إستراتيجية الأسد للمدى القصير

دمشق – محمد الحلبي

كل العيون كانت منصبة على العراق وغزة في الآونة الأخيرة، ولكن المذبحة في سوريا تابعت أهوالها. رغم المكاسب العسكرية التي حققها نظام الرئيس بشلر الأسد في وقت سابق من هذا العام، فإن آفاقه السائدة لا تبدو جيدة. في الواقع، فإنه من الصعب أن نتخيل أن النظام سيبقى على قيد الحياة في المدى المتوسط، ناهيك في المدى الطويل.
في الأسابيع الأخيرة، عانى نظام الأسد نكسات عدة، لا سيما في الشمال الشرقي من البلاد. قد فقد معظم مواقعه في محافظتي الرقة ودير الزور، فضلاً عن عدد كبير من الجنود، إلى تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش سابقاً).
وكانت الخسائر عالية جداً، بحيث كانت هناك تقارير عن جهود للنظام لحشد الأقليات، بما في ذلك المسيحيين، لمحاربة المتمرّدين. هذا الإعتماد على الأقليات لا يمكن أن يدوم. ليس فقط أنه يعني بأن النظام يعتمد على قاعدة سكانية صغيرة نسبياً تتضاءل، في النهاية سيرتبط مصير هذه الأقليات مع هذا النظام – وهذا يمكن أن يشكّل تهديداً وجودياً لهم. كما في العراق، سوف يدفعون أعلى ثمن للصراع.
في الوقت عينه، شارك النظام في شكل خفي في تطهير طائفي في المناطق الحساسة التي هي تحت سيطرته. في وسط سوريا، على طول خطوط الإتصالات والمواصلات بين دمشق والساحل، معقل النظام، فقد فرّ السكان السنّة ولم يسمح لهم النظام بالعودة.
ولكن حتى في هذه المنطقة، التي تتاخم الحدود اللبنانية في منطقة القلمون، كانت قبضة النظام هشة. الأسد و”حزب الله” إستوليا على القلمون في وقت سابق من هذا العام، ولكن إنتصارهما، في أحسن الأحوال، كان باهظ الثمن. فقد بقي بين 4،000 و5،000 مقاتل من المتمردين في المنطقة والنظام و”حزب الله” غير قادرين على سحقهم.
في حين لا توجد أرقام دقيقة لعدد مقاتلي “حزب الله” في المنطقة، فإن التقديرات في لبنان هي بأن ما يصل إلى 10،000 رجل يشاركون في القتال في القلمون. وإذا كان هذا صحيحاً، فإنه يمثل إستنزافاً ثقيلاً على موارد “حزب الله” لمعركة في منطقة ناكرة للجميل يصعب تقليدياً السيطرة عليها.
حتى بالقرب من دمشق وجد النظام السوري أنه من الصعب جداً توسيع سلطته. في جميع أنحاء العاصمة يواجه سلسلة من الورطات الدموية. على سبيل المثال كان النظام غير قادر على السيطرة على “المليحة” في الجنوب الشرقي من دمشق، على الرغم من أشهر من القصف الثقيل حتى حلول منتصف آب (الجاري) حيث إستعادها بمؤازرة قوات “حزب الله”. وهذا كان يعني أن الطريق إلى مطار دمشق حتى ذلك التاريخ كانت عرضة للخطر.
ولكن أبعد من عدد الضحايا المتزايد والعناد من خصومه، المشكلة الحقيقية للأسد هي أنه لا يقدّم أي أفق سياسي. فقد أقحم النظام نفسه في حرب مفتوحة، والنتيجة يجب أن تكون نصراً من جانب أو آخر. وبالنظر إلى أن العمود الفقري للنظام هو الطائفة العلوية، مع أقليات أخرى، فإنه يكاد يكون من المستحيل أن نتخيل هزيمة في نهاية المطاف للغالبية السنية.
تركّز إستراتيجية الأسد على البقاء على قيد الحياة في المدى القصير. ولكن فيما تستمر الحرب، سوف يصبح أكثر عبئاً على حلفائه وخصوصاً إيران و”حزب الله”. وسوف تستمر خيارات الأسد بالإنكماش. كل ما يمكنه القيام به هو محاولة البقاء في مكانه والأمل بما هو أفضل، وهذه خطة بالكاد تقود إلى الفوز.
لقد دفعت إيران 18 مليار دولار لدعم الأسد، وفقاً لسياسي عراقي تحدّث سراً. يجب تأكيد هذا الرقم، ولكن “حزب الله” خسر العديد من أفضل المقاتلين في سوريا. لقد عانى الحزب وايران من الغطرسة، والإعتقاد بأن هناك حلاً عسكرياً للأزمة السورية. ولكن مع طهران التي تواجه الآن تحدياً كبيراً في العراق والتي لا تزال تحت الضغط المالي الدولي الشديد، يبدو أن أي مشروع هيمنة إقليمية إيرانية مصيره الإنهيار.
علاوة على ذلك، يكمن في قلب نهج الأسد اليوم خلل أساسي. فقد ركّز على السيطرة على دمشق والمنطقة الساحلية والمناطق التي تربط بينهما. وقد أدّى هذا إلى التخلي الظاهري عن بقية سوريا. كيف يمكن لرئيس إنتهاج إستراتيجية تقسيم فعلي وينتظر أن ينتصر، وخصوصاً عندما لا يمكنه حتى حفظ الأمن في مناطق تحت سيطرته؟
في الوقت عينه، تستمر قوات الأسد في هجماتها الوحشية ضد المدنيين، ما يجعل أي أمل في التوصل إلى نتيجة من طريق التفاوض، حتى التفاوض على رحيله غير قابلة للتطبيق. هذا الوضع يمكن أن يفيد فقط الجماعات الإسلامية المتطرفة، مثل “الدولة الإسلامية”، التي تتمتع بتمويل وفير حيث ستتابع هجماتها ضد نظام الأسد المتداعي.
في ضوء هذا، إن إنتقادات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون للرئيس باراك أوباما تستحق الإعادة. “إن فشل الرئيس الأميركي في بناء قوة قتالية أكثر إعتدالاً في سوريا ترك فراغاً كبيراً شغله وملأه الجهاديون”، قالت لمجلة “أطلنتيك” قبل أسابيع. كلينتون كانت على حق. أميركا يمكنها محاربة “الدولة الإسلامية” في العراق، ولكن طالما أنها ترفض أن تفعل ذلك في سوريا، فإن المنظمة ستبقى قوية.
يبقى أن كل هذه العوامل – إرتفاع الخسائر بين قواته، واليأس من إنتصار عسكري حاسم، وغياب أي أفق سياسي، والوحشية المستمرة للجيش السوري، وإستنفاد الحلفاء الإقليميين الأساسيين – تقترح وتفيد بأن الرئيس السوري يعيش في الوقت الضائع. إذ أنه مع جماعته وحلفائه سوف تبتلعهم الفوضى التي خلقوها في سوريا. وما يأتي في ما بعد لا يمكن أن يكون مطمئناً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى