هذا ما تريده “داعش” وما ستفعله في العراق

منذ البداية كان تنظيم الدولة الإسلامية للعراق (الذي أضاف في ما بعد وبلاد الشام) (داعش) يعرف ماذا يريد في بلاد الرافدين وقد خطط لذلك منذ حوالي 4 سنوات كما يفيد الكتيب الذي أصدره الجهاديون في 2010.

بغداد – محمد الشنتاوي

عندما إحتلت "داعش" مدينة الموصل: تحقيق ما جاء في الكتيب
عندما إحتلت “داعش” مدينة الموصل: تحقيق ما جاء في الكتيب

منذ إعلان تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق”، كان هاجس الحركة الجهادية التكفيرية السنية في بلاد الرافدين يكمن في السيطرة على فضاء جغرافي من أجل إعلان دولة الخلافة الإسلامية، وهي الخطوة التي، بالإضافة إلى أهميتها الرمزية، من شأنها أن تساعد على جذب المجنّدين وتشجيع الدعم والمتبرعين وتأمين الخدمات اللوجستية للحركة. لقد صُدمت المجموعة التكفيرية بمقاومة المعارضة المسلحة في “مجالس الصحوة” السنية في العام 2007، وبدأت التخطيط لمرحلة ما بعد رحيل الولايات المتحدة وإنتهاء إحتلالها للعراق في العام 2010، عندما نشرت كتيباً مهماً على صلة مباشرة بالإستراتيجية والتكتيكات التي يستخدمها تنظيم “الدولة الإسلامية” اليوم وهو بعنوان: “خطة إستراتيجية لتعزيز الموقف السياسي للدولة الإسلامية في العراق”.
لقد تم نشر الكتيِّب في وقت كان الجهاديون العراقيون يعانون من وضع صعب، حيث ظهر قبل أشهر فقط من مقتل أبو عمر البغدادي (خليفة أبو مصعب الزرقاوي كزعيم لتنظيم “القاعدة” في العراق)، و”وزير دفاع” الحركة، أبو حمزة المهاجر، في نيسان (إبريل) 2010. وتوجز محتويات الكتيب في الواقع خطة إستراتيجية لتحسين الموقف السياسي للدولة الإسلامية “لكي تكون أكثر قوة سياسياً وعسكرياً … وبالتالي فإن مشروعها سينفذ وتكون هذه “الدولة الإسلامية” على إستعداد للسيطرة على كل العراق بعد انسحاب قوات العدو”.
تنظيم “الدولة الإسلامية” كمنهج وخط هو سليلة “تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين” الذي أسسه أبو مصعب الزرقاوي (المعروف أكثر بإسم تنظيم “القاعدة” في العراق)، الذي تأسّس في العام 2004 لمحاربة الغزو الأميركي للعراق.
المجموعة التي إنشقت عن تنظيم “القاعدة” نتيجة للخلافات حول الممارسات والإيديولوجية (وخصوصاً في سوريا)، قد بنت شرعيتها حول عدد من المفاهيم والأفكار مثل “الشوكة” (الطاقة، والكثافة) والتغلب، وهي مكونات من إعتقاد يقول أنه إذا كان الفريق لديه القدرة، فسوف تكون له شرعية للحكم.
منذ العام 2005، شاركت الحركة في الحرب الطائفية التي إعتبرها الجهاديون السنّة بأنها مهمة مثل محاربة قوات الغزاة “الكفار”، وبالأخص الأميركيين. وقد برّرت الحرب من خلال تقديم غالبية السكان الشيعة في العراق بأنها “طابور خامس” للأميركيين أو الحكومة المركزية التي يهيمن عليها الشيعة في بغداد. بعد العام 2007، بدأ الجهاديون تقديم أنفسهم كبديل من القيادة السنية الموجودة في العراق. إن محاولتهم لإعلان “الدولة الإسلامية” أثبتت بأنها جاءت مبكرة، مع محاولة السنة في محافظة الأنبار تشكيل “مجالس الصحوة” المضادة للجهاديين، التي أدت حملتها العسكرية اللاحقة إلى تراجع التكفيريين.
وأشار الجهاديون في العراق في كتيب العام 2010 إلى أن الدولة التي يهدفون إلى خلقها لا ينبغي أن ترتبط بإلتزامات دولية: “إن إنشاء دولة إسلامية لا يوجد لديها إلتزامات تجاه المجتمع الدولي ليس خيالاً أو حلماً أو وهماً كما قد يتصوّر البعض أو يتوهم، بل هو قضية واضحة مبنية على إستراتيجية واضحة”.
من أجل إقامة دولة إسلامية تسيطر على العراق، فإن الجهاديين وضعوا مفكّرة (أجندة) واضحة من خمس نقاط التي تخدمها تكتيكات وإستراتيجيات:
• التوحيد: تحثّ هذه المفكرة الجهاديين على توحيد جهودهم في العراق وإثبات أن الدولة الإسلامية هي حقيقة واقعة. إن جهود الجهاديين التي يبذلونها للإدارة اليومية في مدينتي الفلوجة والموصل بعدما إستولى الإسلاميون عليهما، قد تعتبر كجزء من تحقيق هذا الهدف.
• تخطيط عسكري متوازن: ينقسم هذا البرنامج إلى ثلاثة تكتيكات:
1. “تسع رصاصات ضد المرتدّين وواحدة ضد الصليبيين” في إشارة الى حملة ل”يزيد معدل الخوف بين العراقيين الذين ينضمون إلى الجيش وقوات الأمن”؛
2. “التطهير”، حيث تهدف الحركة الإسلامية المتشدّدة إلى إحتلال الأماكن التي تتواجد فيها قوات الجيش والأمن العراقية وإشغالها بطريقة مستمرة في محاولة لإستعادة السيطرة على هذه الأماكن. ولتحقيق هذا الهدف، لجأ الجهاديون في العراق إلى تكتيك ينطوي على أخذ رهائن، وقتل العشرات منهم ومن ثم الإنخراط في إشتباك مفتوح مع قوات الأمن. هذا النوع من الهجمات أطلق عليه “على غرار مومباي” عندما قامت جماعة جهادية كشميرية تدعى “لشكر إي طيبا” (Lashkar-e-Taiba) إقتحام فندق تاج التاريخي في مومباي في 2008. على الرغم من أن التكتيك الجهادي المفضّل في العراق هو التفجيرات الإنتحارية، وذلك يرجع إلى الأضرار التي تسببها، وإنخفاض تكلفتها، وقدرة الجناة على تجاوز عمليات التفتيش الأمنية وزيادة التغطية الإعلامية التي تجذبها. وفي حين أنها ليست رخيصة مقارنة بالتفجيرات الإنتحارية فإن هجمات على “غرار مومباي” تحقق أهدافاً أخرى بالإضافة إلى التغطية الإعلامية. الأهم من ذلك، أنها تقوّض الثقة في الأجهزة الأمنية في البلد المستهدف، وفقاً لتقييم الجهاديين أنفسهم. في تشرين الأول (أكتوبر) 2010، إستخدم الجهاديون هجوماً “على غرار مومباي” على كنيسة سيدة النجاة في بغداد، ما أسفر عن مقتل أكثر من 50 شخصاً من المصلّين. وقد إستخدمت المجموعة التكتيك عينه بعد خمسة أشهر (أيار (مايو) 2011) في مبنى مجلس المحافظة في تكريت، حيث قُتل 56 شخصاً آخرين.
3. إستهداف القادة العسكريين والسياسيين المؤثرين بالإغتيال:
• تشكيل “مجالس الصحوة” الجهادية: يعترف الجهاديون بأن تشكيل “مجالس الصحوة” في الأنبار كان “فكرة ذكية”، لذلك، فقد حثّوا من جهتهم أهل السنة المحليين على تشكيل مجموعات لحماية مناطقهم من قوات الجيش والأمن العراقية، والسيطرة على إدارة الأمن اليومية في تلك المناطق وتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية. وفقاً للجهاديين، إن الهدف من ذلك هو دمج السكان المحليين في المشروع الإسلامي لتنفيذ الشريعة وتجنب نفور السكان المحليين. كل هذه المجموعات سوف يشرف عليها أمير ديني جهادي. وقد لوحظ التقدم نحو هذه الأهداف في الأعداد المتزايدة من العراقيين الذين إنضموا إلى الجهاديين، فضلاً عن خلق تحالف مع بعض القبائل المحلية في الفلوجة في كانون الثاني (يناير) الفائت.
• الرمزية السياسية: يعتقد الجهاديون بأن بروز زعيم سياسي وديني هو خطوة أساسية في إقامة دولة إسلامية. في الفترة التي نشر فيها هذا الكتيب، كان الجهاديون يعتقدون أنه سيكون من الصعب العثور على هذا الرمز، ولكن عندما أصبح أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام” (داعش) بعد أشهر عدة، كان من الواضح انه كان يريد هذا الدور الرمزي من خلال الجمع بين خصائص التفويض السياسي والديني اللازمة. وقد تم عرض هذا الدور الرمزي عندما ألقى البغدادي خطبة الجمعة في جامع النوري الكبير في الموصل (تم بناؤه في 1172-1173)، الذي كان يستخدم تقليدياً في السابق من قبل الخلفاء المسلمين.
• تأمين وضمان غير المسلمين: وهذا يشير إلى قرار من “الدولة الإسلامية” لضمان أمن وحياة غير المسلمين والتأكيد على أن الجهاديين قادرون وعلى استعداد لحمايتهم وضمان مصالحهم، وهو موقف يعتبره الإسلاميون المتشددون مهماً في ضوء الجهود المستمرة لتشويه صورتهم في وسائل الإعلام. ومع ذلك، بعدما سيطر الجهاديون على مدينة الموصل في حزيران (يونيو)، هربت مئات العائلات المسيحية بعدما طالبها المحتلون الجدد بالتحول إلى الإسلام، والخضوع إلى حكمهم ودفع الضريبة الدينية (الجزية) أو مواجهة الموت بالسيف. من جهتها لا ترى “الدولة الإسلامية” في ذلك تناقضاً إذ أن مفهومها للعدالة يشمل تنفيذ الشريعة كما تعرفها “داعش”.
منذ أن بدأ عملياته في سوريا في العام 2013، كان هاجس تنظيم “داعش” يكمن بالسيطرة على فضاء جغرافي لدعم خططه لإقامة الخلافة. ولتحقيق أهداف مثل تأمين الحدود بين العراق وسوريا، شارك تنظيم “الدولة الإسلامية” فعلاً في مزيد من القتال ضد مسلحي الأكراد، ومتمردي “الجيش السوري الحر”، وحتى جهاديي “جبهة النصرة”، ولكن ليس ضد قوات نظام الأسد التي بدأ أخيراً مواجهتها. الواقع أن الإعلان عن الخلافة أفاد “الدولة الإسلامية” الجديدة التي تحوّلت إلى نقطة جذب للمقاتلين من جميع أنحاء العالم. وتفيد التقارير أن مواطنين أوروبيين مسلمين نفّذوا هجمات إنتحارية، كما أن الجهاديين في الأردن الذين كانوا يعارضون سابقاً “داعش” تغير الآن موقفهم ودعموا الخلافة، حسب صحيفة “الغد” الأردنية (23 تموز/ يوليو الفائت). هذه التطورات تعكس في الحقيقة الأسس الإيديولوجية الواردة في الخطة الإستراتيجية التي صدرت في العام 2010.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى