسبب الخلافات التاريخية بين بعض الدول (قبرص وتركيا مثلاً). وبذلك سيتم تأخير إستخراج النفط في سوريا ولبنان وتركيا لمصلحة إسرائيل وقبرص، اللتين بدأتا رحلتهما الهيدروكربونية ودخلتا منتدى الدول المُنتجة للنفط والغاز.
بالنظر إلى خريطة لبنان، نرى أن بلد الأرز عالق جغرافياً بين فكّي كمّاشة من الجنوب إسرائيل ومن الشرق والشمال سوريا. وهذا الأمر ينطبق أيضاً على السياسة والأمن والإقتصاد والنفط والغاز اللبناني الموجود في البحر.
وفي لبنان المنقسم عمودياً وأفقياً بسبب الأزمة السورية، يبقى ملف النفط موضوع إنقسام كبير بين الفريقين السياسيين المتنافسين 8 و14 أذار لدرجة توقف معها هذا الملف. ومن المتوقع أن يستمر الوضع على ما هو حتى إنتهاء الأزمة السورية ونضوج ملامح الشرق الأوسط الجديد. وبين الشقيقة والعدوة، يعيش لبنان أسود أيامه على كل الصعد.
• خبير إقتصادي وإستراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى