إصلاح الدعم يسير على حبل مشدود حسّاس

كابي طبراني

لا يزال الدعم يُستخدَم على نطاق واسع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولكن هناك إجماعاً متزايداً بأن هناك حاجة إلى إصلاحات عاجلة لمعالجة الآثار الإقتصادية لدعم الطاقة. في تقرير أصدره أخيراً صندوق النقد الدولي بعنوان “إصلاح برامج دعم الأسعار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا – التطوّر والتحدّيات المستقبليّة”، أعلن عن توصيات بشأن كيفية تنفيذ أفضل الإصلاحات لدعم الطاقة تهدف إلى تخفيض موازنات الدول المعنية مع الدعوة إلى شبكات أمان إجتماعية لإستبدال نظام الإعانات.
على مدى عقود، إستخدمت حكومات المنطقة دعم المواد الغذائية والطاقة كجزء من العقد الإجتماعي. كما أنه بعد الإنتفاضات العربية في العام 2011، زاد معظم الحكومات الإنفاق على الدعم لإسترضاء المحتجين الذين يطالبون بالعدالة الإجتماعية وفرص إقتصادية أكبر.
تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أنه في العام 2011، مثّل دعم الطاقة قبل الضريبة في المنطقة، والذي ينشأ عندما يدفع المستهلكون ثمناً للطاقة أقل من تكلفة إمداداتها، ما يقرب من نصف دعم الطاقة عالمياً، 8.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، و22 في المئة من الإيرادات الحكومية في المنطقة. في العام 2012، بلغت الإعانات للديزل والبنزين وحدها ما يقرب من 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي.
وقدّر صندوق النقد الدولي تكلفة دعم الكهرباء في لبنان بعد إحتساب الضريبة بنحو 4.61% من الناتج المحلي الإجمالي في 2011، وسادس أعلى نسبة بين 75 دولة تدعم الكهرباء في العالم، والأعلى بين 17 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
يعترف صندوق النقد الدولي أن إصلاح سياسة دعم الطاقة هو مهمة صعبة، سواء تقنياً أو سياسياً. وبالتالي، فإنه ينصح بوجوب أن يتم تخطيط توقيت ومدة الإصلاحات بعناية قبل إجراء تخفيضات الدعم. ثمة عامل آخر مهم لضمان نجاح هذه الإصلاحات يكمن في تنفيذ حملة إعلامية لنشر الوعي وتثقيف المستهلكين لتكاليف الدعم وفوائد الإصلاح. هذه الخطوة أساسية في تسخير أكبر دعم سياسي وجماهيري ممكن للإصلاحات.
على الرغم من أن صناع القرار يعترفون على نطاق واسع بالآثار السلبية لدعم الطاقة، فإن بعض البلدان يتردد في تنفيذ الإصلاحات.
في مصر، بعد إطاحة حسني مبارك، رفضت الحكومات المتعاقبة إجراء خفض للدعم خوفاً من رد فعل سياسي. لكن الرئيس عبد الفتاح السيسي قرر أخيراً رفع الدعم عن الطاقة من طريق زيادة أسعار المنتجات البترولية المختلفة والكهرباء.
وبالمثل، خفّضت تونس الإنفاق على الدعم في الموازنة العامة للدولة للعام الحالي ورفعت الأسعار على عدد مختار من المنتجات البترولية.
دولٌ إنتقالية أخرى، مثل اليمن، حتى الآن لم تتحرك نحو خفض الدعم على الرغم من تدهور المالية العامة. في الشهر الفائت، أعلنت الحكومة اليمنية عن تخفيضات تقشفية وصفها الرئيس عبد ربه منصور هادي بتدابير حزام التقشف.
وتمثل الإعانات 30 في المئة من إيرادات الدولة اليمنية وأكثر من 20 في المئة من النفقات، وتكلف اليمن أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً. إذا كانت صنعاء تأمل في إنقاذ الموازنة وخفض النفقات، ليست لديها خيارات إلّا خفض الدعم. ولكن في بلد يعيش ثلث سكانه على أقل من دولارين في اليوم، فإن مثل هذا القرار السياسي سوف يُواجِه مقاومة شعبية.
المعارضة ضد الإصلاح تأتي في المقام الأول من الطبقات المتوسطة والعليا والمستخدمين الصناعيين الذين يستفيدون أكثر من دعم الطاقة. نظراً إلى أن إصلاح الدعم هو عنصر ضروري لإستقرار الإقتصاد الكلي والنمو، يمكن للحكومات الإقليمية الإستفادة من الإستراتيجيات المقترحة من قبل المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، والتأكيد على الشفافية لإقناع جميع شرائح السكان بأن إزالة ما يُنظر إليه على أنه إستحقاقات إجتماعية هي إجراءات لازمة وحاسمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى