هل تحلّ مصر مشكلة الطاقة بالغاز الطبيعي الإسرائيلي ؟

الصفقة المقترحة لتصدير الغاز الطبيعي الإسرائيلي عبر مصر لديها القدرة على تمكين دخول إسرائيل في أول أسواقها الرئيسية للتصدير، وبالتالي مساعدة مصر على مواجهة أزمة الطاقة المتفاقمة، كما الترحيب بأول اللاعبين المحترفين في أوروبا في صناعة الغاز الطبيعي في إسرائيل. ومع ذلك، فإن الصفقة تعقّدها الحقائق السياسية وتاريخ من مظالم عميقة الجذور بين البلدين، زادتها سوءاً أعمال العنف الأخيرة بين إسرائيل وحماس في غزة.
القاهرة – هدى أحمد

تتمتع مصر بإحتياطات هائلة من الغاز الطبيعي
تتمتع مصر بإحتياطات هائلة من الغاز الطبيعي

في 5 أيار (مايو) 2014، أعلنت شركة “نوبل إينيرجي” الأميركية، التي تملك 36 في المئة في حقل غاز “تمار” الإسرائيلي، عن رسالة إهتمام ونوايا Letter of Intent)) غير ملزمة بين مجموعة من الشركاء في حقل “تمار” والشركة الإسبانية -الإيطالية العملاقة في حقل الطاقة “يونيون فينوسا غاز” (يو أف جي ). تقترح الرسالة تصدير 2.5 تريليوني قدم مكعبة من إمدادات “تمار”من الغاز الطبيعي على مدى فترة 15 عاماً إلى مصنع تسييل الغاز الطبيعي الموجود في دمياط في مصر. وقد تصل قيمة الصفقة المقترحة إلى 20 مليار دولار.
والمعروف أن 80 في المئة من أسهم “الشركة الإسبانية المصرية للغاز”، التي يعود إليها مصنع دمياط، تملكها “يو أف جي”، مع سيطرة شركات الطاقة الوطنية المصرية على ال20 في المئة المتبقية. من خلال موقعه الإستراتيجي على الساحل المصري على البحر المتوسط بالقرب من قناة السويس، يوفّر مصنع دمياط سهولة الوصول إلى أسواق التصدير في أوروبا وآسيا، حيث يعرف الغاز الطبيعي فيها إرتفاعاً في الأسعار أكثر من منطقة المشرق العربي.
فيما تتمتع مصر بإحتياطات هائلة من الغاز الطبيعي، فقد إبتليت البلاد بإنقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود وإنتشار العتمة بسبب الإعانات غير المستدامة، وتصاعد الطلب المحلي، وتوقف التنقيب عن الغاز، وسوء الإدارة بشكل عام. في كانون الأول (ديسمبر) 2012، توقفت مصر عن شحن الغاز الطبيعي إلى هذا المصنع في دمياط للإسالة والتصدير، من أجل الحفاظ والحصول على حصة أكبر لمواجهة إحتياجاتها من الغاز للإستهلاك المحلي. لاحقاً، أودعت “يو أف جي” شكوى لدى غرفة التجارة الدولية زاعمة فيها خرق العقد من قبل القاهرة ومطالبة بالحصول على 6 مليارات دولار كعطل وضرر. لذا قد يقدّم الغاز الإسرائيلي حلاً لصعوبات مصر في مواجهة إلتزاماتها بالنسبة إلى الغاز الطبيعي المسال.
من جهتها تهدف الشركات المعنية إلى وضع اللمسات الأخيرة على العقد خلال ستة أشهر من إعلان رسالة الإهتمام والنوايا، ولكن تحديد التفاصيل سيكون معقداً ومخادعاً. إن الإتفاقية تخضع لموافقات تنظيمية إسرائيلية ومصرية. حتى الآن أعلنت وزارة البترول المصرية أنها سوف تعارض الصفقة حتى “حل جميع قضايا التحكيم التجاري المعلقة”، في إشارة إلى شكوى “يو أف جي”، ودعوى شركة “شرق البحر المتوسط للغاز”، التي لا علاقة لها بالموضوع، ضد الدولة المصرية في محكمة التجارة الدولية. إن الشركة الأخيرة تسعى إلى الحصول على 8 مليارات دولار كأضرار ناجمة عن إنهاء وإلغاء القاهرة المفاجئ لصفقة تزويد مصر لإسرائيل ب40 في المئة من إحتياجاتها من الغاز الطبيعي.
هناك عقبات أخرى تنتظر كذلك. إن خطط النقل لإرسال الغاز من حقل “تمار” في إسرائيل إلى مصنع دمياط في مصر مترددة وتجريبية وغير واضحة. الذكريات الحديثة للهجمات على خطوط أنابيب الغاز المصري، التي كانت تحمل وتسلم سابقاً الغاز إلى إسرائيل، هي بمثابة تذكير تحذيري لعدم الإستقرار وعدم أهلية الحكومة المصرية للحفاظ على البنية التحتية الضرورية للطاقة. مع المشاعر القوية المعادية لإسرائيل في مصر، وإنتشار وتيرة الإضطرابات السياسية، فإنه قد يكون من الصعب الحصول على الدعم الشعبي للاتفاق على جانبي الحدود. ومع ذلك، فإن فرصة التعاون وتحقيق المكاسب المشتركة تبدو هائلة.

ديون الطاقة في مصر

على الرغم من إدعائها بحيازة ثالث أكبر إحتياطات من الغاز الطبيعي المؤكدة في أفريقيا، فإن صناعة الطاقة في مصر تواجه أزمة كبيرة. في حين أن الكثير من هذه الأزمة نابع من إعانات غير حكيمة، إضافة إلى الفشل في تلبية الطلب المتزايد على الطاقة المحلية مع تزايد عدد السكان إلى 85 مليون نسمة، فهي متجذرة أيضاً في مسألة الديون. إن ديون مصر البالغة 5.9 مليارات دولار المستحقة لشركات الطاقة الأجنبية هي إلى حد كبير نتيجة لتحويل مسار الغاز الطبيعي لتلبية الإحتياجات المحلية، بدلاً من الإمتثال لعقود البيع الموقعة مع شركات الطاقة العالمية للتصدير.

63 (1)

إن الجهود المبذولة لزيادة إمدادات الغاز، وخفض الديون، وإستعادة ثقة المستثمرين – بما في ذلك الموافقة على 32 إتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2013 – قد أثبتت بأنها ضئيلة في أحسن الأحوال. وقد خفّضت مصر ديونها المستحقة لشركات الطاقة الأجنبية بنسبة أقل من 2 في المئة خلال العام الماضي.
بينما غالبية ديونها البالغة 5.9 مليارات دولار هي لشركة البترول البريطانية “بي بي” ومجموعة “بي جي”، يرى خبراء الطاقة بأن مصر تستطيع الإستفادة من إحياء مصنع دمياط بالغاز الطبيعي الإسرائيلي. من خلال هذه الصفقة، يشيرون، من المحتمل أن تتجنب قضية التحكيم البارزة إعلامياً بمليارات الدولارات في محكمة التجارة الدولية مع “يو أف جي”. مثل هذه القضية يمكنها ان تلحق الضرر بثقة المستثمرين في قطاع الطاقة المصري، وتنتج حكماً غير مواتياً للدولة المصرية، وتؤدي إلى إحراج الأمة على الساحة الدولية. بدلاً من ذلك، فإن حلاً ودياً للقضية يكون إشارة واضحة للمستثمرين والمجتمع الدولي إلى أن مصر جادة في تحقيق أقصى قدر من الفرص والتعاون لحلّ النزاعات التجارية.

الرأي العام في مصر

من جهة أخرى، إن استغلالاً نافعاً ومتبادلاً للفرص السليمة والواعدة لتخفيف أزمة الطاقة المصرية معقّد بسبب الواقع السياسي والتاريخ الحديث والرأي العام في مصر. في حزيران (يونيو) 2005، وقّعت مصر وإسرائيل على إتفاقية لمدة 15 عاماً تبلغ قيمتها 2.5 ملياري دولار وتشمل الصادرات السنوية المصرية من الغاز الطبيعي ،البالغة 1.7 مليار متر مكعب، إلى إسرائيل. وقد أشيد يومها بالصفقة وإعتبرت بمثابة إختراق في العلاقات المصرية -الإسرائيلية، ذلك لأنه جزئياً كان يُعتقد بأن الإتفاقية ستؤدي إلى تحصين معاهدة السلام الموقّعة بين البلدين في العام 1979. ومع ذلك لم يحظَ هذا الترتيب بشعبية على نحو متزايد في مصر بسبب مزاعم بأن الرئيس آنذاك حسني مبارك وحاشيته وأزلامه خفّضوا سعر الغاز الطبيعي الذي يباع إلى إسرائيل (ودول أخرى ) بشكل كبير لكسب المليارات من الدولارات كعمولات.
لقد دفعت تل أبيب 1،50 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (BTU) من الغاز الطبيعي المصري في العام 2008، وعلى الرغم من زيادة هذه الرسوم إلى 3 و4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في العام التالي بعد رد فعل الجمهور في مصر، إلا أنها ظلت إلى حد كبير أقل من السعر في السوق. في صفقات إقليمية مماثلة خلال الفترة الزمنية نفسها، دفعت تركيا وإيطاليا واليونان 7 إلى 10 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. لذا، نتيجة لضعف التفاوض وإستشراء الفساد، خسرت مصر مليارات الدولارات في صفقات الغاز الطبيعي مع إسرائيل والدول الأجنبية الأخرى .

63 (2)

مع المشاعر القوية في مصر المؤيدة للفلسطينيين والمظالم التاريخية العميقة الجذور، فإن التعقيدات في بلاد جمال عبد الناصر مع إسرائيل تتجاوز الغاز الطبيعي. يتضح من خلال الإحتجاجات المتكررة المناهضة للدولة العبرية في القاهرة والأعمال العدوانية بما في ذلك نهب السفارة الإسرائيلية في العاصمة المصرية في العام 2011، بأن المشاعر المعادية لإسرائيل بين الجماهير المصرية يشكل تحدياً للحكومة المصرية التي تسعى إلى الوفاء بإلتزاماتها بالنسبة إلى الغاز الطبيعي المسال من طريق الغاز الطبيعي الإسرائيلي.
وقد يعزز الصراع الحالي بين حماس وإسرائيل المواقف المعادية للأخيرة في مصر، لا سيما وأن وفيات المدنيين الفلسطينيين قد إرتفعت خلال العملية البرية الإسرائيلية في قطاع غزة. مع ذلك، فإن رسالة الإهتمام والنوايا تقترح عبور الغاز الاسرائيلي مصر (وربما من دون دخول سوقها المحلية)، والذي قد يوفر للحكومة المصرية غطاء سياسياً.

الخيار الأقل سوءاً لمصر

في حين قد يكون المصريون حذرين من دعم طموحات تصدير الغاز الطبيعي لإسرائيل، فإنهم يواجهون حالياً نقصاً شديداً في الطاقة وإرتفاعاً في الطلب عليها، واللذين تمت ترجمتهما إلى إنقطاع في التيار الكهربائي يومياً، وطوابير طويلة للحصول على الوقود، وحوالي 20 مليار دولار من الديون والمطالبات المقدمة ضد الدولة المصرية. من جهة أخرى، فإن الذي فاقم الوضع كذلك، هو أن مصر تحتفظ فقط ب16 مليار دولار من إحتياطي العملات، إنخفاضاً من 20 مليار دولار في العام 2011.

63 (3)
حل مشكلة دعوى المطالبة ب6 مليارات دولار من الدولة المصرية من طريق الغاز الطبيعي الإسرائيلي يجعل الأمر ذا معنى من الناحية العملية والتجارية. ومع ذلك فهو يشكل قضية معقّدة بالنسبة إلى مصر، سواء من الناحية السياسية أو من حيث الرأي العام. في حين أن وزارة البترول المصرية تدّعي بأنها لن تأذن للصفقة حتى تتم تسوية جميع قضايا التحكيم المعلّقة، فإن الدعويين القضائيتين المقامتين ضد مصر هما مستقلتان عن بعضهما وتُشرِكان مساهمين مختلفين. وفي حال دمج الحالتين فإن جهود مصر لحل أي منهما تصبح أكثر تعقيداً.
من المرجح أن غالبية الشعب المصري تكره إحتمال إستيراد الغاز الطبيعي الإسرائيلي للإستهلاك المحلي، ويمكن أن ترى الصفقة كما وصفتها رسالة الإهتمام والنوايا بإعتبارها سابقة غير مرغوبة لمثل هذا الترتيب. والحقيقة أن مشاعر المرارة ليست غير معقولة. لقد إستفاد الإقتصاد الإسرائيلي على حساب مصر فيما نعمت تل أبيب بالكهرباء بتكلفة منخفضة من الغاز المصري. وإذا سُمح لإسرائيل بتصدير الغاز إلى مصر للإستهلاك المحلي، فإن سعره سيكلّف أضعاف ما كانت تدفعه إسرائيل سابقاً للغاز المصري. من جهة أخرى، إن قبول كميات كبيرة من الغاز الطبيعي الإسرائيلي، والسماح لهذا الغاز أن يصبح مركزياً في الإقتصاد المصري يمكن أيضاً أن يُعتبر بأنه عمل إستراتيجي لخلق إعتماد غير مقبول على إسرائيل. من المحتمل أن يكون المصريون يريدون تجنب وضع “بوتيني” (نسبة إلى الرئيس الروسي) حيث تستخدم إسرائيل الغاز الطبيعي كأداة جيوسياسية.
في حين أن إسرائيل هي كبش فداء مريح، فإن النخبة المصرية من أهل السياسة والأعمال كانت هي السبب الأساسي وراء العائدات المفقودة من الغاز الطبيعي وسوء إدارة الموارد الطبيعية في مصر. الواقع يجمع معظم الخبراء بأن إحياء مصنع دمياط سيكون خطوة أولى ممتازة لمصر للتعافي من حالة لا يمكن تحمّلها في البلاد.

مستقبل مجهول

من المفيد القول بأن تحويل رسالة الإهتمام والنوايا إلى إتفاق رسمي يتطلب الإرادة السياسية من جميع أصحاب المصلحة والمعنيين. يجب على المصريين أن يصلوا إلى قرار، ولو بشروط، للسماح للغاز الاسرائيلي بالعبور في بلدهم. من جهتهم سيحتاج الإسرائيليون إلى الإعتراف بمخاطر الدخول في إتفاق تجاري كبير مع دولة يُحتمل أن تكون عدائية وغير مستقرة سياسياً.
يبقى أن السؤال الذي يبحث عن إجابة هو هل سيُستفاد من خط الانابيب القائم الذي كان يشحن سابقاً الغاز المصري إلى إسرائيل وهوجم 15 مرة بعد إنتفاضات العام 2011 أو يجب بناء خط أنابيب جديداً تحت سطح البحر، يحتمل أن يكون أكثر أماناً لنقل الغاز.
ومهما يكن، إذا وافق جميع الأطراف على بنودها، فإن الصفقة من المرجح أن تولّد منافع متبادلة، وتمثل لبنة أساسية أخرى من أجل تحقيق نظام طاقة جديد في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى