إرهاب “الدولة الإسلامية” ينتعش بعائدات النفط المهرّب من سوريا والعراق

تفيد التقارير بأن “الدولة الإسلامية”، التي يعدها البعض أغنى جماعة إرهابية في العالم، تجني الملايين من الدولارات يومياً من بيع النفط المسروق إلى رجال أعمال مشبوهين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

آبار النفط في شرق سوريا
آبار النفط في شرق سوريا

بغداد – علي الجوري

يبدو أن “مجانين” القتل في تنظيم “الدولة الإسلامية”، مثل العديد من الجماعات المشبوهة غيرها من قبل، قد دخلوا في مجال بيع النفط. كما يبدو أيضاً أن ذلك ينعش أعمالهم الإرهابية كما أفاد بعض المعلومات، إذ أنهم يجنون ملايين الدولارات في اليوم الواحد من ذلك.
هؤلاء المسلّحون الجهاديون الذين غزوا مساحات واسعة من العراق وسوريا تحوّلوا إلى إقتراف جريمة جيدة قديمة العهد – في هذه الحالة تهريب النفط – للمساهمة في دعم الخط الرئيسي لعملهم. إن المال الذي يمكن أن يُجنى من مبيعات النفط غير المشروعة يعزز مكانة المجموعة باعتبارها واحدة من أغنى الجماعات الإرهابية المموّلة ذاتياً في العالم، حيث لا تعتمد على الحكومات الأجنبية للحصول على الدعم المالي ولكن على حصد المال من عمليات الخطف والسطو على البنوك. وتمكنت المجموعة أيضاً بعد سيطرتها على الموصل ونينوى من سرقة أسلحة باهظة الثمن التي كانت الولايات المتحدة قد تركتها للجيش العراقي، موفّرة عليها إنفاق أموالها الخاصة لشراء مثل هذه الأسلحة.
ولكن حتى ملايين الدولارات اليومية التي يبدو أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يجمعها من سرقة النفط من الشاحنات العابرة للحدود التي يسهل إختراقها ليست كافية لتلبية الإلتزامات الضخمة التي ولّدها التوسع المتهوّر للمجموعة. إن الإستيلاء على مساحات كبيرة من الأراضي، كما هو الحال في شرق سوريا وشمال العراق، يمكن أن يفرض عليها إتخاذ أنواع مكلفة من الإلتزامات – مثل دفع الرواتب، وجمع القمامة، والحفاظ على الإنارة والكهرباء – التي عادة ما تكون مخصّصة للحكومات.
“لقد انتقلت المجموعة من كونها أغنى منظمة إرهابية إلى أفقر دولة في العالم”، قال مايكل نايتس، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
كما هو الحال مع الكثير مما تزعم “الدولة الإسلامية” فعله، فإن الدور الفعلي للمجموعة في تداول النفط السوري والعراقي بصورة غير مشروعة من الصعب تحديده. يبدو أن “الدولة الإسلامية” يسيطر على غالبية حقول النفط في سوريا، وخصوصا في شرق البلاد؛ ويقول مراقبو حقوق الإنسان أن 60 في المئة من حقول النفط السورية هي في أيدي المتشددين أو القبائل. يبدو أن “الدولة الإسلامية” أيضاً يسيطر على العديد من حقول النفط الصغيرة في العراق كذلك، على الرغم من أن التقارير تختلف بشأن ما إذا كان معظم تلك الآبار وصل إلى ذروته أو ما إذا كان الإسلاميون ينتجون ويشحنون كميات كبيرة من النفط العراقي المسروق عبر الحدود.
عموماً، يقدّر خبراء الطاقة أن الإنتاج غير المشروع في العراق وسوريا – إلى حد كبير من قبل “الدولة الإسلامية” – هو حوالي 80 ألف برميل في اليوم. هذه هي كمية ضئيلة بالمقارنة مع الإنتاج المستقر لدولة منتجة للنفط، ولكنها كمية نفط قيّمة في أيدي مجموعة يعتبرها تنظيم “القاعدة” شاحبة!
الواقع أنه إذا بيعت هذه الكمية من النفط بأسعار السوق العالمية، ستشكّل ثروة صغيرة، حوالي 8 ملايين دولار في اليوم. ولكن كما إكتشف الجيران الجدد للجماعة السنية المتشددة في كردستان العراق، فإنه ليس من السهل الحصول على دولار أعلى لنفط يعتبره كثيرون نفط سوق سوداء. ويزعم البعض أن تنظيم “الدولة الإسلامية” يبيع الكثير من إنتاجه إلى وسطاء في سوريا، الذين يقومون بدورهم بشحنه إلى مصافٍ في تركيا أو إيران أو كردستان.
يقول فاليري مارسيل، خبير النفط في مؤسسة “تشاتام هاوس” في لندن، أن النفط هو أساساً محدّد ومن المحتمل أن لا يجلب أكثر من 10 دولارات إلى 22 دولاراً للبرميل. إن صفقات الخام فوق سعر ال100 دولار للبرميل تباع فقط في أسواق نيويورك ولندن وروتردام.
في العراق، يبدو أن تنظيم “الدولة الإسلامية” ألغى الوسطاء وإستخدم أسطوله الخاص من الناقلات، ما يعني أنه يمكن أن يجني ما بين 50 و60 دولاراً للبرميل، كما يفيد مارسيل. إلّا أن تقارير أخرى ذكرت بأن عائدات النفط العراقي التي تجنيها المجموعة الإرهابية منخفضة وتصل إلى 25 دولاراً للبرميل.
“إنهم يبيعون بخصم (حسم) هائل، وهم لا يحققون سوى جزء صغير من قيمة النفط”، على حد تعبير الخبير نايتس من معهد واشنطن. بشكل عام، إن تهريب التنظيم الإرهابي للنفط يمكن أن يجني بين مليون ومليوني دولار في اليوم. ويقول محللون آخرون أن دخل “الدولة الإسلامية” من النفط يمكن أن يكون 3 ملايين دولار يومياً.
وقد أخذت الأمم المتحدة علماً أو إشعاراً بذلك. في 28 تموز (يوليو) فقد حذرت وأنذرت البلدان حول العالم من شراء النفط من المسلحين في العراق أو سوريا، معلنة بأن هذه المشتريات من شأنها أن تنتهك عقوبات الامم المتحدة على الجماعة الإرهابية.
مع تنظيم “الدولة الإسلامية” في سدة السيطرة، فإن الطفرة النفطية بالتأكيد لن تستمر إلى الأبد. إن حقول النفط القديمة في سوريا والعراق تحتاج إلى الكثير من الرعاية، مثل الحقن للحفاظ على الضغط مرتفعاً والإنتاج موثوقاً به؛ لقد شكل عدم وجود الفنيين المدربين والتغيير المتكرر كابوساً لإدارة مناسبة وكفوءة للآبار وبالتالي سوف ينخفض الإنتاج مستقبلاً في نهاية المطاف في تلك الحقول، كما يتوقع مارسيل.
رغم كل ما يجري، لا يزال هذا النوع من السيطرة على حقول النفط، وعائدات النفط، والمنتجات النفطية يمثل حقنة من القوة في الذراع المالية لأي جماعة إرهابية. إن السيطرة على المنتجات النفطية، من قوارير الغاز اللازمة للطهي إلى الوقود اللازم للنقل، يمنح المجموعة ضغطاً محلياً إضافياً. كما أن الإيرادات من جهتها تعزز قدرة “الدولة الإسلامية” لتجنيد ودفع المقاتلين وشراء الأسلحة.
مع ذلك، إن تنظيم “الدولة الإسلامية” يحتاج إلى ذلك المال أيضاً بشكل ماس لتغطية رواتب العاملين في القطاع العام في الأماكن التي يحتلها المسلّحون الآن. إن توفير الخدمات العامة الأساسية لإظهار أنهم يستطيعون أن يفعلوا أكثر من القهر والصلب، ولكن يمكنهم أن يحكموا على نطاق محدود، يكلّف مالاً. فالعمل بمثابة وكيل غير منتخب لحكومات مخلوعة أو غائبة منذ فترة طويلة كان وسيلة للجماعات الإسلامية، من حزب الله إلى حماس، لتوسيع الدعم الشعبي.
“إنهم بحاجة إلى الحفاظ على سير آلة حربهم، ولكنهم يحتاجون أيضاً إلى الحكم، وهذا ما يكلّفهم المال”، قال دايفيد غارتنستين-روس، وهو خبير الإرهاب في “مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات”. وهو يقدّر أن معظم عائدات النفط سينفقه التنظيم بسرعة على تهدئة زعماء القبائل، ورشوة شركائه في الإئتلاف، والدفع للحفاظ على الأواصر الوظيفية الأساسية للحياة اليومية. “اذا لم يفعلوا الأشياء التي إعتاد الناس على رؤيتها تحدث، فإن حكمهم سوف يبدو سيئاً حقاً”، قال.
وهنا يكمن شيء عن الثروة النفطية المكتشفة حديثاً في “الدولة الإسلامية” يفيد بأن المال الكبير ليس فريداً من نوعه بين الجماعات الإرهابية، وفي هذه الحالة، على الأرجح أنه لا يكفي.
الحقيقة أن أموال النفط هي شريحة واحدة فقط من فطيرة التمويل غير المشروعة للجماعة. إن فرض ضريبة الحماية والإبتزاز والضرائب المحلية وغيرها من أشكال التهريب في سوريا والعراق تصب ملايين الدولارات في خزائن “الدولة الاسلامية”. وقال بريت ماكغورك، مسؤول وزارة الخارجية الأميركية في العراق للكونغرس في الشهر الفائت أنه حتى قبل إستيلاء المسلحين الجهاديين على الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، كانت المجموعة تجني في حدود 12 مليون دولار شهرياً من الأنشطة غير المشروعة هناك.
ولا تعتبر الجماعات الإرهابية خط الإيرادات غير المشروعة من بضع مئات الملايين من الدولارات سنوياً أمراً غير عادي. وتقدر الحكومة الأميركية أن عدداً من المجموعات على قائمتها للمنظمات الارهابية الاجنبية هي ضالعة بشكل عميق في الأنشطة الإجرامية العابرة للحدود الوطنية.
إن حركة طالبان في أفغانستان، على سبيل المثال، حققت ما بين 100 مليون دولار و 200 مليون دولار سنوياً من تجارة المخدرات وتهريب الأخشاب والمعادن. من جهته جنى تنظيم “القاعدة” الإسلامي في المغرب العربي عشرات الملايين من الدولارات سنوياً من الفديات من عمليات الخطف؛ على مدى أكثر من عشر سنين، ربما جمع هذا التنظيم حوالي 200 مليون دولار. أما “حزب الله” فقد إستعار صفحة من ال”سوبرانو” وحقق ثروة كبيرة من السجائر المسروقة أو المزورة وتهريب البضائع. وحركة “الشباب” في الصومال قد عززت حربها من عائدات الإتجار بالبشر، في حين أبقى مال “الكوكايين” منظمة “فارك” في كولومبيا على قيد الحياة لعقود.
الأهم من ذلك، أن وصول “الدولة الإسلامية” إلى بعض عائدات النفط يتضاءل بالمقارنة مع إلتزاماتها ويشير إلى نقاط الضعف التي تنتظر المجموعة على المدى الطويل.
من جهة أخرى، يبدو أن جزءاً من إمبراطورية “داعش” غير المشروعة، مثل الإبتزاز والسطو في بلدات في شمال العراق، بدأت تنهار بعدما جمّدت بغداد المرتبات العامة لتلك المناطق. كانت لهذا القرار ضربة مزدوجة على المجموعة الجهادية: ليس هناك دخل محلي للإبتزاز، والآن على تنظيم “الدولة الإسلامية” أن يدفع مجموع المرتبات نفسه. في الوقت عينه، تقف همجية المجموعة حائلاً أمام تواصلها حتى مع الجماعات السلفية التفكير المشابهة، كما أن تجاوز الإقليمية قد يزرع بذور سقوطها الخاص.
“إنهم يحاولون لعب لعبة أكثر من قدرتهم ويمدّون سيطرتهم في كل مكان، وهذا سوف يعود بإتجاههم مرة أخرى وإلحاق الضرر بهم”، كما يعتقد غارتنستين – روس.
علاوة على ذلك، إن السيطرة على بعض الحقول النفطية الصغيرة التي تترجم إلى عائدات تهريب منخفضة لن يكون كافياً لإعطاء “الدولة الإسلامية” الدعم المطلوب للبقاء في السلطة.
“يمكنهم فرض سيطرتهم بالقوة، والخوف، والتخويف، ويمكنهم جلب حتى الخدمات الاجتماعية الساذجة”، قال نايتس. مضيفاً: “ما لا يمكن القيام به هو جلب موارد الدولة العراقية”، موازنة وطنية تبلغ 120 مليار دولار التي تم التعهد بها من عائدات بيع 3 ملايين برميل من النفط يوميا يتم شحنها من محطات النفط العراقية الجنوبية.
“من دون نفط البصرة، فإن تنظيم “داعش” سابقاً ليس أفضل من أي تنظيم إرهابي عادي لن تطول مدته”، حسب تعبير نايتس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى